تعليقات العلامة عبد الفتاح أبي غدة
على رسالة المسترشدين (للمحاسبي)
(الجزء العاشر)
========================


ولا تشكُ من هو أرحمُ بكَ إلى من لا يَرحمُكَ ، واستَعِنْ بالله تكُنْ من أهل خاصَّته. قال عبادة بن الصامت y: أَظْهِرِ اليأسَ ممّا في أيدي الناسِ فإنّه الغِنَى ، وإيّاكَ والطّمعَ وطلَبَ الحاجاتِ فإنّه الفقرَ[1]، وإذا صليت فصل صلاة مودع[2].


========================
[1]الفقر المذموم والفقر المحمود:
أي الفقر المذموم الدائم ، وهو فقر النفس التي لا تشبع! وهو الذي كان النبي يتعوذ منه في دعائه فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الفقر....)) أما الفقر بمعنى (قلة المال في اليد) فله شأن آخر، بل قد صحت أحاديث كثيرة في فضل هذا الفقر، وهو الذي فضله طائفة من الأكابر على الغنى، أنظر ما نقلته في هذا الموضوع عن الإمام أحمد وغيره، في كتابي ((صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل))، وفي كتاب ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري 3: 140.
وإليك صورة من صور الفقر مع ظاهر الغنى: قال رجل لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق، كنت أريد أن تقبل مني هذه الجبة. فقال له: إن كنت غنياً قبلتها منك، وإن كنت فقيراً رفضتها، قال: إني غني، فقال له: وكم مالك ؟ قال: ألفاً دينار، فقال له: أفلا تودُّ لو أنها كانت أربعة آلاف بدلاً من ألفين ؟ قال الرجل: بلى. فقال إبراهيم: فأنت فقير فلا أقبلها منك.

[2]ذكر خمسة ممن كانوا عل الغاية من العبادة:
كان هذا الوصف من العبادة منتشراً في السلف، ويكثر في كتب الرجال والتراجم والتاريخ ذكر العباد الذين كانوا على هذه الحال، وإليك أسماء طائفة منهم كانوا في بيئة من المكان متلاصقة، وفي حِقبة من الزمان متلاحقة:
1- جاء في ((تاريخ الإسلام)) للحافظ الذهبي4: 144، و((تهذيب التهذيب))لابن حجر 6: 286، في ترجمة التابعي الجليل العابد (عبد الرحمن بن أني نُعْم البجلي الكوفي)، المتوفى قبا سنة مئة من الهجرة رحمه الله تعالى: (( كان من الثقات العابدين، قال بُكير بن عامر: لو قيل له: قد توجه إليك ملك الموت يريد قبض روحك، ما كانت عنده زيادة على ما هو فيه)).
2- وجاء في ((تذكرة الحفاظ)) للذهبي ص 141 ، في ترجمة الإمام (منصور بن زاذان الثقفي الواسطي) أحد الأعلام المتوفى سنة 131 رحمه الله تعالى: ((قال هُشيم تلميذه: كان لو قيل له: إنّ ملك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل)).
3- وجاء فيها أيضاً ص 142 – 141 في ترجمة الإمام (منصور بن المعتمر السُّلمي الكوفي) المتوفى سنة 132 رحمه الله تعالى: ((قال سفيان الثوري –تلميذه- لو رأيت منصوراً يصلي لقلت: يموت الساعة. قال زائدة بن قدامة تلميذه: صام منصور أربعين سنة وقام ليلها ، وكان يبكي الليل كله فإذا أصبح كحل عينيه وبرق شفتيه ودهن رأسه قال: فتقول له أمه: أقتلت قتيلا ؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت نفسي !)).
4- وجاء في ((تاريخ الإسلام)) أيضاً 4: 54، في ترجمة التابعي الجليل الفقيه الزاهد (مسلم بن يسار البصري)، المتوفى سنة 100 رحمه الله تعالى ما يلي:
((قال ابن عون عن عبد الله بن مسلم بن يسار أن أباه كان إذا صلى كأنه وتد لا يميل هكذا ولا هكذا.وقال غيلان بن جرير : كان مسلم بن يسار إذا صلى كأنه ثوب ملقى.وقال ابن شوذب : كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته : تحدثوا فلست أسمع حديثكم.وجاء أنه وقع حريق في داره وأطفأوه فلما ذكر به بعد قال : ما شعرت . رواها سعيد بن عامر الضبعي عن معدي بن سليمان)).
5- وجاء في ((تهذيب التهذيب)) 9: 209، في ترجمة (محمد بن سوقة الغنوي) الكوفي العابد الخزاز شيخ الثوري وعبد الله بن المبارك وهذه الطبقة ما يلي: ((قال سفيان بن عيينة: كان بالكوفة ثلاثة لو قيل لأحدهم إنك تموت غدا ما كان يقدر أن يزيد في عمله محمد بن سوقة وعمرو بن قيس الملائي وأبو حيان التيمي قال سفيان وكان محمد بن سوقة لا يُحْسن –أي لا يستطيع- أن يعصي الله تعالى)) انتهى.
وللإمام عبد الحي اللكنوي رحمه الله تعالى كتاب فريد في بابه: ((إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة))، خدمته واعتنيت بنشره فقف عليه إذا شئت.