ساعة مع العارفين
مالك بن دينار
(الجزء الثالث)
(يجلس المرء حيث يجد قلبه)
قال وسمعته يقول: لو أعلم أن قلبي يصلح على كناسة لذهبت حتى أجلس عليها .
وسمعته يقول: وددت أن الله عز وجل أذن لي يوم القيامة إذا وقفت بين يديه أن أسجد سجدة ؛ فأعلم أنه قد رضي عني، ثم يقول لي: يا مالك كن ترابا .
حزم القطيعي قال: دخلنا على مالك بن دينار في مرضه الذي مات فيه وهو يكيد بنفسه فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنك تعلم أنى لم أكن أحب البقاء في الدنيا لبطن ولا لفرج .
وسمعته يقول: إنك إذا طلبت العلم لتعمل به كسَّرك العلم، وإذا طلبته لغير العمل به لم يزدك إلا فخرا .
(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ)
قال: وكانت الغيوم تجيء وتذهب ولا تمطر، فيقول مالك: أنتم تستبطئون المطر، وإنما أستبطئ الحجارة، إن لم تمطر حجارة فنحن بخير !!.
جعفر قال قلنا لمالك بن دينار: ألا تدعو قارئا –يقرأ عليهم القرآن-؟ قال: إن الثكلى لا تحتاج إلى نائحة، فقلنا له: ألا تستسقى؟ فقال: أنتم تستبطئون المطر لكنى أستبطئ الحجارة .
(وحشة لا يزيلها إلا السكون إليه)
جعفر قال أنبا مالك بن دينار قال: لما وقعت الفتنة –فتنة ابن الأشعث- أتيت الحسن –البصري- ثلاثة أيام أسأله: يا أبا سعيد ما تأمرني؟ فلا يجيبني، قال: فقلت: يا أبا سعيد أتيتك ثلاثة أيام أسألك، وأنت معلمي، فلا تجيبني ! فوالله لقد هممت أن آخذ الأرض بقدمي، وأشرب من أفواه الأنهار، وآكل من بقل البرية حتى يحكم الله عز وجل بين عباده قال: فأرسل الحسن عينيه باكيا، ثم قال: يا مالك ومن يطيق ما تطيق ولكنا
والله ما نطيق هذا .
قال جعفر وكنت عند مالك بن دينار فجاء هشام بن حسان ؛ وكان يأتيه هشام بن حسان وسعيد بن أبى عروبه وحوشب يطلبون قلوبهم، فجاء هشام فقال: أين أبو يحيى؟ قلنا: عند البقال، قال: قوموا بنا إليه، قال: فحانت منه نظرة إلى هشام، فقال: يا هشام إني أعطى هذا البقال كل شهر درهما ودانقين، فآخذ منه كل شهر ستين رغيفا، كل ليله رغيفين، فإذا أصبتهما سخنا فهو أدمهما، يا هشام إني قرأت في زبور داود: إلهي رأيت همومي وأنت من فوق العلى، فانظر ما همومك يا هشام .
(صنائع المعروف تقي مصارع السوء)
عن السرى بن يحيى عن مالك بن دينار قال: أخذ السبع صبيا لامرأة، فتصدقت بلقمة، فألقاه فنوديت لقمة بلقمة .
عفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: إن الله جعل الدنيا دار مفر، والآخرة دار مقر فخذوا لمقركم من مفركم، وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، ففي الدنيا حييتم ولغيرها خلقتم، إنما مثل الدنيا كالسم أكله من لا يعرفه واجتنبه من عرفه، ومثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل يحذرها ذوو العقول ويهوى إليها الصبيان بأيديهم .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ)
الحارث بن نبهان قال: قدمت من مكة فأهديت إلى مالك بن دينار ركوة
قال: فكانت عنده، فجئت يوما فجلست في مجلسه، فلما قضاه، قال لي: يا حارث تعال خذ تلك الركوة، فقد شغلت على قلبي، فقلت: يا أبا يحيى إنما اشتريتها لك، تتوضأ فيها، وتشرب، فقال: يا حارث إني إذا دخلت المسجد جاءني الشيطان، فقال لي: يا مالك إن الركوة قد سرقت، فقد شغلت على قلبي .
جعفر قال: رأيت مالك بن دينار يتقنع بعباءة أو قال بكساء ثم يقول: إله مالك قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، فأي الدارين دار مالك، وأي الرجلين مالك، ثم يبكى .
وسمعته يقول: لو استطعت أن لا أنام، لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعوانا لفرقتهم ينادون فى منار الدنيا كلها يا أيها الناس النار النار .
وسمعته يقول: لو كان لأحد أن يتمنى، لتمنيت أن يكون لي في الآخرة خص من قصب فأُرْوى من الماء وأنجو من النار .
وسمعته يقول للمغيرة بن حبيب وكان ختنه: يا مغيرة كل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيرا فانبذ عنك صحبته .
وسمعته يقول: يا أخوتاه بحق أقول لكم، لولا البول ما خرجت من المسجد .
وسمعته يقول: إنما العالم الذي إذا أتيته في بيته فلم تجده، قص عليك بيته، رأيت حصيره للصلاة ومصحفه ومطهرته في جانب البيت، ترى أثر الآخرة .
وسمعته يقول: إن الأبرار لتلغي قلوبهم بأعمال البر، وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور، والله يرى همومكم، فانظروا ما همومكم رحمكم الله .
(أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
وسمعته يقول: إن الصديقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة .
وسمعته يقول: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب: وسمعته يقول إن لله تعالى عقوبات فتعاهدوهن من أنفسكم في القلوب والأبدان وضنك في المعيشة ووهن في العبادة وسخطة في الرزق .
(تعلم القناعة من بلبل !!)
جعفر عن مالك بن دينار قال: خرج سليمان بن داود عليه السلام في
موكبه، فمر ببلبل على غصن شوك يصفر، ويضرب بذنبه فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: فإنه يقول قد أصبت اليوم نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء .
فضيل بن عياض قال رأى مالك بن دينار رجلا يسئ صلاته فقال: ما أرحمني لعياله، فقيل له: يسيء هذا صلاته وترحم عياله !! قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون !.
الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول قال رجل لمالك بن دينار: يا مرائي، قال: متى عرفت اسمي؟ ما عرف
اسمي غيرك .
الحسين بن على الحلوانى قال: دخل اللصوص إلى بيت مالك بن دينار: فلم يجدوا في البيت شيئا، فأرادوا الخروج من داره فقال مالك: ما عليكم لو صليتم ركعتين .
(لمثل هذا فليعمل العاملون)
أبو عيسى قال دخلنا على مالك بن دينار عند الموت فجعل يقول: لمثل هذا اليوم كان دءوب –اجتهاد- أبى يحيى .
(و الحياء شعبة من الإيمان)
حصين بن القاسم قال: قلت لعبد الواحد بن زيد: ما كان سبب موت مالك بن دينار؟ قال: أنا كنت سببه، سألته عن رؤيا رأى فيها مسلم بن يسار فقصها عليّ، فانتفضت فجعل يشهق ويضطرب حتى ظننت أن كبده قد تقطعت في جوفه، ثم هدأ فحملناه إلى بيته، فلم يزل مريضا يعوده إخوانه، حتى مات منها فهذا كان سبب موته .
أسند مالك بن دينار عن أنس بن مالك وعن جماعة من كبار التابعين كالحسن وابن سيرين والقاسم بن محمد وسالم بن عبيد الله وتوفى قبل الطاعون بيسير وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثون ومائه .
الروابط المفضلة