الله الرحمن الرحيم
جامع المصطفي : 4/5/2007
محبة الله
الحمد لله يربي أحبابه علي موائد آدابه يسدل ثوابه علي من يشاء بغير حساب . يارب أسألك حبك وحب من يحبك . والعلم الذي يبلغنا حبك . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره . وأرجوه الحكمة وفصل الخطاب وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله وحلاه بالجود والكرم فكان كريم الأحساب وكان عظيم الأنساب . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه ونهجه إلى يوم الدين أما بعد . فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير . يروي الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سأل رجل رسول الله صلي الله عليه وسلم متي الساعة ؟ فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ماذا أعددت لها ؟ فكأن الرجل استكان . ثم قال يا رسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله فقال الرسول : أنت مع من أحببت قال أنس فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول الرسول أنت مع من أحببت ثم قال : أنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم ولو لم أعمل بعملهم " .
عباد الله أيها المسلمون :
محبة الله هي المنزلة التي يتنافس فيها المتنافسون .

وإليها شخص العاملون . وعليها تفاني المحبون وهي قوة القلوب وغذاء الروح وقرة العيون . وهي الحياة التي من حرمها صار من جملة الأموات ومن فقدها عاش في بحار الظلمات .
والمحبة ثلاثة أقسام محبة الله . ومحبة لله وفي الله . ومحبة مع الله . أما محبة الله فهي عنوان الإحسان وسبب ذوق حلاوة الإيمان روي الإمام البخاري رحمه الله عن أنس رضي الله عنه قال " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" . وأما المحبة لله وفي الله فهي من تمام محبة الله وموجباتها فإن محبة الحبيب توجب محبة ما يحب ولهذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " من أحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان ".
أما المحبة مع الله فهذه الشرك بعينه وهي أن تشرك في حبك أحدا مع الله فيكون ندا لله وعن هذا قال الله " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " . وعلي المسلم أن يسعى أولا أن يكون في منزلة المحب لله ثم يرقي لمنزلة المحبوب من الله ....
ولكن كيف ؟ ؟؟
يجيب عن ذلك شيخ الإسلام بن القيم رحمه الله فيقول لن يكون ذلك إلا بعشرة أشياء :ـ
* قراءة القرآن بتدبر : وذلك بأمور : تعلم أن هذا خطاب الله للبشر . قال الحسن كان من قبلكم يعرفون أن القرآن رسائل الله للبشر فيتدبرونها ليلا ويتفقدونها نهارا . ثم تستحضر نفسك وأنت تناجي الله . قال النووي أول واجب علي القارئ أن يستحضر أنه يناجي ربه . وكان أحد الصحابة يستجلب محبة ربه بسورة يتدبرها ويقرأها كثيرا وهي سورة قل هو الله أحد ولما سئل الرجل عن هذا فقال هي صفة الرحمن وأنا أحبها فقال رسول الله " أخبروه أن الله يحبه " . ويعلم أن المقصود من القراءة هو التدبر فلو لم يحصل إلا بالتكرار يكرر . لهذا كان أبو ذر رضي الله عنه يكرر قوله تعالي " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " وكان تميم الداري يكرر قوله تعالي " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ".
* كثرة النوافل : فالمسلم يتقرب إلي الله أولا بالفرائض ثم يكثر من النوافل . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما بلغ عن رب العزة سبحانه وتعالي " من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ ني لأعيذنه " . وقد جاء في الخبر عبدي أطعني تكن عبدا ربانيا تقول للشيء كن فيكون .
* كثرة الذكر : علي المؤمن أن يذكر الله في كل حالات واسمع لربك " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" . وهذا في المقابل يستجلب محبة الله . قال تعالي " فاذكروني أذكركم " وجاء في الحديث القدسي " أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه " ثم يكون من السابقين قال صلي الله عليه وسلم سبق المفردون قيل وماهم يا رسول الله قال " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات "وهو المعوض عن كثرة الشرائع جاء رجل لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : كثرت علي الشرائع يا رسول الله فدلني علي باب جامع أتمسك به فقال لا يزال لسانك رطب بذكر الله وهو المعوض عن كثرة العمل الصالح قيل لأبي الدر داء رجل اعتق مائة نفس فقال إن هذا من المال كثير لكن لسان رطب بذكر الله أفضل . وعلي العكس عدم الذكر يقود للحسرة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله إلا قاموا من مثل جيفة حمار " .
* تفضيل محاب الله علي محابك : وذلك عند غلبة الهوي وصعوبة المرتقي قال بن القيم لابد من إيثار رضا الله علي رضا غيره وإن عظمت المحن وثقلت المؤن وضعف الطول والبدن حتى لو كان ذلك علي حساب غضب الخلق وهذه رابعة العدوية تناجي ربها :
ليت الذي بيني وبينك عا مر وبيني العالمين خراب
إذا صح الود منك فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
ولن يكون ذلك كذلك إلا بأمور: قهر الهوي ، مخالفة الهوي ، مجاهدة الشيطان .
* معرفة أسماء الله وصفاته : فلا يوصف بالمعرفة إلا من كان عالما بأسماء الله وصفاته من غير تعطيل ولا تأويل ولا تشبيه . فمن حجد الصفات فقد هدم أصلا من أصول الإيمان . وأتلف شجرة الإحسان ومن أولها فقد اتهم الرسول بالنقص والتقصير والكتمان . فلو كان لها تأويل لأظهره الرسول ومن شبهها صار من المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا " . ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
* الإقرار بنعم الله وآلائه : وهي واضحة علي الإنسان فالله قد امتن علي الإنسان بنعمه الظاهرة والباطنة وصدق الله إذ يقول " وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ". وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم " . ورغم ذلك فالإنسان مقصر في شكر الله وقد عبر الله عن ذلك فقال " قليلا ما تشكرون " . ولا شك أن الإقرار بنعم الله وشكره عليها من موجبات المحبة .
* انكسار القلب لله : وهو الخشوع والذل لله وصدق الله " وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا " ويظهر أثر الخشوع علي الجوارح لهذا قيل (من خشع قلبه خشعت جوارحه ) ويروي أن رجلا كان يصلي أمام رسول الله ويعبث بلحيته وثيابه وجسده فقال الرسول " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " وهذا كان حال السلف يروي أن عبد الله بن الزبير كان إذا وقف كأنه عود وإذا سجد هبط عليه العصافير وكأنه غصن شجرة .
* الأدب في الخلوة : أعلي مراتب الأدب في العبودية تتجلي في الخلوة حين لا يكون مطلع عليك إلا الله لهذا أثني الله علي العابدين ليلا " تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون " وقال جبريل لرسول الله صلي الله عليه وسلم " اعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه في استغنائه عن الناس" . ويستحق أعلي المراتب " إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير " .
* مجالسة المحبين : يجالس من أحب الله وأحبه الله من الصالحين فأنت بذلك تنتقي أطايب الناس كما تنتقي أطايب الثمر جاء في الحديث القدسي " وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في ".
* البعد عن كل ما يحول بين القلب وبين الله : تعلمون أن القلب هو عجلة القيادة للإنسان ولهذا قال عنه الرسول صلي الله عليه وسلم " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " ومن ثم فعلي الراغب في محبة الله أن يمنع قلبه عما يقف بينه وبين الله فلو تركه قسي قلبه ولم ينتفع بالمواعظ . وصدق من قال :
إذا قسي القلب لم تنفعه موعظة كالأرض إذا سبخت لم ينفع المطر
ولو أخذ عليه حفظه سليما يلقي ربه بقلب سليم فينتفع به وصدق الله " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم ". أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ...
الثانية :
آثار محبة الله :
يترتب عليها طاعة الله فيما أمر والابتعاد عن ما نهي عنه وزجر و إلا كان ذلك من التناقض الفاضح وصدق من قال :
تعص الإله وتظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو أحببته لأطعته لأجبته إن الحبيب لم يحب مطيع
حب الكون بما فيه للعبد فقد جاء في الخبر" إذا أحب الله عبد نادي جبريل وقال له إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي علي أهل الأرض إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل الأرض فيوضع له القبول والحب في الأرض والسماء" وصدق من قال :
أحبك حبين حب الهوي وحبا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوي فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له فكشفك الجب لي حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاكا لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
وهنا قد يتعرض المحبوب للبلاء والامتحان من الله ليميز الله الطيب من الخبيث والردئ من النفيس وصدق رسول الله " إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإذا صبر اجتباه فإذا شكر اصطفاه" .
"
منقول لكم تحياتي