العلاقة المتبادلة بين أهل البيت والصحابة الكرام رضي الله عنهم

للعلامة: أبي الحسن الندوي
لقد وصف القرآن الكريم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، فقال {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح : 29]
ويؤيد هذا النص القرآني حياتهم وعلافتهم المتبادلة ومعاملاتهم الأخوية وتحاببهم وإكرامهم بعضهم لبعض ، ورعايتهم ، وأداء حقوقهم ، وقد صدق أمير علي حينما قال : ((إن تصلب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدين نفسه لأكبر دليل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وإخلاصه للهدف الذي بعث من أجله )) .
وكل ما رواه أو يروي الناس عنهم خلاف هذه الشهادة القرآنية ، وتغليط التاريخ ، وسوء الظن والتشكيك في تربية النبي صلى الله عليه وسلم ، وننقل هنا بعض الوقائع والأحداث التي تتصل بهم :
جاء فيما رواه الإمام البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه ، قال : ((صلّى أبو بكر العصر ثم خرج يمشي ، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان ، فحمله على عاتقه وقال : بأبي ، شبيه بالنبي صلى الله عليه وسلم لا شبيه بهليّ ، وعليّ يضحك))(1)
وقد حاء فيما رواه الحسين بن علي رضي الله عنه قال : ((إن عمر قال لي ذات يوم : أي بُني ، لو جعلت تأتينا وتغشانا ؟ فجئت يوماً وهو خالٍ بمعاوية ، وابن عمر بالباب لم يؤذن له ، فرجعت ، فلقيني بعدُ ، فقال : يا بني لم أرك تأتينا ؟ قلت : جئت وأنت خالٍ بمعاوية ، فرأيت ابن عمر رجع فرجعت ، فقال : أنت أحق بالإذن من عبد اله ابن عمر ، إنما أنبت في رؤوسنا ما ترى ، الله ، ثم أنتم ، ووضع يده على رأسه))(2) .
وروى ابن سعد عن جعفر الصادق بن محمد الباقر عن أبيه علي بن الحسين قال قدم على عمر حلل م اليمن ، فكسا الناس ، فراحوا في الحلل ، وهو بين القبر والمنبر جالس ، والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون له ، فخرج الحسن والحسين من بيت أمهما فاطمة رضي الله عنهم يتخطيان الناس ، وليس عليهما من تلك الحلل شيء ، وعمر قاطب صارٌّ بين عينيه ، ثم قال : والله ما هنأ لي ما كسوتكم . قالوا : يا أمير المؤمنين ، كسوت رعيتك فأحسنت . قال : من أجل الغلامين يتخطيان الناس ، ليس عليهما منها شيء ، كبرت عنهما وصغرا عنها ، ثم كتب إلى اليمن أن ابعث بحلَّتين لحسن وحسين وعجل ، فبعث إليه بحلتين فكساهما .(3)
وعن جعفر أنه لما أراد أن يفرض للناس بعد ما فتح الله عليه ، جمع ناساً من أصحاب النبيّ فال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : أبدأ بنفسك ، فقال : لا والله ، فبدأ بأقارب من رسول الله صلى اله عليه وسلم ، ومن بني هاشم رهط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفرض للعباس ، ثم لعلي ، حتى والى بين خمس قبائل حتى انتهى إلى بني عديّبن كعب .
فكتب : من شهد بدراً من بني هاشم ، ثم من شهد بدراً من بني أمية بن عبد شمس ، ثم الأقرب فالأقرب ففرض الأعطيات لهم ، وفرض للحسن والحسين لمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم .(4)
يقول العلامة الشبلي النعماني في كتابه (الفاروق) حول عنوان ((رعاية الحقوق والآداب بين الآل والأصحاب)) :
((إن عمر رضي الله عنه لم يكن يبيت برأي في مهمات الأمور قبل أن يستشير عليّاً الذي كان يشير عليه بغاية من النُصْحِ ودَافعٍ من الإخلاص ، وكان قد حاول أن يوليه قيادة الجيش في معركة ((نهاوند)) إلا أنه لم يوافق عليه ، ولما سافر إلى بيت المقدس استخلفه في جميع شؤون الخلافة على المدينة ، وقد تمثل مدى الانسجام والتضامن ينهما حينما زوجه عليٌّ رضي الله عنه من السيدة أم كلثوم التي كانت بنت فاطوة رضي الله عنها . (5)
ولا أدل على الصلة الوطيدة الخالصة التي كانت بين علي وعمر رضي الله عنهما من تزويجه أم كلثوم معه رُغم وجود زوجاتهالسابقات ، وفي مثل سنه المتقدمة ، وكذلك تسميته –أي عليٌّ- لأبنائه الثلاثة بأسماء الخلفاء الذين سبقوه ، وهم أبو بكر وعمر وعثمان (6) ، إن لاأوضح مثال للثقة والمودة التي كانا يتبادلانها ، وكان يمكننا أن نسوق أمثلة أخرى لهذه الصلة القوية ، ولكن نكتفي بما سقناه نظراً إلى الاختصار .



(1)صحيح البخاري كتاب المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم .
(2)كنز العمال 7/105
(3)أيضاً ص 106
(4)كتاب الخراج لأبي يوسف ص ص 24- 25
(5)جاء بحث مستفيض في هذا الزواج ودلائله والنقاش التاريخي والعلمي والكلامي حول هذا الموضوع ، في كتاب الأمير محسن الملك الشهير ب((آيات بينات)) 1/127 - 164
(6) العبقريات لعباس محمود العقاد ص 95