الصحيفة السماوية المنزلة على الرسول يجب أن تكون محفوظة صالحة للفهم العام ، وفي متناول الجماهير

للعلامة: أبي الحسن الندوي
أما الشرط ، الثالث ، فهو أن يتولى الله حفظ هذه الصحيفة السماوية التي نزلت على الرسول ، والتي تكون أساساً لدينه ومصدراً لدعوته وتعاليمه ، وأكبر وسيلة لربط الخلق مع الخالق
وتوثيق علاقته به ، وسبباً قوياً لإثارة الربانية الصادقة في أتباعه ، محدداً للعقائد ، مبيناً لها (وخاصة لعقيدة التوحيد) إلى يوم الدين وحافظاً لها ومهيمناً عليها ، وأن تكون تلك الصحيفة كتاب هداية للإنسانية جمعاء ، قد تولى الله تعالى نشره وإذاعته في العالم مع تمكين الناس من فهمه ، ويكون قد هيَّأ الله سبحانه وتعالى الجوّ المناسب والفرص المواتية لقراءته وكثرة تلاوته وحفظه واستحضاره ، بدرجة لا يوجد لها نظير في الدنيا ، ذلك لأنه كتاب الله الأخير وسفينة نجاة الإنسانية ، ويجب أن يكون بعيداً عن كلّ تصرف إنساني ومن كل تغيير وتبديل ، وحذف وزيادة ، ومن أي شائبة من التحريف ، إذ إنه لا يمكن بغير ذلك أن توجه دعوة إلى الناس للإيمان بهذا الكتاب ، ولا أن يقدم أمام الناس كشهادة ، كما لا يمكن أن يستفاد أو يفاد منه ، إن تاريخ الكتب التي ظهرت في العصر القديم والجديد –التوراة والإنجيل والصحف السماوية- يدل(1) على ما واجهته هذه الكتب من تصرفات أعداء الدين ، وهجمات المهاجمين الظالمين ، وما تعرضت له من التحريفات اللفظية والمعنوية التي قام بها زعماء الديانات المغرضون الماديون ، وقد ظلَّت مجالاً واسعاً للأغراض الخسيسة والتغافل البشري ، وما هذا الفرق بين هذه الكتب والصحف السماوية وبين القرآن إلا لأن صيانة هذه الكتب المذكورة ، إنما تولاها أتباعها وحملتها (بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء) [المائدة : 44] ، أما القرآن فقد تكفل الله نفسه بحفظه (2) ، فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر : 9].


==========

(1) للإطلاع على تفاصيل ذلك يرجع إلى كتاب المؤلف (( النبوة والأنبياء في ضوء القرآن)) فصل ((الصحف السماوية السابقة والقرآن في ميزان العلم والتاريخ)) ص 198 .
(2) وستأتي شهادات غير المسلمين حول حفظ القرآن الكريم في الصفحات القادمة .


يجب أن يكون النبي بذاته مركز الهداية الوحيد ، والشارع والمطاع

الشرط الرابع هو أن يكون النبي بذاته مركز الهداية ومصدر القيادة ومحور العلاقة القلبية والانقياد الفكري للأمة ، فتعتقد بكونه خاتم الرسل ، ومنير السُبُل ، ومقتدى الكل ، ولا تسمح لأحد بعده بالمشاركة في النبوة والتشريع المطلق ، ولا تعتقد في أحد آخر العصمة وتعتبره مورِد الوحي ، إن وحدة هذه الأمة ومركزها واجتماع شملها ، وابتعادها عن الفرقة الإعتقادية والعملية ، وبقاء طاقاتها الداخلية وقوتها الإيمانية ، يرتبط كل ذلك بعقيدة ((خاتم النبوة)) إلى حدٍّ كبير(1) ، وإن عقيدة المشاركة في النبوة تُضاد عقيدة ((ختم النبوة)) (2) .
والآن نتناول هذه الشروط الأربعة شرطاً شرطاً ، باستعراضٍ
موضوعيٍّ في ضوء التاريخ الموثوق به وشهادات المثقفين الأفاضل من المسلمين وغيرهم ، واعتماداً على الوقائع والأحداث التي رواها المؤرخون الثقات الإثبات .


(1) للإطلاع على التفصيل راجع كتاب المؤلف ((النبوة والأنبياء في ضوء القران)) المحاضرة الثامنة ، ختم النبوة ، ص 221-261 .
(2) عقيدة الإمامة وتعريف الإمام وخصائصه لدى الفرقة الإمامية الإثنا عشرية ، تعارض عقيدة ((ختم النبوة)) وترادف (المشاركة في النبوة) وسيأتي التفصيل في الصفحات القادمة .