ما هو أطيب العيش؟



ينبغي أن يكون العمل كله لله ومعه ومن أجله، وقد كفاك كل مخلوق، وجلب لك كل خير.
وإياك كفاك كل مخلوق، وجلب لك كل خير.
وإياك أن تميل عنه بموافقة هوى وإرضاء مخلوق، فإنه يُعْكَس عليك الحال، ويفوتك المقصود، وفي الحديث: (من أرضى الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذامًا).
وأطيب العيش: عيش من يعيش مع الخالق سبحانه.
فإن قيل: كيف يعيش معه؟
قلت: بامتثال أمره، واجتناب نهيه، ومراعاة حدوده، والرضى بقضائه، وحسن الأدب في الخلوة، وكثرة ذكره، وسلامة القلب من الاعتراض في أقداره، فإن احتجت سألته، فإن أعطى وإلا رضيت بالمنع، وعلمت أنه لم يمنع بخلًا، وإنما نظرًا لك، ولا تنقطع عن السؤال؛ لأنك تتعبد به، ومتى دمت على ذلك، رزقك محبته وصدق التوكل عليه، فصارت المحبة تدلك على المقصود، وأثمرت لك محبته إياك، فحينئذ تعيش عيشة الصديقين.
ولا خير في عيش إن لم يكن كذا، فإن أكثر الناس مخبِّط في عيشه، يداري الأسباب، ويميل إليها بقلبه، ويتعب في تحصيل الرزق بحرص زائد على الحد وبرغبه إلى الخلق، ويعترض عند انكسار الأغراض، والقدر يجري ولا يبالي بسخط، ولا يحصل له إلا ما قُدِّر، وقد فاته القرب من الحق والمحبة له، والتأدب معه، فذلك العيش عيش البهائم.



المرجع: صيد الخاطر
للإمام: ابن الجوزي -رحمه الله-