فمن خلق الله ؟
خرجت الكلمات من بين شفتيه و نظرة التحدي تقفز من بين عينيه
بينما عم الصمت المكان
نظرات الترقب تقافزت من عيون أقرانه الذين يعبدون الله على حرف
بينما تلعثمت الكلمات بين شفاه أقراني
بينما وقفت فيهم متكلما )
: بسم الله الرحمن الرحيم
لو سمحتم لي
سأترك الإجابة على سؤالك هذا لدقيقة واحدة
حتى نقف على بعض الأمور المهمة التي تبين لنا كيفية الإجابة على سؤالك
فهل تسمحون لي ؟
: لا مانع ، تفضل
قال الله تبارك وتعالى في حديثه القدسي
( أعددت لـــ عبادي الصالحين مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )
أتدرون لم ؟
: لم أيها المتحذلق ؟
: لأن الله سبحانه و تعالى رحمة بنا وهبنا في هذه الحياة الدنيا مقدرة محدودة من الرؤية و السمع و التفكير و العلم
: كيف ؟
: أولا في الرؤية
لقد وهبنا الله رؤية انعكاسات الضوء من المنطقة الحمراء إلى البنفسجية و التي نطلق عليها ألوان الطيف
و هي الأحمر ، البرتقالي ، الأصفر ، الأخضر ، الأزرق ، النيلي ، والبنفسجي
فهل نرى بالعين المجردة انعكاسات الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء ؟
: طبعا لا
: هذا من رحمة الله بنا ، فلكم أن تتخيلوا لو أن الله ابتلانا برؤية هذه الانعكاسات ، أتدرون كيف ستكون حياتنا لا قدر الله ؟
لما نعمنا بظلام الليل الذي نسكن فيه و ننعم فيه بهذا النوم الهانئ
و لبقينا في ضوء كالنهار ليل نهار
و لما نعمنا بستر هذه الجدران التي تسترنا أو ستر هذه الملابس التي نستتر بها
بل و الأكثر من هذا كنا ابتلينا برؤية ما داخل أجسامنا من أحشاء و عظام كما يراها الأطباء بهذه الأجهزة الطبية المتخصصة
و لذلك عندما سأل موسى عليه السلام رب العالمين أن يراه كما أخبرنا بهذا القرآن الكريم
( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ، قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين )
أما فيما بعد حياتنا الدنيا ستتغير رؤيتنا كما أخبرنا القرآن الكريم بهذا في سورة ( ق )
{لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}
كذلك قال عز و جل ( وجوهٌ يَومئذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرة )
: هذا من ناحية النظر فما بال السمع ؟
: كذلك ( و لا أذن سمعت )
فلقد وهبنا الله منطقة معينة نسمع خلالها فلا نسمع أقل منها و لا أعلى منها
تخيل لو أننا كنا نسمع غير هذه الطبقة البسيطة لما نعمنا بهذا الهدوء الذي يتيح لنا التفكر و التدبر أو نعمة النوم
تخيل لو كنا نسمع صوت انفجارات النجوم الرهيب الذي حدث من مليارات السنين و الذي يصلنا الآن
أو لو كنا نسمع دقات قلوبنا أو تقلص أمعائنا أو كنا نسمع مثلا دبيب جيوش النمل المتواصل للبحث عن الرزق و صراع الحشرات من أجل البقاء
أو تسبيح الأشياء من مقاعد و طاولات و أسقف و جدران و شجر و حجر فكما قال تعالى في سورة الإسراء
( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )
و لكن الله عز و جل خص بعض عباده بهذه الخاصية مثل سليمان عليه السلام كما أخبرنا القرآن الكريم في سورة النمل
( حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴿18﴾ فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين )
: فما بال ( و لا خطر على قلب بشر ) أيها الفيلسوف ؟؟؟
: كذلك وهبنا الله تعالى منطقة محدودة من التفكير و العلم
فلقد قال سبحانه و تعالى ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )
فعلمنا و تفكيرنا و عقولنا محدودة أيضا
لكم أن تتخيلوا
الروح التي هي من مخلوقات الله سبحانه و تعالى
لا نقدر و لا نستطيع أن ندرك ماهيتها و كينونتها
فما بالكم بخالق الروح جل شأنه و تعالى علوا كبيرا
و لقد أخبرنا رسول الله صلوات ربي و سلامه عليه عن هذا حيث قال :
( يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله، وَلْيَنْتَهِ )