عمر بن عبد العزيز بن مروان ,وابنه عبد الملك


(الجزء الرابع)


(رحم الله أهدى لي عيوبي)

وعن عمرو بن مهاجر قال قال لي عمر بن عبد العزيز إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم هزني ثم قل يا عمر ما تصنع .


(تخيروا لنطفكم)

وعن عبيد الله بن محمد التميمي قال سمعت أبي وغيره يحدث أن عمر ابن عبد العزيز لما ولى منع قرابته ما كان يجري عليهم وأخذ منهم القطائع التي كانت في أيديهم فشكوا إلى عمته أم عمر فدخلت فقالت إن قرابتك يشكونك ويزعمون أنك أخذت منه خير غيرك قال منعتهم حقا ولا أخذت منهم حقا فقالت إني رأيتهم يتكلمون وإني أخاف أن يهجوا عليك يوما عصيبا فقال كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره قال ودعا بدينار وخبث ومجمرة فألقى الدينار في النار وجعل ينفخ على الدينار حتى إذا احمر تناوله بشيء فألقاه على الخبث فنش فقال أي عمة أما تأوين لابن أخيك من مثل هذا فقامت فخرجت على قرابته فقالت تزوجون إلى آل عمر فإذا نزعوا الشبه جزعتم إصبروا له .
وعن أبي سليم الهذلي قال وخطب عمر بن عبد العزيز فقال أما بعد فإن الله عز وجل لم يخلقكم عبثا ولم يدع شيئا من أمركم سدى وإن لكم معادا فخاب وخسر من خرج من رحمة الله وحرم الجنة التي عرضها السموات والأرض واشترى قليلا بكثير وفانيا بباق وخوفا بأمن ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين في كل يوم وليلة تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عز وجل قد قضى نحبه وانقضى أجله حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع ثم تدعونه غير ممهد ولا موسد قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب وواجه الحساب مرتهنا بعمله فقيرا إلى ما قدم غنيا عما ترك فاتقوا الله قبل نزول الموت وايم الله إني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب ما أعلم عندي وما يبلغني عن أحد منكم ما يسعه ما عندي إلا وددت أنه يمكنني تغييره حتى يستوي عيشنا وعيشه وأيم الله لو أردت غير ذلك من الغضارة والعيش لكان اللسان مني به ذلولا عالما بأسبابه ولكن سبق من الله عز وجل كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيها على طاعته ونهى فيها عن معصيته ، ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وشهق وبكى الناس
وكانت آخر خطبة خطبها .


(بين اليقظة والغفلة)

سعيد بن محمد الثقفي قال سمعت القاسم بن غزوان قال كان عمر ابن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات

أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم ... وكيف يطيق النوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لحرقت ... مدامع عينيك الدموع السواجم
بل أصبحت في النوم الطويل وقددنت ... إليك أمور مفظعات عظائم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم
يغرك ما يفني وتشغل بالمنى ... كما غر باللذات في النوم حالم
وتشغل فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم




( الله خير وأبقى )

وعن القاسم بن غزوان قال كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات وعن هاشم قال لما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر دخل عليه مسلمة بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إنك أفقرت أفواه ولدك من هذا المال وتركتهم عيلة لاشيء لهم فلو وصيت بهم إلي وإلى نظرائي من أهل بيتك
قال فقال أسندوني ثم قال أما قولك إني أفقرت أفواه ولدي من هذا المال فوالله إني مامنعتهم حقا هو لهم ولم أعطهم ما ليس لهم وأما قولك لو أوصيت بهم فإن وصيي ووليي فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، بَنيَّ - يعني أولادي- أحد الرجلين إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجا وإما رجل مكب على المعاصي فإني لم أكن أقويه على معاصي الله ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرا قال فنظر إليهم فذرفت عيناه ثم قال بنفسي الفتية الذين تركتهم عيلة لا شيء لهم فإني بحمد الله قد تركتهم بخير أي بني : إن أباكم مثل بين أمرين بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار أو تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار قوموا عصمكم الله .


(الزائرون الكرام)

وعن ليث بن أبي رقية عن عمر أنه لما كان مرضه الذي قبض فيه قال أجلسوني فأجلسوه ثم قال أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا إله إلا الله ثم رفع رأسه وأحد النظر فقالوا له إنك لتنظر نظرا شديدا فقال إني لأرى حضرة ما هم بأنس ولا جان ثم قبض رضي الله عنه .


(العُمْرٌ المبارك)

وتوفي رضي الله عنه لعشر ليال بقين من رجب سنة إحدى ومائة وهو ابن
تسع وثلاثين سنة وأشهر وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر ومات بدير سمعان وقبر هناك وكان له رضي الله عنه أولاد إلا أنه كان عينهم .