عندما كنت أنا وصاحبتي قُبيل الفجر نبحث عن منطقة شبه فارغة ، يسرَّ الله لنا مكان يطل على الكعبة المشرَّفة .. ومن المعقول أن لا تكون المنطقة خالية .. وبعد مضي بعض من الوقت وإذا هناك من يبحث عن بقعة هادئة .. كان الأمر عادي، وكلٌ منشغل بحاله .. في نفس المكان حصل حدث لفت انتباه الجميع .. لكن ليس هذا هو المهم...
لقد وقعت عيني على تلك الدموع المتأثرة .. دموع في أثناء الصلاة .. دموع في أثناء المناجاة .. دموع عن تلاوة كتاب الله .. دموع عند التأمل في بيت الله.. لقد هزَّ بدني .. إنها دموع متأثرة .. وفي نفسي هل هي دموع تائبة ؟! .. أم دموع متألمة؟! .. أم دموع مفارقة؟! ... لا أعلم .. لكني أريد المعاونة والمناصرة دون أن أعلم ما بها ، فحدثتني نفسي بالدعاء .. حتى نسيت نفسي وما من أجله أردت البقاء .. حتى لوحِظ مِنَّا علامات الانتباه .. وبعد ظهور الضياء .. نامت تلك العيون الباكية .. وذهبت صاحبتي وبقيت في وحدتي .. وكثير من الأمور تشغلني .. ونفسي تحدثني .. وساعات الرحيل تدركني ، ولم أنجز الوعد الذي واعدت به محبتي .. فما كان لي إلا أن سألت الله الإعانة ، ثم دعوت بدعاء الاستخارة .. وكان في داخلي يقين بحسن البشارة .. بعد أن استيقظت تلك العيون ،، رأتني في مكاني ومعي أحد الأجانب من المَّارة .. ذَهَبَتْ وكنت أود مجيئها .. تأخرت ولبعد الطريق عذرتها .. هاهي أتت وقد أحسنت وضوئها .. صلَّت ثم أخذت كتاب ربها .. وقد عادت على منوالها .. فهي لا تزال في بكائها .. إنها الساعة 9.30 أود العودة لأمي وأطمئنها .. وآخذ لنفي بعض اللقيمات التي تسد جوعها .. وقبل أن أغادر تحرَّجت في الاقتراب منها .. كنت مرتبكة، لكن عزائي أنني لله مستخيرة وداعيه .. شرب ماء زمزم لكي أكون هادئة .. فسهّل الله لي المسير إليها .. وألقيت السلام عليها .. ثم قدَّمت مصحفي الخاص هدية بين يديها .. ولم أدع مجالاً لأي نوع من الحوار .. ثم غادرتُ المكان .. لقد قدمت لتلك الدموع هدية غالية علَّها أن تكون أثرة باقية .. (مع العلم أن تلك الهدية لم تكن تحمل أي نوع من العلامة أو أي شيء من الكتابة).. خرجت للأسباب التي ذكرتها .. وعندما وصلت إلى الشقة لم تجد نفسي مرادها .. كان الجميع نيام، والمطبخ خالٍ من الطعام .. ولم أجد حل سوى أن أنام .. مضت ساعة وربع من الوقت فقمتُ من نومي فزعة .. إنها الساعة 11.15 إنه وقت الصلاة .. لقد فاتتني ساعة التبكير إلى صلاة الجمعة .. أمر آخر بقي أربعــ4ــة أجزاء من الختمة لم أنهيها ، والرحيل بعد الساعة الثانية ظهراً ..
يالله كيف أصبحت الدنيا تدور بي .. فتذكرت قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:"استعن بالله ولا تعجز".."اعقلها وتوكل على الله".. نعم ، سأبذل قصارى جهدي .. فلن تسير الأمور إلاَّ كما يشاء ربي..
دخلت المسجد .. ذهبت لأعلى قاصدة مكاني الذي غادرته .. ما إن وصلت إلاَّ والمشرفات يغيرن موقع النساء إلى موقع آخر .. وفي الطريق رأيت تلك الدموع المتأثرة .. تعمدت أن أمرَّ من أمامها وألقي السلام عليها .. ابتسمت لي أي أنها عرفتني ..
أكملت طريقي وفي داخلي حزن وأسى لم يبقى سوى بضع سويعات .. جمعت نفسي وجعلت اتمام الختمة هي همي .. فما كانت إلاَّ هي بركة المكان، وبركة الزمان، ومِنّة الكريم الرحمن .. وانتهيت من الختمة قُبيل الساعة الثانيـ2ــة ظهراً ، أي قبل ساعة الرحيل ..
لم أتمالك نفسي إلاَّ واسجد سجود شكر للمولى سبحانه، ثم هيأ لي الرحمن أن أصلي ركعتين ادعي فيها دعاء ختم للقرآن..
لم تتمالك نفسها دموعي المتأثرة إلاَّ وأن تتحدر من مقلتي ، لا أعلم هل أنا في نعمة فاسعد بها؟!.. أم أني في عطايا مستدرجة؟!.. فلم تزدني تلك الدموع إلاَّ تأثرا .. فتارة أبكي فرحاً، وتارة أبكي خوفاً ووجلا .
الروابط المفضلة