وهيب بن الورد بن أبي الورد
(الجزء الثاني)
( زنوها قبل أن توزنوا )
وعن إبن المبارك قال: ما جلست إلى أحد كان أنفع لي مجالسة من وهيب، كان لا يأكل من الفواكه، وكان إذا انقضت السنة وذهبت الفواكه يكشف عن بطنه وينظر إليها ويقول-مخاطباً نفسه- يا وهيب ما أرى بك بأسا ما، أرى تركك الفواكه ضرك شيئا .

( حقيقة العزلة في مراقبة اللسان )
وعن محمد بن مزاحم عن وهيب بن الورد قال: وجدت العزلة اللسان .
وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال وهيب بن الورد: كان يقال الحكمة عشرة أجزاء، فتسعة منها في الصمت، والعاشرة عزلة الناس، قال: فعالجت نفسي على الصمت فلم أجدني أضبط كل ما أريد منه، فرأيت أن هذه الأجزاء العشرة عزلة الناس .
وعن عبد الرزاق قال سمعت وهيب بن الورد يقول: من عد كلامه من عمله قل كلامه .
عن عمرو بن محمد بن أبي رزين قال وسمعت وهيبا يقول: إن العبد ليصمت فيجتمع له لبه .

( البشارة والإشارة )
وعنه قال كانوا يرون الرؤيا لوهيب أنه من أهل الجنة فإذا أخبر بها اشتد بكاؤه وقال قد خشيت أن يكون هذا من الشيطان .

( بين كلام العالم وعمله )
وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال وهيب بن الورد: لو أن علماءنا عفا الله عنا وعنهم نصحوا لله في عباده فقالوا: يا عباد الله اسمعوا ما نخبركم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم وصالح سلفكم من الزهد في الدنيا فاعملوا به ولا تنظروا إلى أعمالنا هذه الفسلة (المسترذلة الرديئة) كانوا قد نصحوا لله في عباده، ولكنهم يأبون إلا أن يجروا عباد الله إلى فتنتهم وما هم فيه .

( رضي الله عنهم ورضوا عنه )
وعن جرير بن حازم عن وهيب قال بلغني أن موسى عليه السلام قال: يا رب أخبرني عن آية رضاك عن عبدك، فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني أهيء له طاعتي وأصرفه عن معصيتي فذاك آية رضاي عنه .

(عين فاضت من خشية الله)
وقال بن المبارك كان وهيب يتكلم والدموع تقطر من عينيه .

(خشية العالم)
وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال وهيب: عجبا للعالم كيف تجيبه دواعي قلبه إلى إرتياح الضحك وقد علم أن له في القيامة روعات ووقفات وفزعات ثم غشي عليه .

( حجر الساقية )
وعن محمد بن يزيد قال سمعت وهيبا يقول ضُرِبَ لعلماء السوء مثل فقيل إنما مثل عالم السوء كمثل الحجر في الساقية فلا هو يشرب الماء ولا هو يخلى الماء إلى الشجر فيحيا به .

( عجب عابد وتوبة لص )
وعنه عن وهيب قال: بلغنا أن عيسى عليه السلام مر هو ورجل من حوارييه بلص –سارق- في قلعة له فلما رآهما اللص ألقى الله في قلبه التوبة قال فقال –اللص- في نفسه هذا عيسى بن مريم عليه السلام روح الله وكلمته وهذا فلان حواريه ومن أنت يا شقي يالص بني اسرائيل، قطعت الطريق وأخذت الأموال وسفكت الدماء، ثم هبط إليهما تائبا نادما على ما كان منه، فلما لحقهما قال لنفسه تريد أن تمشي معهما لست لذلك بأهل امش خلفهما كما يمشي الخطَّاء المذنب مثلك قال فالتفت إليه الحوارى فعرفه فقال في نفسه انظر إلى هذا الخبيث الشقي ومشيه وراءنا، قال –وهيب- فاطلع الله على ما في قلوبهما من ندامته وتوبته ومن ازدراء الحوارى إياه وتفضيله نفسه عليه قال فأوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم: أن مُرْ الحوارى ولص بني إسرائيل أن يستأنفا العمل جميعا أما اللص فقد غفرت له ما قد مضى لندامته وتوبته وأما الحوارى فقد حبط عمله لعجبه بنفسه وازدرائه هذا التواب .

( إبليس وأصناف بني آدم )
قال وهيب وبلغنا أن الخبيث إبليس تبدى ليحيى بن زكريا عليهما السلام فقال له إني أريد أن أنصحك . قال: كذبت أنت لا تنصحني، ولكن أخبرني عن بني آدم . قال هم عندنا على ثلاثة أصناف، أما صنف منهم فهم أشد الأصناف علينا نقبل حتى نفتنه ونستمكن منه ثم يفزع إلى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه ثم نعود له فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك في عناء .
وأما الصنف الآخر فهم بين أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا فقد كفونا أنفسهم ..
وأما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء .
فقال له يحيى على ذاك هل قدرت مني على شيء ؟ قال: لا إلا مرة واحدة فإنك قدمت طعاما تأكله فلم أزل أشهيه إليك حتى أكلت أكثر مما تريد فنمت تلك الليلة ولم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم إليها .
قال فقال له يحيى: لا جرم لا شبعت من طعام أبدا حتى أموت فقال له الخبيث: لا جرم لا نصحت آدميا بعدك .