من عقوبات المعاصي أنها تضعف في القلب تعظيم الرب -جل جلاله-
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: ومن عقوباتها أنها تضعف في القلب تعظيم الرب -جل جلاله-، وتضعيف وقاره في قلب العبد ولابد، شاء أم أبى، ولو تمكَّن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه، وربما اغتر المغتر وقال: إنما يحملني على المعاصي حسن الرجاء، وطمعي في عفوه، لا ضعف عظمته في قلبي، وهذا من مغالطة النفس، فإن عظمة الله تعالى، وجلاله في قلب العبد، وتعظيم حرماته، يحول بينه وبين الذنوب، والمتجرئون على معاصيه ما قدروه حق قدره، وكيف يقدِّره حق قدره، أو يعظِّمه، أو يكبِّره، أو يرجو وقاره ويجله من يهون عليه أمره ونهيه! هذا من أمحل المحال وأبين الباطل، وكفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله -جل جلاله- وتعظيم حرماته، ويهون عليه حقه، ومن بعض عقوبة هذا أن يرفع الله -عز وجل_ مهابته من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفون به، كما هان عليه أمره واستخفَّ به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الناس، وعلى قدر تعظيمه الله وحرماته يعظِّم الناس حرماته، وكيف ينتهك عبد حرمات الله ويطمع أن لا ينتهك الناس حرماته؟ أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهوِّنه الله على الناس؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق؟
وقد أشار سبحانه إلى هذا في كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب، وأنه أركس أربابها بما كسبوا، وغطى على قلوبهم وطبع عليها بذنوبهم، وأنه نسيهم كما نسوه، وأهانهم كما أهانوا دينه، وضيَّعهم كما ضيَّعوا أمره؛ ولهذا قال تعالى في آية سجود المخلوقات له: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} فإنهم لما هان عليهم السجود له، واستخفوا به، ولم يفعلوه، أهانهم فلم يكن لهم من مكرم بعد أن أهانهم، ومن ذا يكرم من أهانه الله؟ أو يهين من أكرمه الله؟
كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء والدواء)
للإمام ابن القيم-رحمه الله-
الروابط المفضلة