الحمد لله الذي أنزل في محكم كتابه المبين " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون " ، وقال جل ذكره : " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " .
وصلى الله وسلم وبارك على إمام الموحدين وخاتم النبيين الذي أخرج الله به من سبقت سعادته من ظلمات الشرك والضلال إلى نور التوحيد والسنة ، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، وحمى به جناب التوحيد وسد كل الذرائع إلى الشرك ، فكان مما أعلن لأمته وأبان من سنته " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الاحبة في الله ، الشعوذة ، التي انتشرت ، وشاعت في أرجاء العالم الإسلامي .

لابد من مقدمة قبل أن أبدأ الحديث عن هذا الموضوع الدقيق الذي يمس شريحة كبيرة من شرائح المجتمع ، المقدمة : ما العلم ؟ كلمة علم كلمة براقة ، ألف وخمسمئة آية في كتاب الله تتحدث عن العلم والعقل ، بل إن العلم قيمة مرجحة في القرآن الكريم ، قال تعالى :

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ

[سورة الزمر : من الآية 9]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ .

[سورة المجادلة : من الآية 11]


فالعلم والعمل في القرآن الكريم قيمتان مرجحتان بين الخَلق ، بينما عند أهل الدنيا المال والذكاء والوسامة والقوة ، إلى آخره ، قيم مرجحة في عالم الحياة الدنيا ، لكن عند الله عز وجل الترجيح بالعلم والعمل ، قال تعالى :

وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ .

[سورة الأنعام : من الآية 132 ]

ما العلم ؟ بتعريف مختصر : هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل ، فلو ألغي الدليل لكان تقليداً ، والتقليد في العقيدة مرفوض ، لقوله تعالى :

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ .

[سورة محمد : من الىية 19]

ليس في الآية : قل لا إله إلا الله ، بل : فأعلم انه لا اله الا الله


ولو قبلنا جدلاً أن الله يقبل عقيدة تقليداً لكانت كل الفرق الضالة ناجيةً عند الله عز وجل ، لأنهم سمعوا رؤساءهم في الطوائف والأديان يقولون شيئاً فقالوه ، فالعلم هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل ، وبتعريف أكثر : تفصيل إسناد ، أو حكم ، أو وصف مقطوع به ، يؤيده الواقع ، عليه دليل .

الإسناد تقول : خالد كريم ، أسندت الكرم إلى خالد ، أو حضر خالد ، أسندت الحضور إلى خالد ، أو وصفت خالداً بأنه شجاع ، الوصف والحكم والإسناد يعني ربط شيء بشيء ، علاقة ، العلم علاقة ، علاقة التمدد بالحرارة ، علاقة التمدد بالضغط مثلاً ، علاقة مقطوع بها ، صحيحة مليون بالمليون ، هذا القطع يقابله الشك ، وهو حقيقة مرجوحة ، أو يقابل القطعُ الوهمَ ، أيضاً هو حقيقة مرجوحة ، أو يقابل القطع الظن ، وهو حقيقة راجحة ، راجحة يتساوى الشك والصواب فيها ، على كل صحة الحقيقة ثلاثون بالمئة وهْم ، خمسون بالمئة شك ، ثمانون بالمئة ظن ، أما العلم فمئة بالمئة ، لا يوجد احتمال الخطأ أبداً ، المعادن تتمدد بالحرارة ، لو ذهبت إلى القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة فالمعادن تتمدد بالحرارة ، وهذه حقيقة مقطوع بها ، يؤيدها الواقع ، وكل شيء خلاف الواقع جهل ، من هو الجاهل ؟ الذي امتلأ مقولات مغلوطةً ، الجاهل قد يحمل جهالة ، يقول لك : لابد من الاغتراب ، هذا مجتمع الرقي ، مجتمع العصرنة ، مجتمع الحداثة ، المرأة نصف المجتمع ، أي مقولة بخلاف الكتاب والسنة تعد جهلاً ، لأن الواقع لا يؤكدها ، المرأة محبوبة ، هكذا صمم الله الرجل على محبة المرأة ، فإذا كانت متبذلة في الطريق ، وفي العمل ، وفي المعمل ، وفي الدائرة سببت حرجاً كبيراً ، وفتنةً لا تنتهي ، وأيّ مقولة تخالف الواقع تعد جهلاً ، فالجاهل يمتلك آلاف المقولات ، لكنها مغلوطة كلها .

الحكم ، أو النسبة ، أو الإسناد المقطوع بصحتها ، والتي توافق الواقع ، وعليها دليل ، الآن لو ألغينا الدليل لكان تقليداً ، لو ألغينا الواقع لكان جهلاً ، لو ألغينا القطع لكان شكاً ، أو وهماً ، أو ظناً ، هذا العلم يقابله الجهل ، مقولات لا تنتهي تخالف الواقع ، الله عز وجل قال :


يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ .

[سورة البقرة : من الآية 276]

هذا كلام خالق الأكوان ، يقول لك أحدهم : الربا يزيد المال ، القرآن يقول : يمحقه ، مقولة أهل الدنيا : إن الربا يزيده ، إذاً هذه المقولة جهل ، لأن الله عز وجل يرخي الحبل لزيد من الناس ، ثم يمحق الله ماله ، قال تعالى :

يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ .

[سورة البقرة : من الآية 276]

وإذا قال لك : إنفاق المال ينقصه ، قال تعالى : ويربي الصدقات.

يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ .

[سورة البقرة : من الآية 276]

إنفاق المال يزيده ، نحن كوننا مسلمين عندنا مرجع هو الكتاب والسنة ، القرآن كلام الله ، والسنة شرح المعصوم لكلام الله عز وجل ، والله عز وجل يقول :

ما افاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب

[سورة الحشر : من الآية 7]

لذلك أخطر شيء في حياة المسلمين أن تتسلل الخرافات والأوهام إلى عقولهم ، والانحرافات إلى سلوكهم ، فهذه الطامة الكبرى ، شبهات ، وخرافات ، وجهل ، ووهم في عقولهم ، وانحراف في سلوكهم ، لذلك الدعاء الرائع : اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

صدقوا أيها الإخوة ، لو جمعت المقولات التي تطرح في الساحة الإسلامية ، ومحصتها تمحيصاً دقيقاً وفق موازين الكتاب والسنة ، والله لا أبالغ تسعون بالمئة منها يجب أن تنبذه ، أوهام لا أصل لها إطلاقاً ، العوام يقولون : هذه البنت انحظت ، وهذه البنت ليس لها حظ ، هذا الكلام ليس له معنى ، الله موجود ، بيده الأمر ، كلمة حظ بالمفهوم العامي لا وجود لها إطلاقاً ، هناك توفيق ، وعدم توفيق ، هناك تيسير و تعسير ، هناك عطاء وأخذ ، هناك إكرام وتأديب ، والإكرام له أسباب ، والتأديب له أسباب ، أما أن تأتيك الظروف القاسية بلا سبب فأنت بهذا ترد كلام الله ، قال تعالى :

وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ .

[سورة الشورى : الآية 30]

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

[سورة آل عمران : من الآية 165]

أهم شيء في الدرس : معنا وحي خالق السماوات والأرض ، معنا كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، معنا شرح لهذا الكتاب من عند المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، فأيّ مقولة ، وأيّ مقالة تقرؤها ، وأيّ كلمة تسمعها ، أو أيّ كتاب تطلع عليه يخالف كلام الله عز وجل وسنة رسوله الصحيحة فهو جهل ، وقد يكون الكلام براقاً ، وقد يكون الكلام جذاباً ، وقد يدغدغ شهوات الناس ، طبعاً أن تكون المرأة في كل مكان بأبهى زينتها ، وتعرض أبهى ما عندها من مفاتن في أيّ مكان في الدوائر ، في الطريق ، في أي مكان ، هذا شيء يدغدغ شهوة الناس ، لكنه يفسد الحياة ، ويجعل الحياة تمتلئ بالفتن والانحرافات .

لذلك هذا الدرس أيها الإخوة متعلق بموضوع ، هو مصطلح الشعوذة ، الدجل ، الكذب ، الافتراء ، الوهم ، الجهل ، سبب هذا الموضوع أنني في كل أسبوع يأتيني سؤال عبر الهاتف، أو سؤال شخصي ، أن أحداً يسألني : أريد أن أفك السحر عن فلان ، وأن أخرج منه الجن ، إلى أين أذهب ، إلى أي شيخ أذهب ؟

أنا سأقول لكم بادئ ذي بدئ : هذا الإنسان الذي هو محمد عليه الصلاة والسلام الذي يعتقد المسلمون جميعاً أنه سيد الخلق ، وحبيب الحق ، الإنسان الأول رتبةً ، ما من إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة أعلى مقاماً من رسول الله ، حتى إن الله عز وجل أقسم بعمره الثمين ، وحتى إن الله سبحانه وتعالى قال :

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .

[سورة التحريم : من الآية 9]

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

[سورة المائدة : من الآية 41]

ولم يقل : يا محمد ، بينما قال في آيات كثيرة :

يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا .

[سورة مريم : من الآية 12]

يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا .

[سورة مريم : من الآية 7]

إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .


[سورة آل عمران : من الآية 55]


يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .


[سورة النمل : من الآية 9]

لم يقل : يا محمد ، بل قال :

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .

[سورة التحريم : من الآية 9]

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

[سورة المائدة : من الآية 41]

هذا الإنسان المكرّم الذي بلغ سدرة المنتهى ، والذي هو أقرب مخلوق إلى الله عز وجل ، وأحب مخلوق إلى الله عز وجل يقول الله له :

قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .

[سورة الأعراف : من الآية 188]

يقول له في آية أخرى :

وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ .

[سورة يونس : من الآية 40]

يقول في آية أخرى :

قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ .

[سورة الأنعام : الآية 15]

إذا كان سيد الخلق ، وحبيب الحق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فمن باب أولى أنه لا يملك لغيره نفعاً ولا ضراً ، وهو لا يعلم الغيب ، وهو إن عصى الله كما جاء في الآية :

قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ .

[سورة الأنعام : الآية 15]

(( لا أمثِّل بهم فيمثِّلَ اللهُ بي ، ولو كنتُ نبياً )) .

[ورد في الأثر]

أيجرؤ إنسان دجال مشعوذ أن يوهمك أنه يعلم الغيب ، أن يوهمك أنه بإمكانه أن ينفعك أو أن يضرك ، هذا أول شيء في الدرس ، احفظ هذه الآيات :

قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .

[سورة الأعراف : من الآية 188]

يقول له في آية أخرى :

وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ .

[سورة يونس : من الآية 40]



يقول في آية أخرى :

قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ .

[سورة الأنعام : الآية 15]

في ضوء هذه الآيات تسقط كل دعاوى المشعوذين والدجالين ، والكذابين والأفاكين ، والنصابين والمحتالين ،ومن يرتزق بالدين ، والإمام الشافعي يقول : " لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق بالدين " ، وهذا الذي يرتزق بالدين اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً ، وسوف يحاسب حساباً عسيراً ، لأنه تاجرَ بأقدس ما يملك الناس ، تاجر بعقيدة الناس ، تاجر بدينهم ، تاجر بمصيرهم ، لذلك : (( ابن عمر ، دينك ، دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا )) .

[ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية برقم ( 186 )]

أحد المشعوذين من إقليم دارفور بالسودان يقول بعد أن تاب إلى الله ، واعترف أنه كان مشعوذاً ، ودجالاً ، وضالاً مضلاً ، في بعض اعترافاته بعد توبته هذا الكلام ، يقول : كان يستخدم الجن في أعمال الشعوذة والاحتيال على الناس ، وقال : إن المشعوذين يدعون أنهم يعالجون الناس ، ويقضون أمور الناس بالقرآن ، ولكنه افتراء ، فهم يستخدمون الشيطان الذي يستخدمهم ، ويجبرهم على أفعال منكرة وحرام ، مثل تدنيس القرآن ، يكتب القرآن بدم الحيض أحياناً ، وبالبول أحياناً أخرى ، قرب عورة الإنسان حتى يسمح الشيطان لهذا الدجال أن يعينه على تحقيق إضلاله للناس ، يأمره بشيء تقشعر منه الأبدان ، يجب أن تكتب بعض آيات القرآن بدم الحيض ، أو بالبول ، أو بشيء قذر في مكان قريب من عورة الإنسان ، إن فعل هذا يقبله الشيطان ، ويمده ليضل بني البشر ، قال : مثل تدنيس القرآن ، أو ترك الصلاة، أو عدم الصيام ، أو الزنا بالأقارب ، عدد كبير جداً من المشعوذين يرتكبون الزنا كل يوم ، وأحد إخوتي الكرام له قريب مشعوذ ، والله حدثني عنه بأشياء لا يصدقها العقل ، من شدة فسقه وفجوره يمضي عليه الشهر والشهران ، وهو جنب ، لا يصلي ، ولا يقوم بأي عبادة ، بل ألِف الزنا مع كل امرأة ساذجة تأتيه كي يحل لها مشكلتها ، هذا الواقع ، له مظهر مقبول ، هؤلاء مشعوذون ، هؤلاء دجاجلة ، هؤلاء كذابون ، هؤلاء نصابون ، هؤلاء يتاجرون بالدين ، ويستغلون بساطة المسلمين وسذاجتهم .

زوج أراد أن يداعب زوجته ، فأخبرها أنه سيتزوج عليها بواحدة ، هذا مزاح ، وهذا المزاح دفع الزوجة إلى شيخ دجال نصاب ، لعله يكتب لها حجاباً ينفعها ، هذا الذي يقع ، أنا لا أتكلم من فراغ ، أنا أتكلم من واقع أعيشه من شريحة كبيرة من المسلمين الذين لم يتنوروا بنور العلم ، وهؤلاء يعطونهم حجابات ، كلام بالسرياني ، كلام غير مفهوم ، تمتمات ، حركات ، سكنات ، تأتي بديكٍ أبيض ، وتفاصيل ، شيء مضحك ، تفاصيل ما أنزل الله بها من سلطان ، ومبالغ كبيرة جداً ، وهذا الرجل ثروته تقريباً فلكية ، عنده ثماني سيارات ، صاحب أموال طائلة ، عنده تجارة كبيرة جداً ، تجارة بن ، وعطور ، وصابون ، ويملك ملايين مملينة ، هذا مشعوذ كبير ، نرجو الله أن يقبل توبته ، وهذه صورته ، يقول هذا المشعوذ سابقاً ، ونرجو الله أن يقبل توبته في اعترافات مثيرة : إنه تعلم أعمال السحر والشعوذة في غرب إفريقيا في الكاميرون ، والتشاد ، وذكر أنه أعلن توبته ، وبدأ يعمل على إبطال الأحجبة ، وأعمال السحر التي يعرف أسرارها بالطرق القرآنية الصحيحة ، هناك أحجبة تحمي من السلاح الناري ، والحديدية ، أحجبة تحمي من لدغ الحية ، أحجبة تستخدم الآيات القرآنية الناقصة مع الطلاسم الشيطانية التي يعلمها الجن للإنسان ، وهذا كله من شأن هذا الدجال النصاب ، وكل الأموال التي جمعها من الشعوذة أتلفها الله عز وجل في ستة أشهر.

أكثر شيء زبائنه إن صح التعبير من تجار المخدرات الذين يطلبون منه أن يكتب لهم حجابات تمنع السلطات الجمركية أن تكتشف المخدرات التي معهم ، كالهروين ، والكوكائين ، وأكثر زبائنه من شريحة المتزوجين ، فالزوجات أو الضرائر يطلبن منه كتابة حجاب ، فلعل الزوج يحب زوجته ، ولعل الزوج لا يتزوج عليها ، مع أن الزوجة إذا طبقت سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، فحفظت نفسها ، و صلت خمسها ، و صامت شهرها ، و أطاعت زوجها دخلت جنة ربها .

لو أن كل امرأة طبقت السنة النبوية : (( اعلمي أيتها المرأة ، و أعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله )) .

[أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد الأنصارية]

يحبها زوجها ، و الغريب أنني قرأت كتاباً لأحد الإخوة مدير سجون القُطر ألّف كتاباً فيه ثلاث وستين جريمة ، و كل جريمة أعقبها بالمخالفة الشرعية التي حملت هذا الإنسان على أن يكون مجرماً ، لأنه ما من معصية على وجه الأرض إلا بسبب معصية ارتكبت ، وما من معصية ارتكبت إلا بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، و الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .

إذاً أكثر المنتفعين من هذا الدجال تجار المخدرات والزوجات اللواتي يخفن أن يتزوج الزوج عليهن ، الذي قرأته في هذا الكتاب الذي ألفه مدير السجون في القطر أن نصابة دجالة مشعوذة ـ أيضاً يوجد نساء ، وليس ذكوراً فقط ـ يوجد دجال ودجالة ، و نصاب ونصابة ، ومشعوذ ومشعوذة ، هذه تأخذ مبالغ طائلة ، وتعمل حجاباً ، وتمتمات ، وكلامًا غير مفهوم ، وخطوطًا لا معنى لها إطلاقاً ، من ذكائها تدل الزوجة على أن تكون نظيفة ، هندامها حسن ، تظهر بمظهر لائق أمام زوجها ، بطاعته ، بخدمته ، بإكرامه ، فعلاً الأزواج بعد هذه التعليمات التي وجهتها لهم هذه الدجالة ، ولكن هذه تعليمات سنة ، أصبح هناك محبة بينهم ، هي توهمت أن المحبة ناتجة من السحر ومن الحجاب ، لا ، بل من معاملتها ، من أدبها مع زوجها ، من معاملتها لزوجها ، من طاعتها لزوجها ، من حفظ نفسها ، يقول هذا الدجال سابقاً : إن هذا العمل لا علاقة له بالدين إطلاقاً ، الدين ستار ، الدين أداة جذب ، و يضعوا أيضاً لفة خضراء ليست بيضاء ، هو ولي كبير ، هو أكبر دجال ، أكبر نصاب ، أكبر زان .

أنا مضطر أن أتكلم الحقيقة المرة ، أنا أريد أن يكون هذا الشريط بين أيدي كل المسلمين، لأنه يوجد دجل ما بعده دجل ، أنتم لا تعلمون واللهِ ما من أسبوع إلا ويأتيني شكوى من دجال عن دجال ، أو دجالة ، أو مشعوذ ، أو مشعوذة ، و الله يقترفون كل الكبائر ، ولهم مظهر ديني ، والناس يصدقون هذا المظهر ، " لست بالخبّ ، ولا الخبّ يخدعني " .

لا يوجد أروع من هذا الكلام ، لست من الخبث حيث أخدع ، ولا من السذاجة حيث أُخدع، هذا المؤمن ، لا يَخدع و لا يُخدع ، قال : إن هذا العمل لا علاقة له بالدين إطلاقاً ، ولا بالقرآن ، ويعترف أنه تعلم هذا السحر من شيخ هندي قابله في منطقة على الحدود التشادية النيجيرية ، وهو من أشهر الذين يدعون أنهم يعلمون الشخص الكمال ، أو ما يزعمون أنه التعامل مع الله سبحانه وتعالى ، يستخدم هؤلاء الدجالون أسماء غريبة يدعون أنها سريانية مثلاً ، خرفوش ، كلمات لا معنى لها بعيدة عن اللغة العربية ، هذه كلمات سريانية ، و هي في الحقيقة أسماء لسفهاء الجن الذين يتعاملون معهم ، وحتى يعطي هؤلاء أنفسهم هالة كبيرة يدعون أنهم في حضرة الله عز وجل ، هذا هو الدجل الذي شاع بين المسلمين ، لذلك قال عليه الصلاة و السلام : (( تركت فيكم شيئين ، إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً ، كتاب الله و سنة رسوله )) .

[الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة برقم ( 319)]

الصواب ما وافق القرآن ، والجهل والخطأ ما ناقض القرآن ، يوجد ذعر عند الناس أن فلاناً أجرى له سحراً ، ماذا قال الله عز وجل :

وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ .

[سورة البقرة : من الآية 102]

إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ .

[سورة الحجر : من الآية 42]

لكن إذا كان الإنسان غافلا عن الله عز وجل ، وكان غارقاً في الشهوات والانحرافات يصيبه سحر الساحر ، أنا لا أنكر السحر ، لا أنكر أن هناك سحراً :

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ

مِن شَرِّ مَا خَلَقَ

وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ

وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ

وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ


[سورة الفلق]

النفاثات في العقد هم السحرة ، من معاني هذه الآية أن هذه العلاقات المتينة التي أرادها الله بين أفراد الأسرة مهمة الساحر الأولى التفريق بين الزوجين ، يوهمها أنه لا يحبها ، وأنه سوف يتزوج عليها ، هي تسيء إليه ، فيبغضها ، لا تفسر بغضه لها بأنه تقصير منها ، بل تفسر بغضه لها بأنه سحر من السحرة .

الحقيقة يوجد تفاصيل كثيرة جداً في المقالة ، أنا أنقل لكم أبرز ما في هذه المقالة ، قال : كنا نتفق مع عالم الجن خاصة إذا كان صاحب الحاجة ميسور الحال نقول له : ارفع عنه المرض مدة معينة ، وبذلك نتحايل على المريض حتى يدفع الأموال ، و كانت تأتي المرأة ، وتقول : إن زوجها يريد أن يتزوج بأخرى ، نطلب منها أشياء يمليها علينا الشيطان ، مثل إحضار شعر من مناطق معينة من جسم الرجل ، أو أظفاره ، أو التراب الذي يمشي عليه ، والشيطان يقول لك : أنا عندي شرط معين ، وهو أن تكتب الكلام المقدس بشيء من النجاسة التي تخلط مع أي شيء آخر ، وتلفّ في ورقة ، و يطلب من الزوجة دفنها في المقابر ، أو في أماكن معينة ، و قد قمت بعمل سحر لكثير من البنات والأولاد ، وفعلنا الأفاعيل في هذا الموضوع .

و يقول هذا المشعوذ سابقاً : إن كثيرين يضعون أنواعاً من الأحجبة بأغراض معينة ، منها حفظ النفس من العين ، و طلقات الرصاص ، ولدغ الحشرات السامة ، و يعترف بأن هذه الأحجبة لا تنتمي إلى القرآن ، و لا إلى السنة النبوية ، و قد أثبت لك عملياً في كثير من الحالات .

هذه الأحجبة لا معنى لها إطلاقاً ، ولا تنتمي لا إلى كتاب ، و لا إلى سنة ، ولا إلى شيء آخر ، إنما هي كذب ، و دجل ، و إيهام .

و يقول هذا المشعوذ سابقاً : بعد أن عدت من ذلك العالم ، ورجعت إلى الله ، وأعلنت توبتي بدأ الشيطان يهددني ، وقد كنت ثرياً للغاية ، أملك ثماني سيارات ، وصاحب أموال طائلة ، ومرضت أنا ، وأطفالي ، حدث عن إتلاف ثروته وعن ضياع ماله ، وكان عنده مئة وثلاث وتسعون بقرة ، أيضاً هلك معظمها ، الله أدبه تأديباً شديداً جداً .

فيا أيها الإخوة ، أنا طبعاً جالس مع شريحة أظنها راقية عند الله عز وجل ، أنا لا أظن شخصاً من الإخوة الكرام يمكن أن يتعامل مع هؤلاء ، لكن أنا أعتبر كل واحد منكم سفير هذا الدين العظيم إلى من حوله ، له أقارب ثقافتهم ابتدائية ، تفكيرهم محدود ، عندهم مشكلات ، بدل أن تحلّ عن طريق الطب ، وعن طريق الصدقة تحل عن طريق هؤلاء المشعوذين ، يوجد خلافات أسرية لو أن الزوجة عرفت ربها ، و استقامت على أمره لأحبها زوجها ، بدل أن تعالج هذه القضايا الأسرية في خلال الشرع الحنيف والتوجيهات النبوية الراقية تحل عن طريق مشعوذ دجال كذاب ، وأنا أشهد الله أنه لا يمضي أسبوع إلا وينتهي إلي أن إنساناً أو إنسانين أو ثلاثة لجؤوا لهؤلاء المشعوذين لحل مشكلات متوهمة ، مع أن المشكلات تحل عن طريق التوبة النصوح ، وعن طريق تطبيق منهج الله عز وجل .

يوجد تفاصيل كثيرة في هذه المقالة ، لست معنياً بذكرها ، ولا تهمنا ، يهمنا أن هناك شريحة اجتماعية كبيرة جداً عند المسلمين ، هذه تلجأ إلى هؤلاء المشعوذين حينما تعاني من مشكلة اجتماعية ، أو مشكلة اقتصادية ، أو مشكلة عاطفية ، أو حينما تخاف من خطر داهم ، مع أن الله سبحانه و تعالى يبين في كتاب الله :

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ .

[سورة الأنبياء : من الآية 88]


إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ .

نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ .

نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ .

[سورة فصلت : الآية 30 - 32]

الله عز وجل يطمئن المؤمن ، الله عز وجل حينما قال عن سيدنا يونس :

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ .

[سورة الأنبياء : من الآية 87]

الله عز وجل يقول :

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى .

[سورة طه : من الآية 123]

قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ .

[سورة البقرة : من الآية 38]

الله عز وجل يقول :

ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ .

[سورة الأنفال : من الآية 18]

معهم بالتوفيق ، معهم بالتأييد ، معهم بالنصر ، معهم بالحفظ ، فيوجد آيات كثيرة جداً تطمئن المؤمن :

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ .

[سورة الروم : من الآية 47]

وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ.

{سورة الطور : من الآية 48]

كلام خالق الأكوان يطمئنك أيها المؤمن ، و تلجأ للسحرة والمشعوذين والدجالين والأفاكين والكذابين والمنتفعين والمتاجرين بالدين ؟ ودائماً هذا المشعوذ ذكي جداً ، لا تظنه سهلاً ، له مظهر يرضي ، تمتمات ، سبحان الله ! يا ولدي ، بارك الله بكم ، كلام ديني ، ووقار ، وهو إنسان دجال ، ونصاب من الطراز الأول ، فينبغي أن تكون على علم ، واجعل كلام سيدنا عمر شعاراً لك ، " لست بالخب ، ولا الخب يخدعني " ، وأمورك تعالج وفق الكتاب والسنة .

يقول عليه الصلاة و السلام : (( داووا مرضاكم بالصدقة )) .

[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى عن عبد الله بن مسعود برقم ( 6385) ، والطبراني في الأوسط برقم ( 1963)]

طبعاً الصدقة بعد المعالجة والأخذ بالأسباب ، تذهب إلى طبيب متفوق ، وتستعمل الدواء بدقة بالغة ، وتتصدق ، وعلى الله الباقي ، هذا موضوع المرض .

الوفاق الزوجي التوبة النصوح ، لو أن أيّ امرأة تابت إلى الله توبة نصوحًا ، وأحسنت دينها ، وعبادتها واتصالها بالله عز وجل لخلَق الله بينها وبين زوجها مودة ورحمة لا تتأثر بكل الأحداث الطارئة .

إذاً العلاج في القرآن والسنة ، لكن يوجد أيضاً فهمٌ آخر ، أن هذه السورة الفلانية هذه للوفاق الزوجي ، السورة الفلانية من أجل وجع الرأس ، أيضاً هذا دجل ، وهذا كذب ، القرآن منهج ، القرآن كتاب هداية ، القرآن ليس مسكنات ، ليس هو أدوية مسكنة للإنسان ، القرآن منهج إلهي مطبق ، يكفي أن تطبق القرآن الكريم تقطف كل ثماره .

أنا أحترم الإخوة الحاضرين أمامي ، أنا لا أصدق أن واحداً منهم يفعل هذا ، الدرس لمن إذاً ؟ الدرس لمن حولكم ، كل شخص حوله أقارب قد يكون عندهم محدودية بالتفكير ، وعندهم فهم سقيم ، ولم يطلبوا العلم من منابعه الصحيحة ، ويتأثرون بما يقال بين الناس ، فلا يوجد شخص إلا ويوجد فيمن حوله أشخاص يلجؤون لهؤلاء المشعوذين ، وما أكثرهم موزعين في كل المناطق ، والناس يدلون عليهم من دون أن يشعروا ، تقول لها : ليس لك إلا فلان ، لا تنجب أولاداً ، والله الذي لا إله إلا هو جاءتني رسالة من أخت كريمة أنه يوجد إنسان ببلد آخر غير بلدنا ، والحمد لله مشهور بمعالجة العقم ، فإذا ثبت له أن العقم من زوجها هو يزني بها ، وتنجب ولداً ليس منه ، يوجد فضائح ، يوجد معي رسائل جاءتني من أخوات كريمات رجونني أن أقول هذا في الدرس ، قريبات لهن كانوا ضحية هذا الإنسان الخداع في بلد في الجنوب ، يذهبن إليه من أجل العقم ، وهو أكبر زان ، فانتبهوا يا إخوتي ، إما تخدير ، وإما غرفة مظلمة ، وبخور ، وتمتمات , وجميعه كلام باطل ، باطل ، باطل .

هذا الذي أعرفه أنقله لكم بإخلاص وصدق من أجل ألا نكون نحن ضحية هذه الشعوذات ، والتمتمات ، والخرافات ، والضلالات ، وابتزاز الأموال ، هذا يجمع ثروات معه ملايين مملينة ، ثماني سيارات ، مئة و ثلاث و تسعون بقرة ، ست شاحنات تحمل بناً ، تجارة خاصة له ، يعيش في بحبوحة ، يوجد له زوجة طلبت منه الطلاق بعدما تاب ، لأنه كانت تأتيه فواكه من بلد إفريقي بعيد يومياً بالطائرة يأكلها مع زوجاته ، يعيش بدخل فلكي من وراء الشعوذة ، والكذب ، والدجل ، والنبي عليه الصلاة و السلام كان فقيراً ، (( أعندكم شيء ؟ قالوا : لا ، قال : فإني صائم )) .

[البخاري ، ومسلم]

أرجو الله سبحانه و تعالى أن يحمينا جميعاً من هؤلاء الدجالين ، لكن أهم شيء بالدرس أن الشيطان لا يساعد هذا الدجال إلا إذا ترك الصلاة والصيام ، وكتب القرآن بالنجس ، ودم الحيض في مكان قريب من العورة ، حتى يبدو الشيطان بهذا الذي يسمى تعاون الإنس مع الجن ، أما هو فأي علاقة مع الجن علاقة محرمة ، ومَن سحر فقد كفر ، هذا الجن صاحب دين ، لا ، لا ، موضوع التعامل مع الجن محرم قولاً واحداً .

السحر من ابشع الاعمال واشدها ضررا للنفس البشرية التى حرم الله (تعالى) ايذائها او ايقاع الالم والضر بها ..

ولهذا نهانا الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن السحر ، وعده من السبع الموبقات – اى المهلكات – التى تهلك مرتكبها فى الدنيا والاخرة .. قال (صلى الله عليه وسلم) :

((اجتنبوا السبع الموبقات ، فقالوا : يا رسول الله وماهن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التى حرم الله الا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولى يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) .. [رواه البخارى ومسلم]

وقد حذرنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الذهاب الى ساحر او عراف او كاهن ، ونهانا ان نصدقه .. قال (صلى الله عليه وسلم) :

((من اتى عرافا فسأله عن شىء لم تقبل منه صلاته اربعين ليلة )) ..

وقال (صلى الله عليه وسلم) :

((من اتى عرافا او كاهنا فصدقه بما يقول ؛ فقد كفر بما انزل على محمد )) ..

فاذا كان هذا هو الحال مع من يذهب الى الساحر وعقابه ، فما هو حالى الساحر وعقابه ؟! ان عقابه اليم فى الدنيا والاخرة ؛ فالساحر كافر يقتل فى الدنيا ، وفى الاخرة يخلد فى نار جهنم ..

قال الله (تعالى) :

{وما كفر سليما ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } ..

فمن هم ((هاروت)) و ((ماروت)) ؟!

ما هى قصتهما ، وما هى علاقتهما بالسحر ؟!

وما هى علاقة نبى الله ((سليمان)) عليه اليلام بالسحر وبـ((هاروت)) و ((ماروت)) ؟!

وما هو دور اليهود والشياطين فى ذلك ؟!


*******

فى زمن نبى الله ((سليمان)) عليه السلام كان الكهنة والعرافون يعملون بما تخبرهم به الشياطين من انباء يدعون انها من امور الغيب ..

كان الشياطين يصعدون الى السماء الدنيا ، ويسترقون السمع الى كلام الملائكة وحديثهم مع بعضهم بما سوف يحدث ويكون من امور مثل مولد فلانوموت فلان ، او عزل فلان وتاولى فلان الملك ، وبما يكون فى الارض من قحط او رخاء ، او حروب وكوارث وغيرها من الامور ..

و كان الكهنة والعرافون يعملون بما تخبرهم به الشياطين من لنباء الغيب ، ويخبرون الناس بذلك ، فيجدونه كما اخبروهم به ، فظن الكهنة والعرافون ان الشياطين يعلمون الغيب ، واعتقد الناس ان الكهنة والعرافين يعلمون الغيب ، فصدقوهم فى كل ما يقولون لهم ..

ولما رأى الشياطين ان الكهنة والعرافين يصدقونهم فى كل ما يقولونه لهم ويخبرونهم به ، وأمنوهم على ذلك ، راحوا يكذبون عليهم ، ويزيدون على ما يسمعون كلاما ، ويختلقون حوادث من عندهم .. فأخذوا يزيدون مع كل كلمة سبعين كلمة ، والكهنة والعرافون غافلون عن كذب الشياطين ، وغافلون عن كون الشياطين لا يعلمون الغيب ، وانما هم متلصصون يسترقون السمع الى احاديث الملائكة ، والغيب لا يمكن ان يعلمه الا الله وحده ..

وبمرور الوقت اخذ الكهنة والعرافون يكتبون احاديث الجن والشياطين ، ويسجلونها فى الكتب ، حتى كثرت تلك الكتب وانتشرت ..

وذاع بين بنى اسرائيل ان الجن والشياطين يعلمون الغيب ، ويتنبئون بالاحداث التى ستقع فى المستقبل ..

*******
وعلم نبى الله ((سليمان)) عليه السلام بذلك ، فغضب غضبا شديدا ، وأمر بجمع كل تلك الكتب بما فيها من ضلال واباطيل ، ووضعها فى صندوق محكم .. ثم دفنه تحت كرسى عرشه ، حتى يمنع تداولها بين الناس ، ويقضى على خرافة ان الجن والشياطين يعلمون الغيب ، ويتنبئون بالمستقبل .. وقال مهددا متوعا :

لا اسمع احدا يذكر ان الشياطين يعلمون الغيب ، ويتنبئون بالمستقبل الا ضربت عنقه ..

ولان الله (تعالى) قد سخر الجن والشياطين ل((سليمان)) عليه السلام ، يتحكم فيهم كيف يشاء ، ويسخرهم فى اشق الاعمال ، ويعاقبهم بالحبس والتقييد فى السلاسل اذا اخطئوا ، فقد كانوا يخافون منه ..

ولم يكن فى استاعة احد منهم ان يدنو من عرش ((سليمان)) عليه السلام دون ان يحترق ..

والعرافين ، وأكاذيب وافتراء الشياطين مدفونة تحت عرش ((سليمان)) عليه السلام دون ان يجرؤ أحد على استخراجها ، حتى نسى الناس امرها ..

*******

مضت سنوات وسنوات ..

ثم مات نبى الله ((سليمان)) عليه السلام ..

كان يصلى فى محرابه وهو قائم مستندا الى عصاه ..

وكان اذا دخل محرابه للصلاة لا يجرؤ احد من الانس او الجن على الدخول عليه ..

مات ((سليمان)) عليه السلام ، وهو قائم مستندا الى عصاه

ولم يعلم الجن ولا الانس موته .. ظنوه مشغولا بعبادته ..

واستمر الجن والشياطين يعملون فى الاعمال الشاقة ، التى سخرهم فيها ، وهم يرونه من بعيد ، ولا يعلمون انه ميت.

ولما شاء الله (تعالى) اكلت ((دابة الارض)) عصاة ((سليمان)) عليه السلام ، فخر ساقطا على الارض ..

هنا فقط علم الجن والشياطين انه مات ، وتبين لهم انهم لا يعلمون الغيب ، والا ما لبثوا مكبلين بالسلاسل والقيود ، وهم مستمرون فى اداء الاعمال الشاقة التى كلفهم بها ..

وعلم الناس ان الجن والشياطين كاذبون فى ادعائهم معرفة الغيب ، والاطلاع على المستقبل ..

*******

وبمرور الايام مات العلماء الذين عاصروا نبى الله ((سليمان)) عليه السلام ، وكانوا يعرفون انه نبى مرسل من الله (تعالى) ، وان الجن والشياطين كانوا مسخرين له بأمر الله (تعالى) ..

وجاء من بعدهم اقوام ضعاف الايمان من اليهود حرفوا التوراة ، وغيروا فى شرع الله ، واتهموا الانيباء بمختلف التهم ، ومنهم ((سليمان)) عليه السلام ، فاتهموه بالسحر والدجل والشعوذة ..

ولما رأى الشيطان جرأة هؤلاء اليهود ، وافتراءاتهم على انبيائهم ، تمثل لهم فى صورة إنسان ، ثم ذهب الى نفر من جهال وفساق بنى اسرائيل ، فقال لهم :

- هل ادلكم على كنز لا يفنى أبدا ؟!

فبان الجشع والطمع فى أعين اليهود ، وقالوا له :

- نعم ..

فقال الشيطان :

احفروا تحت كرسى ((سليمان)) وستجدون الكنز الذى حدثتكم عنه ..

وتوجه ((إبليس)) معهم الى مكان عرش ((سليمان)) ،

فأشار الى المكان الذى يجب أن يحفروا فيه .. ثم وقف يراقبهم من بعيد ، فقال له كبيرهم :

اقترب منا ..

فقال ((ابليس)) اللعين فى خوف :

- لا .. لا أستطيع أن أقترب من عرش ((سليمان)) حتى بعد موته ..

قال له كبيرهم :

وما يدرينا أنك لا تكذب علينا ؟!

فقال ((ابليس)) :

إن لم تجدوا الكنز الذى حدثتكم عنه فاقتلونى ..

وحفر القوم حتى وجدوا الصندوق فاستخرجوه ، وأخرجوا منه تلك الكتب التى داخله ، فلما رأوها

قالوا له :

ما هذه الكتب ، وما هذا المكتوب بداخلها ؟!

فقال ((ابليس)) اللعين :

ان نبيكم ((سليمان)) كان ساحرا ، وهذا هو سحره الذى كان يسيطر به على الانس والجن والطير .. بهذا السحر كان ((سليمان)) يسخر كل شىء ..

*******

وصدق اليهود اكذوبة الشيطان ، وافتراءه على نبى الله ((سليمان)) عليه السلام ..

وذاع بين اليهود الملاعين ان ((سليمان)) عليه السلام كان كافرا وكان ساحرا ، ولم يكن نبيا مرسلا ..

وانتشرت كتب السحر والدجل والشعوذة بين بنى اسرائيل ، فأعرضوا عن التوراة ، وهى كتاب الله السماوى ، الذى أنزل على ((موسى)) عليه السلام ..

اتبعوا كتب السحر والشعوذة وما ترويه الشياطين كذبا ، وتخبر به زورا عن ((سليمان)) عليه السلام وعن كونه ساحرا وليس نبيا مرسلا ..

واستمر ذلك زمنا حتى كثر ظهور السحرة ، وانتشر السحر بين الناس فى كل مكان .. وأخذ السحرة يدعون النبوة والقدرة على الاتيان بمعجزات الانبياء ، فصدقهم الناس واخذوا يتحدثون عن معجزاتهم ، حتى افتتنوا بهم ، واعتنقوا الكفر والباطل ، وتركوا الدين وعبادة الله (تعالى) ..

واراد الله (تعالى) أن يرد الناس عن كفرهم وضلالهم ومسايرتهم السحرة والايمانبهم ؛ فأنزل ملكين من السماء ، لتعليم الناس السحر ، حتى يتمكنوا من التفريق والتمييز بين السحر ومعجزات الانبياء ، وبالتالى يتمكنوا من الرد على السحرة ومدعى النبوة ..

*******

و((هازوت)) و ((ماروت)) هما ملكان انزلهما الله (تعالى) من السماء الى مدينة (بابل) ب ((العراق)) ..

وقد أذن الله (تعالى)لهما فى تعليم الناس السحر اختبارا من الله (تعالى) وابتلاء لعباده وامتحانا لهم ؛ ليميز المؤمن منهم من الكافر بعد ان فشا السحر فى ذلك الزمان ، وانتشر أذاه بين الناس ..

فقد امر الله (تعالى) الملكين ((هاروت)) و((ماروت)) ان يبينا للناس ان السحر كفر ، وتعلمه كفر ، وان الساحر كافر ..

كما امرهما ان يقولا لكل من يأتيهما لتعليم السحر ان يقولا له :

{انما نحن فتنة فلا تكفر } ..

وقد امتثل ((هاروت)) و((ماروت)) امر ربهما ، واخذ يبينان للناس خطر السحر وضرره ، وانه كفر نهى الله (تعالى) عنه على السنة رسله ، وان ما يقومان بتعليمه للناس هو فتنة واختبار من الله (تعالى) لعباده ؛ حتى يتبين الصالح من الطالح ، والمؤمن من الكافر ..

وكان اذا جاء الرجل الى ((هاروت)) و((ماروت)) ليتعلم منهما السحر نهياه عن ذلك ، وقالا له :

لقد ارسلنا الله (تعالى) الى الارض فتنة وامتحانا ، وابتلاء واختبارا ، فلا تتعلم السحر حتى لا تكفر ..

فإن كان ذلك الرجل مصرا على موقفه من تعلم السحر قالا له ناصحين :

- السحر كله شر وكفر ، ونحن ننصحك بالابتعاد عنه ،حتى تنجو بدينك ونفسك ..

فإن اصر على تعليم السحر يكونان قد اقاما الحجة عليه ، ويكون هو قد اختار طريق الكفر والضلال والهلاك بنفسه ، وبمحض ارادته واختياره ..

وان رفض تعلم السحر بعد ان تبين خطره وشره وضلاله ، يكون قد فاز بالايمان ، ونجا من الكفر والضلال ، بتركه تعلم السحر ..

*******

وان اصر على تعلم السحر من ((هاروت)) و((ماروت)) بعد ان بينا شره وضرره ، قالا له :

- اذهب الى مكان كذا وكذا ..

فيذهب الرجل الى المكان الذى امراه بالذهاب اليه ..

وهناك يجد مفاجأة .. يجد الشيطان فى ذلك المكان ،

فيعلمه الشيطان السحر ..

فإذا تعلم ذلك الشخص السحر حدث فيه تغير سريع يراه بنفسه فى الحال ..

فيرى ذلك الشخص نور الايمان الذى كان يملاء كيانه ويضىء روحه ، يراه وهو يخرج منه ..

فينظر ذلك الشخص فى السماء ، ويرى النور ، الذى خرج منه ، وهو يبعد عنه ..

ويرى بدلا منه سوادا يحيط به ، ويملأ روحه وكيانه على هيئة دخان أسود ، هو ظلال الكفر ..

فإذا رأى ذلك الشخص ما حدث له من تحول من النور الى الظلام ، وتبدل من الايمان الى الكفر ، قال فى ندم متحسرا على ما ضيع من الايمان :

واحسرتاه .. واويلاه .. ماذا صنعت بنفسى ؟!

كيف خرجت من النور الى الظلام ، ومن الهدى الى الضلال ، ومن الايمان الى الكفر ؟! واهلاكاه .. واضيعتاه .. واحسرتاه .. واويلاه ..

فإذا رجع الى الملكين ((هاروت)) و((ماروت)) وهو على هذه الحال ، قالا له :

لقد نصحناك .. لقد وعظناك .. لقد بينا لك الفارق بين الطريقين ، لكنك كنت مصرا على اختيار طريق السحر والكفر على الايمان والهداية ..

*******

والسحر الذى تعلمه الناس من الملكين ((هاروت)) و((ماروت)) كثير وفنونه متنوعة ..

فمنه ما يكون سببا فى ايقاع الضرر والمرض بالناس ، ومنه ما يكون سببا فى ايقاع العداوة والبغضاء والمشاحنة بين الاخواخيه ، والابن وابيه ، والصديق وصديقه ، وبين الزوجة وزوجها ، والتفريق بينهما ، برغم اواصر الود والالفة والمودة والحب والرحمة التى تجمع بينهما .. وهذا النوع من سحر البغض والتفريق من اشد انواع السحر اذى وايلاما ، واكثرها انتشارا ، واكثرها سعادة وانتصار للشيطان واعوانه من الانس والجن ..

روى الامام ((مسلم)) فى صحيحه عن (جابر بن عبد الله ) ، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :

(ان الشيطان ليضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه فى الناس ، فأقربهم عنده منزلة اعظمهم عنده فتنة .. يجىء احدهم فيقول : ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا و كذا ، فيقول ابليس : ما صنعت شيئا ، ويجىء احدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين اهله ، فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول : نعم انت ) ..

*******

ولكن لا يظن احد ان شيئا يمكن ان يقع فى هذا الكون سواء كان هذا الشىء كبيرا ام صغيرا ، خطيرا ام حقيرا ، الا بأذن الله (تبارك وتعالى) ..

فالساحر يعمل عمله ، ويسحر سحره ..

والسحر هو مجرد سبب ..

ولكن القادر على النفع والضر هو الله وحده ..

لا احد من الانس اة الجن او اى كائن قادر على ان ينفع احدا او يضره الا بإذن الله (تعالى) ؛ لانه هو وحده الضار النافع ..

كذلك السحر ، الذى يكون سببا فى ايقاع الضرر او النفع بعباد الله ، لا يمكن ان يعمل عمله ، او يحدث اثره الا بأذن الله وحده ، ولحكمة عليا قد تكون غائبة عنا ، ولا يعلمها الا هو جل شأنه ..

فلو اجتمعت الانس والجن وكل الخلق ، وتعاونوا جميعا على ان يضروا شخصا أو ينفعوه الا بشىء قد كتبه الله (تعالى عليه ، ولم ينفعوه الا بشىء قد كتبه الله (تعالى) له :

فمن شاء الله (تعالى) له ضرا سلط السحرة عليه ليضروه بشىء كتبه عليه ، ومن لم يشأ .. منع اذاهم عنه ، ولم يسلطهم عليه ..

*******

وسبب ذكر قصة ((هاروت)) و((ماروت)) فى القرآن الكريم ؛ أن يهود المدينة ، كانوا لا يسألون النبى ((محمدا)) صلى الله عليه وسلم عن شىء من التوراة ، الا اجابهم عنه ، فسألوه عن السحر ، فأنزل الله (تعالى) هذه القصة ..

وقال بعضهم انه لما ذكر نبى الله ((سليمان)) عليه السلام فى القرآن ،

قالت يهود المدينة :

- الا تعجبون ل(محمد)يزعم ان ابن ((داود)) كان نبيا؟!

والله ما كان الا ساحرا ..

وقد اختار اليهود الاشتغال بالسحر ، واستبدلوه بكتاب الله وآياته المنزلة فى القرآن والتوراة ، وصدق القرآن المنزل عليه من رب العالمين .. ولبئس البديل الذى اختاروه وفضلوه على الايمان وهو السحر .. ولو انهم آمنوا واتقوا ، لكان خيرا لم ..

وقد وردت قصة (هارت) و(ماروت) فى سورة البقرة

قال الله (تعالى) :

{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}

[سورة البقرة : الاية 102]

و الحمد لله رب العالمين