لحمدلله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وعلى آله وصحبه...

أما بعد..
فإن المتطلع إلى مباديء ديننا الحنيف , لتبهره جوانب التكامل في تشريعاته , مما يجعله موقنا بتفرد الإسلام وشموليته.
إن الإحسان هو الدرجة التي تسمو فوق العدل , وتتجاوز إلى البر والإكرام , وهو الفضيلة التي تقود صاحبها إلى الفضائل والأخلاق القويمة , لأنه يرتقي بالنفس بعد مغالبتها ومجاهدتها إلى مستوى رفيع بالعفو عن المسيء , والصفح عن المذنب , وصنع الجميل لذاته لا لدفع مغرم ولا لكسب مغنم بل حبا في الله تعالى , وإيثار لمرضاته سبحانه .

حـقـيــقــة الإحســـان

لقد تعارف الناس ـ بشكل خاطيء ـ على أن يفهموا الإحسان على أنه في عبادات الطاعات فقط لاغير,,وليست العبادة بمفهومها الشامل الذي ذكرته الآية الخالدة ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي لله رب العالمين * لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ))
ولقد تأملنا معنى الإحسان فى اللغة والكتاب والسنه , فوجدناه أوسع وأشمل من مجرد إتقان عبادة الطاعة لله .
قال تعالى : (( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) الآية.
وهذا يدل على أن الإحسان يشمل آفاق واسعة من الأخلاقيات والسلوكيات الحياتية حيث يدخل في النفقة في كل الأحوال وفي كظم الغيظ والعفو عن الناس , أيضا في طلب الرزق.

مـراتـب الإحـسـان

إن للإحسان مراتب كثيرة نشير إلى أعلى المراتب وهي مرتبة الإحسان إلى المسيء
قال الحسن البصري رحمه الله : إن الله عزوجل جمع لكم الخير كله , والشر كله في آية واحدة , ماترك العدل والإحسان شيئا من طاعة الله إلا جمعه , ولا تركت الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعته..
قال تعالى : (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)).
سبل تحقيق الإحسان

عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة , وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة, وليحد أحدكم شفرته , وليرح ذبيحته ))..رواه مسلم
وهذا قرار للنبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الإحسان في كل ميدان .
والإحسان ليس بالمعاملة فحسب بل يصل إلى حالة القتل الذي هو شيء غير محبوب ففي قوله صلى الله عليه وسلم ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة).

المجالات الرئيسية للإحسان

للإحسان مجالات متعددة , وإن شئت قلت إنه منتشر في جميع المجالات إلا أن له ثلاثة مجالات رئيسية هي:
1-إحسان العمل وإتقانه وإصلاحه سواء كان عملا دنيويا أو أخرويا , تعبديا أو معاملاتيا : قال تعالى : ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) الآيه.

2-الإحسان إلى الخلق , كالوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وعامة المسلمين قال تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا ) الآيه

3-الإحسان إلى من حولنا من الكون , من حيوان أو نبات أو ماء أو غير ذلك قال تعالى : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين ) الآية..


هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .