لم نكن نظن أن نرى أحداً ممن ينتسب للاسلام تبلغ به الحال إلى أن يدين العمليات الفدائية ويرى أنها انتحارية بـيْــد أن على المرء أن يوطن نفسه على عدم الاستغراب من سماع مالاتقبله المدارك الموافقة للوحيين في هذا الزمان الذي يعج بها بالغرائب العجائبية عجيجاً ( !!! ) ..
ولما حُــمِّــل الشيخان ( الألباني وابن عثيمين ) مالا يحتملا في هذا الصدد أحبتُ أن أنشر رأيهما الصحيح الموفق في ذلك .. فرحمهما الله وجزاهما عن الاسلام والمسلمين خير مايجزي محسناً على إحسانه ..
الشيخ الألباني : العمليات الإستشهادية جائزة ...
السائل : بالنسبة للعمليات العسكرية الحديثة ، فيه قوات تسمى بالكوماندوز ، فيكون فيه قوات للعدو تضايق المسلمين ، فيضعون فرقة انتحارية تضع القنابل ويدخلون على دبابات العدو ، ويكون هناك قتل ... فهل يعد هذا انتحارا ؟ ..
الجواب : لايعد هذا انتحارا ، لأن الإنتحار هو أن يقتل المسلم نفسه خلاصا من هذه الحياة التعيسة ... أما هذه الصورة التي أنت تسأل عنها ، فهذا ليس انتحارا ، بل هذا جهادا في سبيل الله .. إلا أن هناك ملاحظة يجب الإنتباه لها ، وهي أن هذا العمل لاينبغي أن يكون فرديا أو شخصيا ، إنما يكون هذا بأمر قائد الجيش .. فإذا كان قائد الجيش يستغني عن هذا الفدائي ، ويرى أن في خسارته ربح كبير من جهة أخرى ، وهو إفناء عدد كبير من المشركين والكفار ، فالرأي رأيه ويجب طاعته ، حتى لو لم يرض هذا الإنسان فعليه طاعته ... الإنتحار من أكبر المحرمات في الإسلام ، لن ما يفعله إلا غضبان على ربه ولم يرض بقضاء الله .. أما هذا فليس انتحارا ، كما كان يفعله الصحابة ، يهجم على جماعة ( كردوس ) من الكفار بسيفه ، ويعمل فيهم بالسيف حتى يأتيه الموت صابرا ، لأنه يعلم أن مآله الجنة .. فشتان بين من يقتل نفسه بهذه الطريقة الجهادية وبين من يتخلص من حياته بالإنتحار ..
( سلسلة .. الهدى والنور ) ( شريط رقم 134 ) .
الشيخ ابن عثيمين : العمليات الإستشهادية جائزة ..
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح كتاب رياض الصالحين ( شرح حديث قصة أصحاب الأخدود ) .. قال رحمه الله .. [ إن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامة المسلمين ، فإن هذا الغلام دل الملك على أمر يقتله به ويهلك به نفسه ، وهو أن يأخذ سهما من كنانته ... الخ ] .. قال شيخ الإسلام ( والكلام للشيخ ابن عثيمين ) .. لأن هذا جهاد في سبيل الله ، آمنت به أمة وهو لم يفتقد شيئا ، لأنه مات ، وسيموت عاجلا أو آجلا ) ..
فأما ما يفعله بعض الناس من الإنتحار ، بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ، ثم يفجرها إذا كان بينهم ، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله ، ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين ، كما جاء في الحديث .. ) ..
لأن هذا قتل نفسه لافي مصلحة الإسلام ، لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين ، لم ينتفع الإسلام بذلك ، فلم يسلم الناس ، بخلاف قصة الغلام ، وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل ، حتى يفتك بالمسلمين أشد فتك .
كما يوجد من صنع اليهود بأهل فلسطين ، فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة ، أخذوا من جراء ذلك ستين نفر أو أكثر ، فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ، ولا انتفاع للذين فجرت المتفجرات في صفوفهم .
ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الإنتحار ، نرى أنه قتل للنفس بغير حق ، وأنه موجب لدخول النار - والعياذ بالله - ، وأن صاحبه ليس بشهيد لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولا ظانا أنه جائز ، فإننا نرجو أن يسلم من الإثم ، وأما أن تكتب له الشهادة فلا ، لأنه لم يسلك طريق الشهادة ، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر ) .. انتهى كلامه رحمه الله ..
إذن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى أن النتائج المترتبة على هذه العمليات هي التي تقرر مشروعيتها من عدمها ، وأن في تقدير الشيخ أن ما يقوم به أهل فلسطين ممنوع ، لما يترتب عليه من آثار سيئة في حق سائر أفراد الشعب ..
السؤال : فضيلة الشيخ ! علمت حفظك الله ما حصل اليوم الأربعاء من حادث قتل فيه أكثر من عشرين يهوديا على يد أحد المجاهدين .. وجرح فيه أكثر من خمسين يهودي ، وقد قام هذا المجاهد فلف على نفسه المتفجرات ، ودخل في إحدى حافلاتهم ففجرها ، وهو إنما فعل ذلك .. الخ ( السؤال مفهوم ) ..
الجواب ..
هذا الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل ، أول من يقتل نفسه ، فلا شك أنه هو الذي تسبب في قتل نفسه ، ولايجوز مثل هذه الحال إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة للإسلام ، فلو كانت هناك مصلحة كبيرة ونفع عظيم للإسلام ، كان ذلك جائزا .
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك .. وضرب لهذا مثلا بقصة الغلام ، الغلام المؤمن الذي كان في أمة يحكمها رجل مشرك كافر ، فأراد هذا الحاكم المشرك أن يقتل هذا الغلام المؤمن ، فحاول عدة مرات ولكنه كلما حاول ذلك نجى الله الغلام .. فتعجب الحاكم ، فقال له الغلام أتريد أن تقتلني ؟ فقال : نعم .. فقال الغلام : اجمع الناس في صعيد واحد ، ثم خذ سهما من كنانتي ، واجعله في القوس ، ثم ارمني به ، قل : بسم الله رب الغلام .. وكان الناس إذا أرادوا أمن يسموا قالوا : بسم الملك .
ففعل ذلك واستطاع أن يقتل الغلام .. فصاح الناس كلهم : الرب رب الغلام ، الرب رب الغلام ، وأنكروا ربوبية الحاكم المشرك ..
يقول شيخ الإسلام : وهذا حصل فيه نفع كبير للإسلام .
وإن من المعلوم أن الذي تسبب في قتل نفسه هو هذا الغلام لاشك ، لكنه حصل بهلاك نفسه نفع كبير ، آمنت أمة كاملة ، فإذا حصل مثل هذا النفع ، فللإنسان أن يفدي دينه بنفسه ، أما مجرد قتل عشرة أو عشرين دون فائدة ، ودون أن يتغير شيء ففيه نظر ، بل هو حرام ، فربما أخذ اليهود بثأر هؤلاء فقتلوا المئات ، والحاصل أن مثل هذه الأمور تحتاج إلأى فقه وتدبر ، ونظر في العواقب ، وترجيح أعلى المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين ، ثم بعد ذلك تقدر كل حال بقردها ) ..
انتهى كلامه رحمه الله .. وقد صرح فضيلته بهذا اللقاء في ( اللقاء الشهري ) ( 20 ) ..
الروابط المفضلة