تعليقات العلامة عبد الفتاح أبي غدة
على رسالة المسترشدين (للمحاسبي)
(الجزء الرابع عشر)


========================


قال رسول الله r: (( جلساء الله يوم القيامة: الخاضعون المتواضعون الخائفون الذاكرون الله كثيراً))[1].


[1]هذا الحديث لم أجده فيما رجعت إليه من المراجع الحديثية ، فالله أعلم به.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في ((شرح حديث العلم)) ص 17 – 21: (( وفي الحديث المعروف عن النبي e: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة ؟ قال: حلق الذكر)).
وكان ابن مسعود t إذا ذكر هذا الحديث قال: أما أني لا أعني القصّاص، ولكن حلق الفقه، وروي عن أنس معناه أيضاً.
ولما حضرت معاذ بن جبل t الوفاة قال: مرحباً بالموت، مرحباً بزائر جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكايدة الليل الطويل، ولظمأ الهواجر في الحر الشديد، ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر.
أتى أبو موسى الأشعري t عمر بن الخطاب t بعد العشاء فقال له عمر : ما جاء بك ؟ قال : جئت أتحدث إليك قال : هذه الساعة ؟ قال : إنه فقه، فجلس عمر فتحدثا طويلا ثم إن أبا موسى قال : الصلاة يا أمير المؤمنين قال : إنا في صلاة. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة كما في ((كنز العمال)) 5: 228 للمتقي الهندي.
ويعني بحلق الذكر هنا: حلق العلم، ومنه قوله تعالى:]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلون[.
وقال عطاء الخراساني: مجالس الذكر مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وتييع، وتصلي وتصوم، وتنكح وتطلق، وتحج، وأشباه هذا ، وكان أبو السوّار العدوي في حلقة يتذاكرون فيها العلم، ومعهم فتى شاب فقاللهم: قولوا: سبحان الله والحمد لله، فغضب أبو السوّار وقال: ويحك في أي شيء كنا إذاً؟! كما رواه الإمام أحمد في كتاب ((الزهد)) ص 316- 317.
وروى الدارمي في ((سننه)) في (باب فضل العلم والعالم) 1: 95 ((عن وهب بن منبه-أحد التابعين العباد- قال : مجلس يتنازع فيه العلم أحب إلي من قدره صلاة لعل أحدهم يسمع الكلمة فينتفع بها سنة أو ما بقي من عمره)). وروى الحافظ ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) 1: 22 ((عن عبد الله بن مسعود t قال: الدراسة صلاة)).
ومن مجالس الذكر أيضاً:مجالس العلم التي يذكر فيها تفسير القرآن، وتُروى فيها سنة رسول الله e، ويُعلم فيها الفقه في الدين، ومجالسه أفضل من مجالس ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير، لأنها دائرة فرض عين أو فرض كفاية، والذكر المجرد تطوع محض.
والمراد بهذا أن مجالس الذكر لا تختص بالمجالس التي يذكر فيها اسم الله بالتسبيح والتكبير والتحميد ونحوه، بل تشمل ما ذكر فيه أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه، وما يحبه ويرضاه، فإنه ربما كان هذا الذكر أنفع من ذلك، لأن معرفة الحلال والحرام واجبة في الجملة على كل مسلم بحسب ما يتعلق به في ذلك.
وأما ذكر الله باللسان فأكثره يكون تطوعاً، وقد يكون واجباً كالذكر في الصلوات المكتوبة. وأما معرفة ما أمر الله به، وما يحبه ويرضاه وما يكرهه: فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذلك أن يتعلمه، ولهذا رُوي ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)). انتهى كلام الحافظ ابن رجب بزيادة خبر معاذ من ((جامع العلم وفضله)) لابن عبد البر 1 : 51.