معنى العباده والاصول التي تبني عليها
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
العبادة
معنى العبادة لغة وشرعا :
أصل معنى العبادة والعبودية في اللغة الذل والخضوع ، والتعبيد : التذليل ، يقال : طريق مُعبَّد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام ، والعبادة : الطاعة ، والتعبد : التنسك .
والعبودية لله نوعان :
قسرية واختيارية ، فالعبد يراد به المعبد الذي عبَّده الله ، فذلله ودبره وصرفه سواء أقر العبد بذلك أو أنكره ، وبهذا الاعتبار فالمخلوقون كلهم عباد الله المؤمنون والكفار ، الأبرار والفجار ، أهل الجنة وأهل النار ، إذ هو ربهم كلهم ومليكهم لا يخرجون عن مشيئته وقدرته كما قال تعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ( آل عمران الآية : 83 ) ، { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } ( مريم الآية : 93 ) . ويراد به العابد ، وهو الذي يقر بأن الله خالقه ومالكه ومدبره ، وأنه المستحق للعبادة وحده دون سواه ، فيعبده بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك ، فيطيع أمره وأمر رسوله .
وهذه العبادة المتعلقة بالإلهية لله تعالى ، ولهذا كان عنوان التوحيد لا إله إلا الله ، بخلاف من يقر بربوبيته ولا يعبده ، أو يعبد معه إلها آخر .
وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاها ، وخلق الخلق لها ، وبعث بها رسله ، ووصف بها المصطفين من خلقه .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مفتتح كتابه " العبودية " تعريفا للعبادة الشرعية يستوعب مجالاتها وتفصيلاتها ، ويبين أن الدين كله داخل في العبادة ، فقال : " العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة " .
الأصول التي تبنى عليها العبادة :
عرفنا أن أصل العبادة الذل وأن عبادة الله لا بد أن تتضمن مع كمال الذل له كمال الحب والخوف والرجاء ، فهذه ثلاثة أصول : المحبة ، الخوف ، الرجاء .
1 - المحبة :
وهي أعظم الأصول الثلاثة ، والله سبحانه وتعالى وحده يستحق أن يحب لذاته ، ومحبة المؤمنين لربهم تتضاعف إذا دخلوا دار النعيم ، بينما الخوف ينقطع بزوال المخوف فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وقد أخبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن محبة المؤمنين لله فقال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } ( البقرة الآية : 165 ) ، وقال : { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } ( المائدة : 54 ) .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار »وقد جعل الله سبحانه مقياسا لصدق مدعي محبة الله فقال : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } ( آل عمران الآية : 31 ) ، فبين سبحانه أن محبته توجب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وأن اتباع الرسول يوجب محبة الله للعبد .
فحقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب ، وهو موافقته في حب ما يحب ، وبغض ما يبغض .
وكان المشايخ العاملون يكثرون التحذير ممن يدعي المحبة من غير خشية ولا خوف ، لما في ذلك من الفساد الذي وقع فيه طوائف من المتصوفة ، ووقع فيه قبل ذلك اليهود والنصارى حينما قالوا ما حكى الله عنهم بقوله : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } ( المائدة الآية : 18 ) ، وهم مع ذلك يخالفون شريعته .
2 - الخوف :
أوجب الله سبحانه وتعالى الخوف على كل أحد فقال : { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ( آل عمران الآية : 175 ) ، وقال تعالى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } ( البقرة الآية : 40 ) ، وقال : { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } ( المائدة : 44 ) .
ومدح أهل الخوف وأثنى عليهم فقال : { إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ }{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }{ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } ( المؤمنون الآية : 57 - 61 ) .
وفي سنن الترمذي ومسند أحمد « عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قلت يا رسول الله : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } هو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق ؟ قال : " لا ، يا ابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه " .
» 3 - الرجاء :قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ( البقرة الآية : 218 ) ، وقال : { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ( العنكبوت الآية : 5 ) ، وقال : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } ( الكهف الآية : 110 ) .
وفي صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه " .
» وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : " يقول الله -عز وجل - « أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء » .
وقد مدح الله سبحانه الجامعين بين الخوف والرجاء كما في قوله تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } ( الإسراء الآية : 57 ) .
وقال : { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } ( الزمر الآية : 9 ) ، وقال : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } ( السجدة الآية : 16 ) .
ولهذا فعلى المسلم أن يجمع بينهما فيكون خائفا راجيا ، قال أحد العبَّاد : " الخوف والرجاء كجناحي الطائر ، إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه ، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص ، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت " .
فالخوف يستلزم الرجاء ، ولولا ذلك لكان قنوطا ويأسا ، والرجاء يستلزم الخوف ولولا ذلك لكان أمنا . وهذه مقامات مذمومة .
قال تعالى : { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } ( يوسف الآية : 87 ) ، قال تعالى : { وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ } ( الحجر الآية : 56 ) ، وقال : { فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } ( الأعراف الآية : 99 ) .
والخوف المحمود ما حال بين صاحبه ومحارم الله ، والرجاء المحمود نوعان :
1 - رجاء رجل عمل بطاعة الله ، على نور من الله ، فهو راج لثواب الله .
2 - رجاء رجل أذنب ذنوبا ثم تاب منها إلى الله فهو راج لمغفرته وعفوه وإحسانه .
ففيه الاستبشار بجود الله وفضله ، وفيه النظر إلى سعة رحمة الله .
والله اعام واحكم
الروابط المفضلة