حب الدين..........
حب الدين فرض وضرورة ، فلا يتم إيمان عبد إلا بمحبة دين الله تعالى ، الذي هو التجسيد العملي لما يرضاه الله تعالى لعباده ، والذي هو الطريق الذي على اساسه تكون عبادة الله تعالى ، ولذا قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(النساء/65) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعـًا لما جئت به))(رواه النووي في الأربعين) .
وعندما يكون الهوى تابعـًا للدين فإنه يدلّ على محبة الدين ، ومحبة الدين هي باب التضحية في سبيله ؛ لأن الإنسان غالبـًا لا يضحي إلا من أجل الشيء الذي يحبه ، فيقدمه على هواه وشهواته ، ولذا كانت التضحية لازمة ، ولذا أمرنا الله تعالى بالجهاد ، فقال : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)(الحج/78) . والجهاد هو بذل الجهد وميادينه كثيرة واسعة ، أولها جهاد النفس ، وأعلاها الجهاد بالمال والنفس في سبيل إعلاء كلمة الله ، وقد ضرب لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - عليهم رضوان الله تعالى - المثل الأعلى في محبة الدين بالتضحية في سبيله ، فقد ضحوا في سبيل الله تعالى بالمال والوطن والراحة ، وبذلوا كل غالٍ في سبيل التمكين لكلمة التوحيد في الأرض ، فنصرهم الله تعالى وأخلف عليهم خير الدنيا والآخرة ، قال تعالى بعد أن وعد المجاهدين بالمغفرة والجنة في الآخرة : (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(الصف/13) .
وعندما نذكر التضحية تقفز إلى الأذهان قصة أصحاب بئر معونة ، وكانوا صفوة من الصحابة القارئين لكتاب الله ، ففي الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه رِعْل وذكوان وعَصية وبنو لحيان (من قبائل العرب) فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدّوه على قومهم ، فأمدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبعين من الأنصار ، قال أنس - رضي الله عنه - : " كنا نسميهم القراء يحطبون - أي يجمعون الحطب - بالنهار ويصلون بالليل " فانطلقوا بهم حتى بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت - صلى الله عليه وسلم - شهرًا يدعو على رعل وذكون وبني لحيان ، فما أعظم تضحيتهم - رضي الله عنهم - .
والتضحية ضرورة مع كونها واجبة ، إذ لا يمكن لدين أن يقوم إلا بتضحية أصحابه ، فالتضحية هي البوتقة التي تصهر معادن الرجال الذين تقوم على أكتافهم أعمدة الدين ، فإذا ضحى أهل الدين جاءهم النصر من رب العالمين .
ولعل هذا هو الفرق بيننا وبين الرعيل الأول ممن حملوا لواء هذا الدين ، فلقد كان حبهم للدين عمليـًا بالتضحية بالنفس والمال وبراحة الأبدان والأنس بالأوطان، ولذا عوضهم الله النصر والتمكين ، ولابد لنا أن نسير على الدرب وننسج على نفس المنوال ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(محمد/7) .
اقرأوا هذه القصة : كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - أنعم غلام بمكة ، وأجوده حلة مع أبويه ، كان أبواه يحبانه حبـًا شديدًا ، فأسلم رغمـًا عنهما ، وفرّ منهما مهاجرًا إلى الحبشة ، وضحى بكل ما لديهما من النعيم ، مرّ ذات يوم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما عليه إلا بردة مرقوعة بفرو ، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى للذي كان فيه من النعمة ، وللذي صار إليه .
حمل الراية يوم أحد واستشهد ولم يترك إلا ثوبـًا ،كانوا إذا غطوا به راسه خرجت رجلاه ، وإذا غطوا به رجلاه خرج رأسه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((غطوا رأسه واجعلوا على رجليه الأذخر وتلا قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(الأحزاب/23) - رضي الله تعالى عنه

منقول للفا ئده