أخواتي عضوات هذا المنتدى الطيب المبارك اسمحوا لي اقدم لكن هذا الموضوع الذي اتمنى ان ينال اعجابكن وكذلك اتمنى ان ينال رضاكن ..... وهذا الموضوع عبارة عن كنز من امتلكه كانه امتلك الدنيا ومافيها


قال الله عز وجل : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا "


القناعة


هي الرضا والقبول باليسير ، وهي الوقوف عند الكفاية والاقتصار على الكفاف.


وكما الأرض تهتز وتربو وتأخذ زينتها فالنفس كذلك ، فالقناعة تورث النفس الخشوع والوقار ويصيبها الحظ والتوفيق فتتصف بالخلق الجميل والسمو والعلو وتكون بمنهى عن الرذيل من الخلق ، فالزهد بعد الرغبة والحرص والسعة بعد الضيق ، ومن مرض الشهوة إلى التجافي عن دار الغرور.


فالغنى أحبتي يقاس بغنى النفس ، وإذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه وإذا أراد الله بعبد شرا جعل فقره بين عينيه.


كما جاء في سنن ابن ماجه في الحديث القدسي الصحيح :
"أبن آدم ، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك"


وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم والترمذي وابن ماجه ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : " قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافا ، وقنعه الله بما أتاه "


فيا ترى كيف الوصول لهذا الكنز الدفين وتقفي أثر الأسباب المؤدية إليه فكلنا راغب لها يريد قهر النفس مكتفيا باليسير ، فمن عرف الأسباب فقد دل على الشجرة التي بها الثمار فقطفها بطيب نفس ورضى.


فمن الأسباب التسليم والانقياد ، تسليم بقضاء الله وقدرته وانقياد مصحوب بتوكل :


يجعل نصب عينيه قول الملك الجبار : " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " وقوله عز في علاه : " وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم "


فمن توكل فاز ونال المراد وأتاه الرزق من حيث لم يحتسب ، توكل حق التوكل على الله في طلب الرزق وغيره .قال عليه الصلاة والسلام : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا "


توكل على الرحمن في كل حاجة ...........أردت فإن الله يقضي ويقدر
متى ما يُرد ذو العرش أمرا بعبده ............ يصبه وما للعبد ما يتخير
وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه .............. وينجو بإذن الله من حيث يحذر


وثاني الأسباب جعل الآخره المراد والغاية يجعل من دنياه مطية لدار خلد وأمان :


كيف لا وقد قيل في الدنيا أنها معشوقة الغافلين ، فالمحروم منها مشغول بطلبها ، والقادر عليها مشغول بحفظها والتمتع بها. وفراقها شديد فمن أحبها كره لقاء الله تعالى.


فمن أراد تحرير قلبه من عبودية الدنيا فعليه بالقناعة فمال قليل مع قلة هم أهنأ من مال كثير ذي التبعة ، فالحرص يحارب بالقنوع ، ومروءة الصبر عند الحاجة والفاقة بالتعفف والغنى أكثر من مروءة الإعطاء.


وخير من ضرب مثلا في القناعة بعد الأنبياء والرسل صحابة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام فقد حرصوا على نيل الثمين وترك الزائل ، فهذا الصحابي الجليل ثوبان رضي الله عنه كان لا يسأل أحدا شيئا لأنه سمع الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام يقول : " من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا ، وأتكفل له بالجنة " كما جاء في حديث الصحيح في الترغيب والترهيب الذي رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وأبو داود باسناد صحيح


ومن الأسباب كذلك مجاهدة النفس على الكفاف :


أنشد أحدهم في الكفاف قائلا :


تقنع بالكفاف تعش رخيا .............ولا تبغ الفضول من الكفاف
ففي خبز القفار بغير أدم ............. وفي ماء الفرات غنى وكاف
وفي الثوب المرقع ما يغطي ............ به من كل عري وانكشاف
وكل تزين بالمرء زين ..........وازينه التزين بالعفاف


وهذا حبيبي عليه الصلاة والسلام يأمر ابن عمر قائلا له : كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "


فالغريب قليل الانبساط إلى الناس مستوحش منهم ذليل في نفسه وكذلك عابر السبيل لا ينفذ في سفره إلا بقوته لا يبغي إلا الزاد والراحة حتى يبلغ المقصد.


فكما المسافر لا يحتاج إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره فكذلك المؤمن لا يحتاج في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل.


ومنها أيضا النظر إلى ما هم دونك وما هم عليه من فقر وحاجة:


قال صلى الله علي وسلم : " انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم.


وكذلك ننظر إلى من ابتلي بالدنيا وامتنع عن أداء الحقوق فنعلم أنه بالاقلال قد فضلنا وبقلة تبعة الأموال في الحال والمآل قد أنعمنا.


ومن الأسباب كذلك اليقين بأن الله كتب الرزق وحكم بتفاوت الأرزاق بين المخلوقات:


فمن أراد كمال عقله فليعرف نفسه وليحفظ لسانه وليقنع بما رزقه الله عز وجل وليوقن بأن الأرزاق مكتوبه.


فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها ، فما علينا إلا أن نجمل في الطلب ولو استبطىء الرزق ومن أراد السعة فعليه بالقناعة.


قال الله عز وجل : " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير"


لعمرك ما الأرزاق من حيلة الفتى ........ ولا سبب في ساحة الحي ثاقب
ولكنها الأرزاق تقسم بينهم ............ فما لك منها غير ما أنت شارب


ومن الأسباب كذلك التعرف على حال سلفنا وتعاملهم مع الدنيا :


وخير قدوة هو خليل الرحمن وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام ، كان يقول : " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " ، أي ما يسد جوعهم يكون كفافا .


وخرج عليه الصلاة والسلام من الدنيا وهو لم يشبع من خبز الشعير .


وهذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يتمالك نفسه فابتدرت عيناه كيف لا وهو يرى الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام مضطجعا على حصير وقد أثر الحصير في جنبه وفي ناحية الغرفة صاع من شعير وإهاب معلق ، ترك الفانية وآثر عليها الباقية.


ولما حضرت سلمان الوفاة رأوه الناس جزعا تمثل له قول الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام حيث قال : " ليكف المرء منكم كزاد الراكب " . فكان سلمان جزعا بسبب المال الذي سيتركه. فلما جمع ماله كان قيمته خمسة عشر درهما.


والأمثلة كثيرة لا يسع الوقت لذكرها .


فمن عرف الأسباب حقق المراد ، يمتلىء قلبه إيمانا بما قسم الله عز وجل وقدر ، وتكون ثقته بخالقه متصلة لا تنقطع فيحيا حياته طيبة يحقق من خلالها شكر النعمة ويقي نفسه الذنوب ، يعيش قنوعا محبوبا بين الناس فينال الفلاح لأنه علم أن القناعة هي سفينته إلى شاطىء النجاة فالدنيا بحر عميق يغرق فيها الكثير وينجو من كتب له القبول.


ونختم بقول جميل قيل في القناعة :


القناعة تكون في القلب ، فمن غني قلبه غنيت يداه ، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه ، ومن قنع لم يتسخط ، وعاش آمنا مطمئنا . ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته ، والجد والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد.


نكتفي حتى لا نطيل والله أدعو أن يحبب إلينا القناعة ، نجعل لها سكنا في القلب نرضى بما قسم الله من الرزق حتى نحشر مع من اتصف بهذه الصفة الحميدة.


والحمد لله رب العالمين




اللهم إن والدي في ذمتك وحبل جوارك ، فقه من فتنة القبر وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحق ، فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم
[/center]

منقول