من روائع رائد الصحوة الإسلامية
المعاصرة في تركيا
بديع الزمان سعيد النورسي
================
والسؤال هو: لِمَ قال: "نعبد ..نستعين" بنون المتكلم مع الغير، ولم يقل "أعبد.. أستعين"؟
================
قبل الاشارة الى ما فيها من حجة ورد الى القلب بيان سياحة خيالية ذات حقيقة بياناً موجزاً بناءً على إيضاح "المكتوب التاسع والعشرين" لها، وهي كالآتي:
بينما كنت أبحث عن معجزات القرآن، كما هو مبين في رسائل النور، ولاسيما في تفسير "إشارات الإعجاز" وفي رسالة "الرموز الثمانية". وحينما وجدت بضع معجزات حول الإخبار الغيبي في آية الختام لسورة الفتح؛ والمعجزة التاريخية في الآية الكريمة (اليوم ننجيك ببدنك) (يونس: 92).
بل وجدت لمعات إعجاز متعددة في كثير من كلمات القرآن ونكات إعجازية دقيقة في بعض حروفه.. في هذه الاثناء وانا اقرأ سورة الفاتحة في الصلاة ورد الى قلبي سؤال؛ ليعلمني معجزة من معجزات "ن" التي في "نعبد. ونستعين".
والسؤال هو: لِمَ قال: "نعبد ..نستعين" بنون المتكلم مع الغير، ولم يقل "أعبد.. أستعين"؟
وعلى حين غرة فُتح امام خيالي ميدان سياحة واسعة من باب تلك الـ"ن". فعلمت بدرجة الشهود السر العظيم في صلاة الجماعة، وشاهدت منافعها الجليلة وعلمت يقيناً ان هذا الحرف الواحد معجزة بذاتها، وذلك:
عندما كنت أصلى في ذلك الوقت في جامع "بايزيد" واثناء قولي: "إياك نعبد وإياك نستعين" رأيت ان جماعة ذلك الجامع يؤيدون دعواي هذه بقولهم مثل ما أقول؛ ويشاركونني مشاركة تامة في دعواي هذه وفي دعائي الذي في "إهدنا" مصدّقين إياي.. في هذا الوقت بالذات رفع ستار من امام خيالي فرأيت كأن مساجد استانبول كلها قد تحولت الى مسجد "بايزيد" كبير وجميع المصلين فيها
يقولون مثلي: "إياك نعبد وإياك نستعين " مصدقين دعواي ومؤمّنين لدعائي. ومن خلال إتخاذهم صورة شفعاء لي، رفع ستار آخر امام خيالي، فرأيت ان العالم الاسلامي قد أتخذ صورة مسجد عظيم جداً واخذت مكة المكرمة والكعبة المشرّفة بمثابة محراب ذلك المسجد العظيم وقد يمّم جميع المصلين الصافين المتراصين وجوههم بشكل حلقات شطر ذلك المحراب المقدس وهم يقولون مثلي: "إياك نعبد وإياك نستعين. إهدنا.." وكل منهم يصدق الكل ويدعو بإسمهم، جاعلا جميع المصلين شفعاء له.
وحينما كنت أفكر أن طريقاً يسلكها جماعة عظيمة الى هذا الحد لاتكون طريقاً عوجاً قطعاً ولاتكون دعواها إلا صواباً، ولايُردُّ دعاءها بل تطرد شبهات الشيطان.. وإذ أنا أصدق منافع الصلاة العظيمة في جماعة تصديقاً شهودياً، رفع ستار آخر، ورأيت:
كأن الكون مسجد كبير وجميع طوائف المخلوقات منهمكة في صلاة جماعية كبرى، كل قد علم صلاته وتسبيحه، يؤدى نوعا ًً من صلاة خاصة به بلسان الحال. ايفاء ً لعبودية واسعة عظيمة جداًً إزاء ربوبية المعبود الجليل المحيطة. فيصدق كل منهم شهادة الجميع على التوحيد بحيث يحصل كل منهم على اثبات النتيجة نفسها. وإذ كنت اشاهد هذه الامور، رفع ستار آخر، ورأيت:
كما ان الكون الذي هو انسان كبير يقول بلسان الحال وبلسان الاستعداد والحاجة الفطرية لكثير من اجزائه، وبلسان المقال لذوي الشعور من موجوداته: "إياك نعبد وإياك نستعين" مظهرين عبوديّتهم لخالقهم ازاء ربوبيته الرحيمة، كذلك جسدى، هذا الكون الصغير، كجسد كل مصلّ ٍ معي في تلك الجماعة العظمى يقول بذراته وبقواه وبمشاعره ايضاً: "إياك نعبد وإياك نستعين" بلسان الطاعة والحاجة، ازاء ربوبية خالقه، منقاداً للأمر الآلهى مستسلماً لارادته سبحانه، ورأيت ان تلك الجماعة من الذرات والقوى والمشاعر تعرض في كل آن حاجتها الى عناية خالقها الجليل وتبسطها امام رحمته واعانته. وشاهدت باعجاب السر الرفيع للجماعة في الصلاة، وأبصرت المعجزة الجميلة لـ"ن" نعبد. واستودعت تلك السياحة الخيالية لدى باب "ن" الذي دخلتها منه. وحمدتُُ الله قائلاً: الحمد لله. وسعيت لاقول "إياك نعبد وإياك نستعين" بلسان تلك الجماعات الثلاث، اولئك الاصدقاء الكبار والصغار.
الروابط المفضلة