عمر بن عبد العزيز بن مروان ,وابنه عبد الملك

(الجزء الثالث)

(طلاق الدنيا)

وعن بعض خاصة عمر بن عبد العزيز أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عاليا فسئل عن البكاء فقيل إن عمر بن عبد العزيز خير جواريه فقال إنه قد نزل لي أمر قد شغلني عنكن فمن أحب أن أعتقه أعتقته ومن أراد أن أمسكه أمسكته ولم يكن مني إليها شيء فبكين يأسا منه .


( خير يعم البرية جميعاً )

ولما بلغت الخوارج سيرة عمر وما رد من المظالم اجتمعوا فقالوا ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل.
وعن مالك بن دينار قال لما ولى عمر بن عبد العزيز قالت رعاء الشاء في رؤس الجبال من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس قال فقيل لهم وما علمكم بذلك قالوا إنه إذا قام خليفة صالح كفت الذئاب والأسد عن شائنا.


(المسلمون أولى)

وعن الثقة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أما بعد فإنك كتبت إلى سليمان كتبا لم ينظر فيها حتى قبض رحمه الله وقد بليت بجوابك كتبت إلى سليمان تذكر أنه يقطع لعمال المدينة من بيت مال المسلمين ثمن شمع كانوا يستضيئون به حين يخرجون إلى صلاة العشاء وصلاة الفجر وتذكر أنه قد نفد الذي كان يستضاء به وتسأل أن يقطع لك من ثمنه بمثل ما كان للعمال وقد عهدتك وأنت تخرج من بيتك في الليلة المظلمة الماطرة الوحلة بغير سراج ولعمري لأنت يومئذ خير منك اليوم والسلام .


( تلك حال وهذه حال )

وعن رجاء بن حيوة قال كان عمر بن عبد العزيز من أعطر الناس وأخيلهم في مشيته فلما إستخلف قوموا ثيابه اثني عشر درهما كمته وعمامته وقميصه وقباءة وقرطقه ورداءه وخفية .
وعن مسلم قال دخلت على عمر بن عبد العزيز وعنده كاتب يكتب وشمعة تزهر وهو ينظر في أمور المسلمين قال فخرج الرجل فأطفئت الشمعة وجىء بسراج إلى عمر فدنوت منه فرأيت عليه قميصا فيه رقعة قد طبق ما بين كتفيه قال فنظر في أمري .
علي بن بذيمة قال رأيته بالمدينة وهو أحسن الناس لباسا ومن أطيب الناس ريحا ومن أخيل الناس مشية ثم رأيته بعد يمشي مشية الرهبان فمن حدثك أن المشي سجية فلا تصدقه .


( زهده )

وعن يونس بن أبي شبيب قال شهدت عمر بن عبد العزيز وهو يطوف بالبيت وإن حجزة إزاره لغائبة في عكنه ثم رأيته بعد ما استخلف ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسها لفعلت .
وعن مسلمة بن عبد الملك قال دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه فإذا عليه قميص وسخ فقلت لفاطمة بنت عبد الملك يا فاطمة اغسلي قميص أمير المؤمنين قالت نفعل إن شاء الله ثم عدت فإذا القميص على حاله فقلت يا فاطمة ألم آمركم أن تغسلوا قميص أمير المؤمنين فإن الناس يعودونه قالت والله ماله قميص غيره .


( كخ كخ ، لا نضيع نصيبنا من الله !! )

وعن الفهري عن أبيه قال كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاح الفيء فتناول إبن له صغير تفاحة فانتزعها من فيه فأوجعه فسعى إلى أمه مستعبرا فأرسلت إلى السوق فاشترت له تفاحا فلما رجع عمر وجد ريح التفاح فقال يا فاطمة هل أتيت شيئا من هذا الفيء قالت لا وقصت عليه القصة فقال والله لقد انتزعها من ابني لكأنما نزعتها عن قلبي ولكن كرهت أن أضيع نصيبي من الله عز وجل بتفاحة من فيء المسلمين .


( أعثرات عمر تبحثون !!)

وعن شيخ من أهل الشام قال لما مات عمر بن عبد العزيز كان استودع مولى له سفطا يكون عنده فجاؤه فقالوا السفط الذي كان استودعك عمر قال مالكم فيه خير فأبوا حتى رفعوا ذلك إلى يزيد بن عبد الملك فدعا بالسفط ودعا بني أمية وقال خيركم هذا فقد وجدنا له سفطا وديعة قد استودعها ففتحوه فإذا فيه مقطعات من مسوح كان يلبسها بالليل .


{ إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً }

وعن عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك قال بكى عمر بن عبد العزيز فبكت فاطمة فبكى أهل الدار لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء فلما تجلت عنهم العبرة قالت له فاطمة بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت قال ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله عز وجل فريق في الجنة وفريق في السعير ثم صرخ وغشي عليه .
وعن زياد بن أبي زياد المديني قال أرسلني إبن عامر بن أبي ربيعة إلى عمر بن عبد العزيز في حوائج له فدخلت عليه وعنده كاتب يكتب فقلت السلام عليكم فقال : وعليك السلام ثم انتبهت فقلت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال : يا بن أبي زياد إننا لسنا ننكر الأولى التي قلت والكاتب يقرأ عليه مظالم جاءت من البصرة فقال لي : إجلس فجلست على أسكفة الباب وهو يقرأ وعمر يتنفس صعدا ، فلما فرغ أخرج من كان في البيت حتى وصيفا كان فيه ، ثم قام يمشي إلي حتى جلس بين يدي ووضع يديه على ركبتي ثم قال : يا ابن أبي زياد استدفأت في مدرعتك هذه قال وعلى مدرعة من صوف واسترحت مما نحن فيه-يعني ما حمل من أمر الخلافة- ثم سألني عن صلحاء أهل المدينة رجالهم ونسائهم فما ترك منهم أحدا إلا سألني عنه ، وسألني عن أمور كان أمر بها بالمدينة فأخبرته ثم قال لي : يا بن أبي زياد ألا ترى ما وقعت فيه ؟ قال قلت : أبشر يا أمير المؤمنين إني أرجو لك خيرا . قال : هيهات هيهات قال ثم بكى حتى جعلت أرثي له فقلت : يا أمير المؤمنين بعض ما تصنع فإني أرجو لك خيرا ، قال : هيهات هيهات أشتُمْ ولا أُشتَمْ وأضرِبْ ولا أُضرَب وأاذي ولا أوذى ، ثم بكى حتى جعلت أرثي له فأقمت حتى قضى حوائجي ثم أخرج من تحت فراشه عشرين دينارا فقال : استعن بهذه فإنه لو كان لك في الفيء حق أعطيناك حقك إنما أنت عبد فأبيت أن آخذها فقال : إنما هي من نفقتي فلم يزل بي حتى أخذتها وكتب إلى مولاي يسأله أن يبيعني منه فأبى وأعتقني .