بسم الله الرحمن الرحيم

المرابطين نور انبثق من المغرب الاسلامي ليحفظ الاندلس من الانهيار ويمد في عمر الوجود الاسلامي فيها قرونا اخرى فهيا بنا نتعرف عليهم

المقدمة:


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لانبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد:
فإن الجهاد في سبيل الله مهمة عظيمة تتخللها صور لبطولات وعبقريات حربية فذة ،وتاريخنا الإسلامي خير شاهد على هذا الجهاد في جميع العصور الإسلامية حيث ظهرت كثير من الدول التي حملت راية الجهاد منها على سبيل المثال لا الحصر دولة المرابطين التي حملت مسؤلية الجهاد ونشر الإسلام في المغرب والأندلس،و لتحمي الممتلكات الإسلامية من أطماع النصارى ،حيث ظهرت هذه الدولة في وقت كان المسلمون في المغرب والأندلس في أمس الحاجة لقيادة يجتمعون عليهاويوحدون صفوفهم تحت رايتها .


المرابطون وأصل تسميتهم بالملثمين وانتشار الإسلام فيهم :
المرابطون هم صنهاجة الجنوب الملثمين اتخذوا اللثام على وجوههم وصار شعارا لهم فسموا بالملثمين. وقد اختلفت الآراء حول أصل هذه العادة وأغلب الظن أنهم أخذوها من زنوج أفريقيا المجاورين يقول أبو عبيد البكري "وجميع قبائل الصحراء يلتزمون النقاب وهو فوق اللثام حتى لا يبدو منه إلا محاجر عينية ولا يفارقون ذالك في حال من الأحوال ولا يميز رجل منهم وليه ولا حميمه إلا إذا تنقب وكذالك في المعارك إذا قتل منهم القتيل وزال قناعه لم يعلم من هو حتى يعاد عليه القناع وصار ذالك ألزم من جلودهم " ومن أهم قبائل صنهاجة اللثام كدالة ولمتونه ومسوفة والتي انتشر بينها الإسلام عن طريق السرايا العسكرية التي أرسلها حكام المغرب الأوائل إلى هذه المنطقة ومن أمثلة ذالك الحملة التي أرسلها والي المغرب عبيد الله بن الحجاب بقيادة حبيب بن أبي عبيدة الفهري حفيد عقبة بن نافع إلى صحراء موريتانيا حتى أرض السودان .وعن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يمرون عبر هذه البلاد في طريقهم إلى السودان ولكن على الرغم من ذالك ظلت هذه القبائل ضعيفة الإسلام. حتى ظهر من بين صفوفهم في القرن الخامس الهجري الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي الذي عرف بالتقوى والصلاح وبعد النظر ورجاحة العقل مما يؤهله لحمل رسالة إصلاح بين القبائل قد دفعه حماسه الديني للعمل على توحيد صفوف القبائل الصنهاجية ويدفعها للمجاهدة والنضال .فبدأ يحيى رحلة البحث عن أصول الدين وفي طريق عودته اتجه إلى القيروان سنة 427هـ وتقابل مع ال عمران الفاسي وتلقى منه العلم ثم طلب منه أن يرشح من تلاميذه فقيها يصطحبه إلى بلاده ليعمل على نشر علوم الدين فأرسل معه وجاج بن زولو فتقابل معه في سجلماسة واختار وجاج الفقيه عبد الله بن ياسين الجزومي الصنهاجي الأصل ليرافق الأمير في رحلة العودة
شخصية عبد الله بن ياسين والانطلاق الفعلي للدعوة المرابطية:
توجه عبد الله بن ياسين إلى منازل قبيلة جذالة وبدأ أداء مهمته فعمل على تعليم الجداليين شعائر الدين وحاول أن يخرجهم من حياة الخشونة والبدائية ويهذب أخلاقهم فوضع لهم نظام الآداب العامة وأخذهم بالشدة مما أدى إلى طرده من القبيلة ثم صاحب يحيى بن ابراهيم وتوجه إلى منازل لمتونة حيث كانوا أميل إلى النظام والتماسك والعمل الجاد.وعرف ابن ياسين كيف
يكسب محبة يحيى بن عمر بن إبراهيم الجدالي .كان عبد الله بن ياسين رجلا نشيطا ومغامرا سياسيا لايهاب وكان عظيم الإيمان بالإسلام.تمكن عبد الله بن ياسين من تكوين جماعة من المخلصين فخرج بهم إلى جزيرة في المحيط عند مصب وادي النفل كي يفرغوا لشؤون العبادة .وهناك أنشأ رباطا لم يلبث أن اتسع وكثر الناس فيه فلما رأى عبد الله بن ياسين وفرة أعدادهم وحماسهم قال لهم أخرجوا فأنتم المرابطين .وعندما وصل عدد المخلصين إلى الألف أمرهم عبد الله بالخروج من معتصمهم في الجزيرة إلى البر والسير للجهاد وانضمت إليهم أعداد غفيرة من الجداليين و اللمتونين وكان ذالك سنة 445 هـ . كذالك تظهر من صفات عبد الله بن ياسين صورة القائد العسكري الماهر الذي يحسن قيادة الجيوش وترتيب المعارك.فكانت الخطوة الأولى هي القضاء على سلطان المغراويين الزنتانيين المسيطرين على المغرب الأقصى فعبر الصحراء متجها إلى الشمال إلى أن وصل إلى إقليم تافيلات الذي كان يسوده مسعود بن وانودين ورجاله من المغراويين فانتصر عليهم واستخلص سجلماسة من أيديهم بعد ذالك أرتد عبد الله بن ياسين إلى الجنوب فعبر الصحراء وهاجم أهل السودان الغربي في حوض السنغال وانتصر عليهم وفتح بذالك أمام قبائل صنهاجة البربرية أبواب أفريقية المدارية كما فتح لها المجال للتوسع شمالا وجنوبا فأخذت قبائل جدالة ولمتونه ومسوفة ولمطه وجزولة تتوسع جنوبا.وفي أثناء تلك الحروب قتل عبد الله بن ياسين الذي كان رجل دين وسياسة فذة وشخصية فريدة أوتيت القدرة على قيادة الرجال وصناعة التاريخ.فقد كان عمل ابن ياسين كله بمباركة من يحيى بن عمر بن إبراهيم الجدالي أمير لمتونة ومن انضم إليها من المرابطين وعندما توفي يحيى خلفه أخوه أبو بكر حيث ازدادت مكانته وعندما قتل عبد الله بن ياسين كان سلطان أبو بكر بن عمر وقبيلة لمتونه قد استقر وبهذا يمكننا القول بأن عبد الله بن ياسين أكمل مهمته قبل موته فوحد صفوف الصنهاجيين تحت راية الجهاد في سبيل الله.
مبادئ الدولة المرابطية :
بهذه الأحداث الكبيرة قامت الدولة المرابطية التي كانت مبادئها تستند على ركنين أساسيين هما :
1. الالتزام بالإسلام الصحيح على أساس أصلية من الثابتين القران الكريم والسنة النبوية الشريفة.
2. إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله وهي الفريضة التي كادت تندثر في عصر الطوائف.
بناء مراكش :
ويذكر أن أبو بكر شرع في بناء مراكش ملت الضرورات العسكرية ليوسف بن تاشفين تأسيس قاعدة لجيوشه وهي بالبربرية موركش ومعناها قصر الحجر لأن مباني المدينة أقيمت من الحجر ،أما بلغة المصامدة فمعناها أمش مسرعا . وهكذا نرى أن هذا الرجل الذي ولد في حوض نهر السنغال في افريقية المدارية عرف بفضل إيمانه بالإسلام ودخوله في حضارته أن يضيف إلى تاريخ الحضارة الإسلامية مدينة من أجمل مدائن الإسلام وأوفرها بركة وأشهرها في الدنيا.وبينما كان أبو بكر بن عمر يراقب العمل في مدينته الجديدة بلغه خبر أزعجه خلاصته أن قبيلة جدالة وثبت بقبيلة لمتونة في الصحراء وأنزلت بها مذبحة وقبل رحيله جمع رؤساء قومه وطلب منهم أن يختاروا رئيسا من بينهم يقوم بأمرهم في غيابه فاختاروا ابن عمه يوسف بن تاشفين وترك أبو بكر بن عمر ثلث القوة المرابطية مع يوسف بن تاشفين وأخذ الثلثين ومضى إلى منازل لمتونه وجدالة وراء الصحراء.
انقسام القوة المرابطية إلى قسمين:
من ذالك الحين انقسمت حركة المرابطين إلى قسمين الأول شمالي مركزه مراكش وميدان نشاطه المغرب ثم الأندلس يقوده يوسف بن تاشفين الذي قام بدور أساسي في إنشاء المغرب الأقصى وإعطائه حدوده
الطبيعية فوحد ناحية الصحراء الكبرى إلى ساحل البحر المتوسط ومد حدوده من ساحل المحيط إلى شرقي نهر الملوية وضم إليه إقليم تلمسان والجزء الغربي من المغرب الأوسط حتى مدينة الجزائر. والقسم الثاني يعمل في إفريقيه المدارية الغربية ويقوده أبو بكر
بن عمر الذي تابع مسيرته ونشاطه في فتح السبل لانتشار الإسلام في افريقية المدارية وكان له دور عظيم في ذالك المجال.
" استطاع أبو بكر أن يبسط سلطان المرابطين على مملكة غانا التي تعتبر أقدم دوله في غرب أفريقية ونشر الإسلام في ربوعها .وخرج أبو بكر إلى غزو بلاد السودان فجاهدهم حتى فتح من بلادهم مسيرة ثلاثة أشهر .إلى أن أستشهد بسهم مسموم بعد أستقر له أمر الصحراء إلى جبل الذهب من بلاد السودان .
" وهكذا استشهد البطل المرابطي العظيم أبو بكر وخلف بعده بطلا آخر حمل الأمانة وهو ابن عمه يوسف بن تاشفين.
يوسف بن تاشفين:
كان أبو بكر بن عمر حريصا على مكاسب دولته التي كانت لا تزال في مرحلتها المبكرة ولذا عهد إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين قائده على الجيوش بأمر المغرب فتقلد يوسف زمام الأمور في بلاد المغرب بعد أن أجمع أشياخ المرابطين على إمرته نظرا لما يعرفونه من دينه وشجاعته وحزمه وعدله وورعه وسداد رأيه وترك له أبو بكر جزء من جيشه كما سبق وأن ذكرنا وسار بالباقي إلى بلاد السودان ،وفي تلك الأثناء كان يوسف بن تاشفين يؤدي مهمته في بلاد غماره فقسم جيشه إلى أربعة أقسام جعل عليها أقدر القواد لديه وجعلهم في مقدمة قواته وأخذت تلك الجيوش في محاربة القبائل القوية في الغرب ولاسيما مغراوة وزناته وبني يفرن فغلبتها واستولت على أراضيها فغلب يوسف معظم نواحي المغرب الوسطى والجنوبية وعاد من غزواته إلى أغمات سنة 454هـ .
" وبعد أن أصبح المغرب يتمتع بوحدة سياسية ودينية قوية في ظل دولة المرابطين كانت الأندلس تعاني من التفكك السياسي والاجتماعي تحت حكم ملوك الطوائف وذلك بعد أن تمزقت الوحدة الأندلسية إلى دويلات صغيرة متصارعة .فالكل يريد التوسع على حساب الآخر مما حدا ببعضهم الاستنجاد بالنصارى ضد إخوانهم المسلمين .وحلت الكارثة التي اهتزت لها الأندلس وذالك عندما سقطت طليطلة في يد الفونسو ملك قشتالة ،مما دفع أمراء الطوائف للمبادرة لاسترضاء الفونسو ودفع الجزية له .عند ذلك الحين فكر ملوك الطوائف في الاستنجاد بالمرابطين حيث تقدم وفد يمثل أهل الأندلس إلى يوسف بن تاشفين حاملين له رغبتهم في عبوره الأندلس لتخليص المسلمين من الخطر النصراني المحدق بهم.
" فرد عليهم بعزيمة المؤمن الشجاع بقوله "أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين ولا يتولى هذا الأمر إلا أنا بنفسي"
المرابطون يعبرون إلى الأندلس لنصرة الإسلام:
تأهب يوسف للعبور قواته إلى الأندلس فانتقل مع عساكره إلى مدينة سبته واخذ في تجويز عساكره إلى الجزيرة الخضراء ثم قام بتحصينها وترميم أسوارها وأبراجها واسكن بها فرقة من جيشه ثم اتجه نحو مدينة أشبيلية حيث استقبله أميرها المعتمد بن عباد.

الإعداد للقتال وتنظيم الجيش :
بعث يوسف بن تاشفين برسله إلى جميع رؤساء الأندلس للاشتراك معه في الجهاد ضد النصارى فلبى دعوته عبد الله بن بلقين صاحب غرناطة وأخوه تميم صاحب مالقة كما بعث المعتمد بن صمارح بفرقة من الفرسان بقيادة ابنه معز الدولة هذا فضلا عن المتطوعين الذين انضموا للمجاهدين من سائر أنحاء الأندلس.بعد ذالك توجه وسف بقواته إلى مدينة بطليوس حيث أستقبلهم أميرها، ثم قام يوسف بتنظيم جيشه على شكل خميس قبل القتال.فتولى المعتمد بن عباد قلب المقدمة للجيش الإسلامي بينما كان المتوكل بن الأفطس في الميمنة وأهل شرق الأندلس في الميسرة وسائر أهل الأندلس في الساقة أما قوات المرابطين فكانت تحتل المؤخرة بقيادة داود بن عائشة ثم الجيش الاحتياطي بقيادة يوسف بن تاشفين.وفي ذالك الوقت وصلت أنباء قدوم المرابطين إلى الأندلس إلى الفونسو ملك قشتالة الذي كان يحاصر مدينة سرقسطة فاضطر لرفع الحصار والاستعداد لحشد القوى النصرانية وتحالف مع ملك أرغون واستدعى قائد البر هانس من بلنسية كذلك انضمت إلى الفونسو أعداد جمة من جليقية وليون وأشوريش بالإضافة إلى فرق الفرسان المتطوعين من إيطاليا وجنوب فرنسا و عسكرت هذه القوات قبالة جيش المسلمين حيث لا يفصل بينهما سوى أحد فروع وادي آنه ومما تذكر الروايات بأن الجيش الإسلامي أقل عددا من الجيش النصراني .
موقعة الزلاقة 479هـ :
عندما التقى الجيشان عرض يوسف على الفونسو الإسلام أو الجزية أو الحرب ولما وصل الخطاب إلى الفونسو غضب وامتلاء حقدا ثم كتب إلى يوسف بأن يكون اللقاء يوم الاثنين فوافق يوسف،لكن المعتمد بن عباد أشار على يوسف الاستعداد والتأهب خشية أن يشن العدو هجوما مفاجئا قبل اليوم المحدد لبدء القتال ،وفعلا فقد فاجئ جيش الفونسو الجيش الإسلامي بالهجوم في يوم الجمعة 12رجب سنة 479هـ .حيث دارت رحى المعركة في الزلاقة على أحد نهيرات وادي آنه .فاشتبكت مقدمة القشتاليين والأرغونين بقيادة البر هانس مع مقدمة الجيش الإسلامي بقيادة المعتمد بن عباد وكان الإشتباك عنيفا مما أدى إلى تقهقر الأندلسيين ولاذ بعضهم بالفرار إلى بطليوس وبقي المعتمد بن عباد مع فرسانه في مواجهة النصارى وعندما علم يوسف بتراجع أهل الأندلس أرسل فرقة من القوات المرابطية بقيادة داود بن عائشة لمؤازرتهم .ثم بعث أيضا قائده سير بن أبي بكر لنجدة القوات الأندلسية و المرابطية وسار إلى معسكر النصارى و أشعل فيه النار ثم شن هجوما مفاجئا على قوات الفونسو فاضطرت قوات الفونسو للتراجع والدفاع عن معسكرهم وعندما علم الفارين من أهل الأندلس بالنجدة التي أرسلها يوسف انقلبوا إلى الهجوم وأطبقوا على النصارى من الخلف واصطدمت قوات يوسف مع الفونسو في معركة ضارية كسرت فيها شوكة القشتاليين .فقاتل المرابطين في صفوف متراصة وعندما حمي وطيس المعركة دفع يوسف بن تاشفين بفرقة من حرسه السودان قوامها أربعة آلاف مقاتل فانقضت على قوات النصارى وتمكن أحدهم من إصابة الفونسو إصابة بالغة الأثر.
ما بعد الزلاقة:
انتهت الزلاقة بهزيمة ساحقة للقوات النصرانية،وكان المعتمد بن عباد قد نصح يوسف بمطاردة فلول النصارى والإجهاز عليهم لكن يوسف أعتذر عن ذالك .ويرجع انتصار المسلمين بعد توفيق الله إلى الخطة الجديدة التي اتخذها يوسف في قتاله ضد النصارى حيث جعل المرابطين صفوفا متراصة ملتحمة مما أربك الجيش النصراني فعجزوا برغم تفوقهم في السلاح عن مناهضة هذه الصفوف بالإضافة إلى الجمال ذات البراقع وأصوات الطبول الهائلة التي أحدثت اضطرابا في صفوف الخيالة النصارى ،وقد استخدم المرابطين في هذه المعركة أيضا الخناجر المقوسة التي كانوا يطلقون عليها أسم الطاس أو الأطاس بالإضافة إلى الروح المعنوية العالية التي تدفعهم بحمية وحماسة للدين وإلى التسابق للاستشهاد في سبيل الله.وقد أطلق على نصر الزلاقة بيوم العروبة .حيث كان هذا النصر منقذا للحكم الإسلامي في الأندلس من السقوط المحقق كما ثبت أقدام المرابطين فيها فأصبح المغرب والأندلس يكونان دولة قوية عاصمتها مراكش.وقد توفي يوسف بن تاشفين في مستهل سنة 500 هـ بعدما أصابته العلة سنة 498هـ ودفن في قبر بسيط بعدما حمل راية الجهاد وصنع وحدة ممتده من السودان الغربي إلى الأندلس وخطب له على ألفي منبر.
صفات يوسف بن تاشفين:
كان رحمه الله محبا للعلماء والفقهاء مقربا لهم ودائم التفقد لعماله ورعيته وكان يشجع بناء المساجد ويأمر بتشييدها لأهميتها
الدينية والتعليمية حيث كانت تستخدم لتعليم القران الكريم وأصول الدين ،قاد ملكا لم يجتمع لغيره من أهل المغرب قبله بحنكة وسياسة دلت على قدره إدارية وتنظيمية أساسها العدل .وبذلك يمكننا القول بأن يوسف بن تاشفين هو المؤسس الحقيقي لدولة المرابطية فهو الذي وطن أركانها وأعطاها كيان دولي ثابت.
علي بن يوسف بن تاشفين :
خلف علي والده ولم يكن قد تجاوز الثالثة والعشرين من عمره ،كانت أمة أسبانية الأصل ووصفه المراكشي بقوله "حسن السيرة جيد الطوية نزيه النفس بعيدا عن الظلم كان إلى أن يعد من الزهاد أقرب منه إلى أن يعد من الملوك واشتد إيثاره لأهل الفقه والدين.
غادر علي العاصمة مراكش إلى الأندلس وعمل على إعادة تنظيم حكومة الدولة المرابطية استعدادا للمواجهة لتحقيق أهداف الجهاد ضد أعداء الإسلام .أما في الأندلس فقد ولى علي بن يوسف أخاه تميم حاكما للأندلس وقائدا للجيش .وفي ذالك الوقت
كان على العرش القشتالي أراكه ابنة الفونسو السادس بينما كانت الأميرة تيريز تحكم البرتغال .كما كان في شمال الأندلس كلا من الفونسو المحارب في أرغون ورامون بيرنجر في مملكة قطا لونيا.
موقعة إقليش (الأقماط السبعة ):
في عام 501هـ نشبت معركة بين المسلمين بقيادة تميم بن يوسف بن تاشفين وبين النصارى بقيادة الأمير سانشو بن الفونسو السادس وزايدة المسلمة في موقعة إقليش أو الأقماط السبعة في شرق طليطلة انتصر فيها المسلمون ومني النصارى بهزيمة ساحقة وكان من بين القتلى ابن الفونسو وزايدة المسلمة .وعلى إثر هذا الانتصار غادر علي بن يوسف المغرب سنة 503هـ متجها إلى الأندلس ليواصل الجهاد بنفسه ويقود جيشا كبيرا ويتجه به إلى طليطلة بعد أن فتحوا كثيرا من حصونها.
جهود المرابطين في عهد علي بن يوسف بن تاشفين:
" قاد الأمير سير بن أبي بكر حملة في العام التالي إلى البرتغال واستولى على مدن شنتريه وتورتو وبايرة ولشبونة ،ثم تتابعت حملات الجيوش المسلمة من المرابطين فأرهبت الأعداء وعملت على نشر الأمن في ربوع الأندلس وأوقفت اعتداءات
النصارى على البلاد.
" في عام 509هـ استولى المرابطون على جزر البليار.
" وفي عام 519هـ وقع تحالف بين المعاهدين و الفونسو الأول ملك أرغون للزحف بجنوده نحو غرناطة والاستيلاء عليها فردهم المرابطون على أعقابهم .
" وفي عام 520هـ هاجم تاشفين الثاني النصارى وفتح عشرات الحصون في الغرب
" وفي عام 528هـ بعث علي بن يوسف بجيش يقوده علي بن غانية والي بلنسية ومرسية شرقي الأندلس إلى مدينة إفراغ شرقي سرقسطة وواجه جيش للفونس الأول ملك أرغون وهزمه .
_ وبينما كان علي بن يوسف يواصل جهوده في المغرب والأندلس بدأ محمد بن تومرت المعروف بمهدي الموحدين دعايته ضد المرابطين واجتهد في تشويه سمعتهم وقد نجحت دعايته لأنه توجه بها إلى فريق آخر من البربر البرانس الذين كانوا يتشوقون بدورهم إلى إنشاء دولة لهم تضاهي ما وصلت إليه قبائل لمتونة وجدالة وغيرها من المجموعة الصنهاجية الصحراوية المرابطية.
_ في عام 533هـ أخذ علي بن يوسف البيعة بمراكش لإبنه تاشفين ، وفي عام 537 توفي علي بن يوسف وخلفه ابنه .
ظهور الموحدين على ساحة الأحداث:
اضطر المرابطين إلى توجيه كل قواهم إلى صراع الموحدين في المغرب دفاعا عن كيانهم وبهذا حرم الأندلس من جهودهم فيه .ومن أغرب أحداث التاريخ الإٍسلامي قيام دولتين كبيرتين من دول الجهاد والذود عن الإسلام في نفس الموضع ونفس العصر.فقد كان القيام الحقيقي لدولة المرابطين سنة 452هـ عند استقلال يوسف بن تاشفين بالقسم الشمالي من الدولة المرابطية .وقامت دولة الموحدين سنة 524 بولاية عبد المؤمن بن علي ،فتلاقت الدولتان في النصف الأول من القرن السادس الهجري
وإحداهما في أوج قوتها والثانية في عنفوان شبابها فكان لقاؤهما بلاء على المسلمين ويبرز ذالك جليا في الصراع الذي ظهر في عهد تاشفين بن علي ومن جاء بعده.
تاشفين بن علي:
لم يتمكن تاشفين بن علي من الذهاب إلى الأندلس لظروف الحرب مع الموحدين وقد أشتبك معهم في عدة مواقع وحروب ، و اشتدت غارات الموحدين من فاس إلى تلمسان حتى أضطر تاشفين إلى الالتجاء إلى حصن في وهران وتابعه الموحدون حتى توفي عام539هـ.واستولى الموحدون على وهران والحصن

إبراهيم بن تاشفين ونهاية الدولة المرابطية :
خلف أبو إسحاق إبراهيم بن تاشفين أباه في الحكم وقاوم الموحدين ،ولكن الموحدين حاصروا مدينة مراكش واحتمى أبو إسحاق بأحد الحصون بمراكش ولكن الموحدين تابعوه واقتحموا الحصن وانتهى أمر المرابطين بموت الأمير أبو إسحاق إبراهيم بن تاشفين وزالت دولة المرابطين وانتقل الحكم إلى الموحدين بالمغرب الأقصى عام 541هـ.
الأحوال في الأندلس:
بعد انشغال المرابطون بالحرب مع الموحدين استولى النصارى على كثير من الثغور وبدأ بعض الولاة المرابطين يستقلون بما تحت أيديهم من البلدان وبذالك يبدأ عصر الطوائف الثاني في الأندلس.
عوامل سقوط الدولة المرابطية:
بدأت الدولة تدخل في طور الأفول في عهد علي بن يوسف بن تاشفين لأسباب أهمها :
" انصراف علي بن يوسف عن شؤون الحكم إلى الزهد السلبي ووقوعه تحت تأثير بعض الفقهاء ممن لايحسنون السياسة وهذا رأي لا أميل إليه شخصيا نظرا للجهود والانتصارات الكثيرة التي أحرزها المرابطون في عهده.
" انصراف فقهاء دولته في عهده وعهد من خلفوه إلى تكفير الناس بحجج واهية واتجهوا لجمع الثروات وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
" لم يعد لهم جيش يعول عليه في صد هجمات الغزاة بل أستسلم أفراده إلى ملذاتهم وبلغ فسادهم حد قطع الطريق على المسافرين .
" قيام الثورات ضدهم في الأندلس أدت إلى طردهم منها وعادت الأندلس إلى ما كانت عليه من فوضى ،كذالك قامت ضدهم الثورات في افريقية فاختلت أحوالهم.
" قضت دولة الموحدين على البقية الباقية من دولتهم.


الخاتمة:
وهكذا أيها القارئ الكريم نصل إلى ختام حديثنا عن دولة المرابطين التي ضمت بين جنباتها الكثير من العظماء البارزين من أمثال عبد الله بن ياسين وأبو بكر بن عمر اللذان كان لهما دور كبير في نشر الإسلام في افريقية المدارية،و يوسف بن تاشفين وابنه علياً وغيرهما من القادة الشجعان المغاوير الذين كان لهم الدور الأبرز في حماية أملاك المسلمين في الأندلس وتأجيل انهيار الحكم الإسلامي فيها مدة قرن من الزمن .

المراجع:

الموسوعة العربية العالمية،مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع،المجلد 23
أحمد مختار العبادي :تاريخ المغرب والأندلس ،1978، دار النهضة العربية
حسن خضيري أحمد:صفحات من تاريخ المغرب الإسلامي،الطبعة الأولى 2005م ـ1426هـ،مكتبة المتنبي
حسين مؤنس : معالم تاريخ المغرب والأندلس،1992، دار الرشاد.
عبد الحليم عويس :صور وبطولات من حضارتنا الإسلامية ، الطبعة الأولى 1402ـ1982،عالم الكتب للنشر والتوزيع.
محمود السيد :تاريخ دولتي المرابطين والموحدين،1999، مؤسسة شباب الجامعة