عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
(الجزء الخامس)
ونحن نذكرها هنا طرفا من أخباره وإن كان دون طبقة أبيه لكنا ألحقناه به لأنه مات في حياة أبيه .

(بطانة الخير)
وعن بعض مشيخة أهل الشام قال كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أدخله في العبادة ما رآى من ابنه عبد الملك .

(سعة القلب)
وعن إسمعيل بن أبي حكيم قال غضب عمر بن عبد العزيز يوما فاشتد
غضبه وكان فيه حدة وعبد الملك حاضر فلما سكن غضبه قال يا أمير المؤمنين أنت في قدر نعمة الله عليك وموضعك الذي وضعك الله به وما ولاك من أمر عباده يبلغ بك الغضب ما أرى قال كيف قلت فأعاد عليه كلامه فقال أما تغضب يا عبد الملك فقال ماتغنى سعة جوفي إن لم أردد فيه الغضب حتى لا يظهر منه شيء أكرهه .

(الابن العون وإماتة البدع)
دخل عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز على عمر فقال يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فأخلني وعنده مسلمة بن عبد الملك فقال عمر أسر دون عمك قال نعم فقال مسلمة وخرج وجلس بين يديه فقال يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك فقال رأيت بدعة تمتها أو سنة فلم تحيها فقال له يا بني أشيء حملك الرغبة إلى أم رأى رأيته من قبل نفسك قال لا والله ولكن رأى رأيته من قبل نفسي عرفت أنك مسئول فما أنت قائل فقال له أبوه رحمك الله وجزاك من ولد خيرا فوالله إني لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة وعروة عروة ومتى ما أريد مكابرتهم على انتزاع مافي أيديهم لم آمن أن يفتقوا على فتقا تكثر فيه الدماء والله لزوال الدنيا أهون علي من أن يهراق في سببي محجة من دم أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيي فيه سنة حتى يحكم الله بيننا بالحق وهو خير الحاكمين .
وعن إسمعيل بن أبي حكيم قال دخل عبد الملك على أبيه عمر فقال أين وقع لك رأيك فيما ذكر لك مزاحم من رد المظالم فقال علي إنفاذه فرفع عمر يده ثم قال الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على أمر ديني نعم يا بني أصلي الظهر إن شاء الله ثم أصعد المنبر فأردها على رؤوس الناس فقال عبد الملك يا أمير المؤمنين من لك بالظهر ومن لك إن بقيت أن تسلم لك نيتك فقال عمر فقد تفرق الناس للقائلة فقال عبد الملك تأمر مناديك فينادي الصلاة جامعة ثم يجتمع الناس فأمر مناديه فنادى .
وعن إبن أبي عبلة قال جلس عمر يوما للناس فلما انتصف النهار ضجر ومل فقال للناس مكانكم حتى أنصرف إليكم ودخل ليستريح ساعة فجاء إليه ابنه عبد الملك فسأل عنه فقالوا دخل فاستأذن عليه فأذن له فلما دخل قال يا أمير المؤمنين ما أدخلك قال أردت أن أستريح ساعة قال أو أمنت الموت أن يأتيك ورعيتك على بابك ينتظرونك وأنت محتجب عنهم فقام عمر فخرج إلى الناس .
وعن زياد بن أبي حسان أنه شهد عمر بن عبد العزيز حين دفن إبنه عبد الملك إستوى قائما وأحاط به الناس فقال والله يا بني لقد كنت برا بأبيك والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسرورا بك ولا والله ما كنت قط أشد سرورا ولا أرجى لحظى من الله فيك منذ وضعتك في المنزل الذي صيرك الله إليه فرحمك الله وغفر لك ذنبك وجزاك بأحسن عملك ورحم كل شافع يشفع لك بخير من شاهد وغائب رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره الحمد لله رب العالمين ثم انصرف .