كنا سبعة في غرفة التأمل ، وأمام كل منا صندوقان أحدهما أسود والاخر ذهبي وعلى صوت الناي الدافئ هدأت نفوسنا ، واسترخت اعصابنا .. وصوت مرشدنا يوجهنا (( ركزوا معي في نقطة بمنتصف الجبين على السلبيات التي ترغبون التخلص منها ، وسجلوا قائمة من نسختين ثم قوموا برمي النسخه الاولى في الصندوق الاسود الخاص بالعادات السيئة ، اما النسخه الثانيه فاحرقوها بلهيب هذه الشمعة ، وكانت أمامنا شمعة طويلة خضراء كشجرة ، وصرت أنتشي بمنظر القصاصات وهي تحترق أمامي واحدة تلو الاخرى ، وشعرت كأن ذنوبي
تحترق في أتونها .. حتى أستحالت كلها رمادا ، والناي أم حنون تحتضن ابناءها وتتقبلهم كما هم بعيوبهم وإيجابياتهم .. وسحبت نفساً عميقاً وانا اتأمل دفء الشمعة ، وفجأة شعرت بصداع وبثقل في رأسي وأنا أودع سلبياتي غير المرغوبه ، وبلا رجعه حتى شعرت بنفسي تخرج من جسدي نجمة مضيئة لامعة
من منتصف الجبين ، وشعرت لحظتها كم أبدو خفيفة بلا وزن حينما أتحررمن قيود الجسد .. ودخلت عوالم مجهولة حتى وصلت الى نفق طويل طويل ..
و هناك وجدت وجوه أحبتي تصافحني بمودة نقيه بعد فراق طويل طويل ..
وسمعت أحدهم يحدثني بلا صوت ، كنا نتخاطب بالاحساس يسمونه هناك التلباثي..
كان متقدما بالسن ، حكيما ذا بصيرة نفاذة ونظره حانية رحيمه ووجه متواضع طيب كوجه جدتي المنسي ..
(( ابنتي الروحية لاتقبلي التعاسة من أحدولا ترسليها لأحد ، لأنك ان فعلت ستكون لحظات موتك مؤلمة كلسعات الندم !!وأهداني صحنا كان مكتوب عليه بحروف من الماس (( أعظم سخاء يمكن ان نمنحه للأنسانيه هو ان نكف عن تصيد زلات وعيوب الآخرين ، فمن يتصيد عيوب الآخرين تتصيد الناس عيوبه كذلك )) . ثم رمى كرة من النور باتجاه الجدار وعقَب : رأيت كيف ارتدت هذه الكرة الينا؟ كذلك هي أفكارنا الضعيفة العدوانية ..
وناولني زهرة حمراء من الضوء ، واختفى !! ولكن روحه بقيت معي ، وبرق
كلماته أضاء شمعات كانت مطفأة في أعماقي .. وشعرت بالحدس بأنه قد آن
الاوان للرجوع الى الاض ، وقررت بفكري أن أرجع بجسدي حتى دخلت غرفة التأمل
من جديد .. وانبسطت أسارير الجميع حين فتحت عيني ، الكل كان يظن انني
كنت في حالة غيبوبة وقتية ، ولكن مرشدي وحده حدس بأنني كنت في رحلة
روحيه ثم عقَب (( ما أزكى رائحة زهرتك )) !! وتذكرت الزهرة المضيئة
التي أهداني اياها الشيخ من رحلتي ، مازالت زهرته تفوح وتضوي بعطره
زغم ذبولها !! وفجأة تأملت الصندوقين ، ولدهشتي وجدت الصندوق
الأسود خفيف الوزن ، اما الصندوق الذهبي فقد ثقل وزنه حتى لم أعد أقوى
على رفعه ، ما ان قلت لنفسي كيف حصل ذلك حتى سمعت الاجابه تأتيني من
الفضاء بحروف ماسية (( حينما فوضت أمورك لله أخذ أعباءك عنك فخف وزن
صندوقك الأسود اما الذهبي فقد ازداد ثقله بسبب دعوات الناس الطيبة لك ))!