لحظة يا حفظة القرآن!
من أقوال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في حملة القرآن الكريم: «عزيز علي أن تذيب الدنيا أكباد رجال وعت صدورهم القرآن».
حقاً إنه لعزيز علينا، كما هو عزيز على هذا الإمام الجليل، وكما هو عزيز على كل مؤمن، أن تذوب القلوب القرآنية في هوى الدنيا، فتلهو كما يلهو الآخرون، وتلعب كما يلعبون، وتتنافس فيها كما يتنافسون، وتحزن لفقد متاعها كما يحزنون، فيؤلمها ما يفوتها منها، ويشتد حرصها على جمعها من أطرافها.
تراه في مجالس القرآن، فترى تالياً واعظاً حافظاً، يستشهد بالآيات، وتفيض منه العبرات، ثم تراه في مجلس حوار اختلفت فيه الآراء، وتباينت وجهات النظر، فترى عجباً من الانتصار للذات، والتعصب الأعمى للرأي أو الصاحب..
وتراه في مجلس بيع وشراء، فترى المطل وتسمع الأيمان المغلظة.. والجدل العقيم، والحرص الشديد..
وتراه في مجلس سمر، فتسمع الضحك، والألفاظ النابية، والنكات العابثة..
وتراه مع الزوجة والأبناء، فترى الفظاظة والغلظة والقسوة والإهمال..
وتراه مع الصحب والإخوان، فترى البخل والشح، واللجاجة، والخصومة، والحسد والغيبة والنميمة..
هل يدرك هؤلاء أنه لا سلطان للدنيا على قلب قرآني؟!
هل يدرك هؤلاء أنهم غير الناس بما يحملون؟!
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس يخوضون، وبنهاره إذا الناس يفرطون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون مستكيناً ليناً، ولا ينبغي له أن يكون جافياً، ولا ممارياً، ولا صياحاً ولا صخاباً ولا حديدا».
حقاً ما كان للدنيا بكل ما فيها، أن تنفذ إلى قلوب امتلأت بآيات الله، وأن تجد لها مكاناً فيه كبر أو قل، فضلاً عن أن تكون هي الموجه والمحرك لهذه القلوب، تأخذ بزمامها مشرقة تارة، ومغربة تارة أخرى.
فأي دنيا هذه التي تزاحم كتاب الله؟
وأي دنيا هذه التي تنتصر على قلب غمره نور آيات الله؟!
أي دنيا يلهث وراءها من أيقن بوعد الله في كتابه؟!
أي دنيا يخافها من خاف وعيد الله وبطشه؟!
أي دنيا هذه التي تحزن قلباً أنس بتلاوة كتاب الله؟!
أي دنيا هذه التي تزعزع إيمان عبد أحسن صلته بكتاب الله؟!
أي دنيا تنزع من قلب قرآني يقينه أن النصر قادم، وأن المستقبل لهذا الدين، وأن دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة؟!
أي دنيا هذه التي يبدو فيها المؤمن آيساً قانطاً؟!
أي دنيا هذه التي تهزم قرآن ربنا ؟؟!!
هل تدرك يا حامل القرآن حقيقة مكانتك، وتعلم علو منزلتك، فلا يليق بك أبداً أن تنزلك الدنيا من عليائك، وأن تهبط بك إلى قيعانها وحفرها، وأن تلطخك بعارها وشنارها.. وان تدنسك بخزيها.
وأود أن أنوه فقط الى ان كل من حفظ آية من كتاب الله هو من حملته، وكل من تلاه هو من حملته، وكل من التزم بدين الله، هو من حفظة كتابه بالضرورة.
فليس المقصود بحملة القرآن من حفظه غيباً فقط، بل المقصود كل من آمن به، وسعى الى تطبيقه، مع تفاوت في الدرجات والمسؤولية بين الجميع!!.
طريق الاسلام
رد مع الاستدلال
الروابط المفضلة