ـ الشهيــــــدة ـ
لما غزا رسول الله بدراً قالت له : إئذن لي فأخرج معك , فأمرض مرضاكم , ثم لعل الله أن يرزقني الشهادة؟ قال :
ـ قري في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة ـ
أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصارية,
أسلمت رضي الله عنها وبايعت , ثم انصرفت إلى كتاب الله تعالى تحفظ آياته , وتتفقه في معانيها وأحكامها . تقوم الليل عابدة تصلي وتقرأ وتدعو وتتهجد وتخشع وتبكي , عكفت على جمع الآيات مكتوبة على العظم والجلد وغيرها , في دارها مرتبة كما يأمر ويوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم , لذا كانت هي ودارها مرجعا من المراجع الهامة التي عوّل عليها الخليفة ( الصديق ) ـ رضي الله عنه ـ عندما جمع القرآن من الثبوت وصدور الحفظة .
ولقد كانت لأم ورقة مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتيها زائراً بين الحين والحين مع بعض أصحابه وأخوانه إكراماً لهاوكان يقول لهم إذا أراد ذلك : انطلقوا بنا نزور الشهيدة , ولقد غلبت هذه البشرى بالشهادة على اسمها فاشتهرت به . .
وبالرغم من غناها وعظيم ثروتها ـ رضي الله عنها ـ فلقد كانت تملك بعض الأراضي الزراعية والبساتين , إلا أن ذلك لم يشغلها عن ذكر الله تعالى بل سخرت كل ذلك للخير .
لم يكن لها ـ رضي الله عنها ـ أب ولا أم ولا أخ ولا أخت ولا زوج ولا ولد لقد كانت وحيــــــدة
كانت تعيش في دارها الرحبة وحيدة إلا من خادمين يخدمانها ويعيشان معها , جارية مملوكة وعبد مملوك ورثتهما عن أهلها . ولقد أعتقتهما بالتدبير ( أن يُعتق العبد بعد وفاة سيده , ويكون وفاء المال من ثلث التركة ) فكانا يخدمانها ويقومان على شؤونها . عندما سمعت بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر , ذهبت إليه وقالت :
يارسول الله إئذن لي أن أخرج معكم أداوي جرحاكم وأًمرِّض مرضاكم , لعل الله يُهدي إليَّ الشهادة
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله يهدي إليكِ الشهادة وقري في بيتك فإنك شهيدة )
فسكتت وأطاعت وقرَّت في بيتها . واستأذنت رسول الله أن تجعل في بيتها مسجداً ومصلى ومؤذنا يرفع الصوت بالنداء كلما حان وقت الصلاة , فأذن لها عليه الصلاة والسلام . فكانت تقف في أهل بيتها للصلاة تؤمهم وكذلك الجارات ثم تعظهم وتوجههم وتتدارس معهم كتاب الله . وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ دنت ساعة رحيلها التي كانت تتمناها وتطلبها وتسعى إليها وعلى نفس الصورة التي كانت تريدها :
شهيدة .. مظلومة .. مغدورة ..
لقد كان فتاها وفتاتها اللذين أحسنت إليهما وعطفت عليهما غير جديرين بما قدمته لهما وانطبق عليهما ( اتق شر من أحسنت إليه ) فدبروا ذات ليلة جريمة قتلها ..
فماتت ـ رضي الله عنها ـ شهيدة الظلم والغدر تماما كما تنبأ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفرا هاربين ولكن أُمسك بهما ولقيا جزاءهما فقتلا وصلبا .
وعمّ المدينة حزن شديد ولم تبق عين إلا ودمعت حزنا على ( أم ورقة ) . ومما قاله عمر فيها : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يقول : إنطلقوا بنا نزور الشهيدة !! واستحقت البشرى بالجنة ـ رضي الله عنها ـ
لقدطابتالشهادةفبشرهابهارسولاللهصلىاللهعليهوسلم,ثمنالتها
ــرضياللهعنهاـوأكرمنُزلها
***************
المبشرات بالجنة ـ محمد قطب ـ
الروابط المفضلة