كما تكون لعباد الله يكون الله لك

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

في الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما يرحم الله من عباده الرحماء » [رواه البخاري]

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ من رحم الخلق رحمه الخالق قال صلى الله عليه وسلم « الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » رواه الترمذي

الجزاء من جنس العمل ، يعامل الله عبده كما يعامل العبد عباده ، فعامل عبد الله بما تحب أن يعاملك الله به { وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم } [التغابن : 14] { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } [النور : 22]

احرص على تخفيف الشدائد عن الناس ليخفف الله عنك ، قال صلى الله عليه وسلم « من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة » رواه البخاري ، وقال صلى الله عليه وسلم « من نجى مكروباً فك الله عنه كربة من كرب يوم القيامة » رواه أحمد

أعن الناس على حوائجهم تجد العون من الله ، قال صلى الله عليه وسلم « الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه » وقال صلى الله عليه وسلم « من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته » رواه مسلم

كن للمعسر ميسراً ، ييسر الله عليك قال صلى الله عليه وسلم « من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة » رواه مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام « كان فيمن كان قبلكم تاجر يداين الناس ، فإن رأى معسراً قال لفتيانه : تجاوزوا عنه ، لعل الله يتجاوز عنا ، فتجاوز الله عنه » رواه البخاري

ارفق بعباد الله تشملك دعوة النبي صلى الله عليه وسلم « اللهم من رفق بأمتي فارفق به ، ومن شق عليهم فشق عليه » رواه أحمد ، وقال صلى الله عليه وسلم « إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف » رواه مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام « من يحرم الرفق يحرم الخير » رواه مسلم .

استر على الناس يستر الله عليك قال صلى الله عليه وسلم « من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة » رواه مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام « من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة » رواه ابن ماجة

أقل عثرة أخيك ، يقل الله عثرتك قال صلى الله عليه وسلم « من أقال مسلماً أقال الله عثرته » رواه أبو داود .

أطعم المسلمين يطعمك الله ، قال صلى الله عليه وسلم « أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة » رواه الترمذي

اسق المسلمين يسقك الله ، قال صلى الله عليه وسلم « أيما مؤمن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم » رواه الترمذي

اكس المسلمين يكسك الله قال صلى الله عليه وسلم « أيما مؤمن كسا ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة » رواه الترمذي ، فكما تكون لعباد الله ، يكون الله لك ، فاختر لنفسك الحالة التي تريد أن يعاملك الله جل وعلا بها ، فعامل عباده بذلك تجد جزاءه .

احذر أن تعذب الناس فيعذبك الله ، قال صلى الله عليه وسلم « إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا » رواه مسلم ، قال عز وجل { وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب } [البقرة:49] { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } [غافر:46]

إياك والمشقة على عباد الله تصيبك دعوة النبي صلى الله عليه وسلم « اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به » رواه مسلم

لا تؤذ المسلمين بتتبع عوراتهم ، قال صلى الله عليه وسلم « من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله » رواه الترمذي ، « ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته » رواه ابن ماجة

لاتمسك رحمتك عن الناس فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من لايرحم الناس لايرحمه الله عز وجل » رواه مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام « لاتنزع الرحمة إلا من شقي » رواه الترمذي

فمهما عاملت العباد بأمر ، وجدته عند رب العباد جزاء وفاقاً .

قال ابن القيم رحمه الله :
إنّ الله كريم يحب الكريم من عباده ، وعالم يحب العلماء ، وقادر يحب الشجعان ، وجميل يحب الجمال ، وهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء ، وإنما يرحم من عباده الرحماء ، وهو ستير يحب من يستر على عباده ، وعفو يحب من يعفو عنهم ، وغفور يحب من يغفر لهم ، ولطيف يحب اللطيف من عباده ، ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظر ي الجواظ ، ورفيق يحب الرفق ، وحليم يحب الحلم ، وبر يحب البر وأهله ، وعدل يحب العدل ، وقابل المعاذير يحب من يقبل معاذير عباده .

ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجوداً وعدماً ، فمن عفا عفا عنه ، ومن غفر غفر له ، ومن سامح سامحه ، ومن حاقق حاققه ، ومن رفق بعباده رفق به ، ومن رحم خلقه رحمه ، ومن أحسن إليهم أحسن إليه ، ومن جاد عليهم جاد عليه ، ومن نفعهم نفعه ، ومن سترهم ستره ، ومن صفح عنهم صفح عنه ، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته ، ومن هتكهم هتكه وفضحه ، ومن منعهم خيره منعه خيره ، ومن شاق الله شاق الله تعالى به ، ومن مكر مكر به ، ومن خادع خادعه .

ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة ، فالله تعالى لعبده على حسب مايكون العبد لخلقه .

فكما تدين تدان ، وكن كيف شئت فإن الله تعالى لك كما تكون أنت له ولعباده .

فاحرص وفقك الله على نفع عباد الله ، امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل » رواه مسلم

وأحسن إليهم ، إن الله يحب المحسنين .

كن هيناً لهم ليناً ، سهلاً فقد قال صلى الله عليه وسلم « حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس » رواه أحمد

اعف عنهم ، واصفح ، وسامح ، واغفر ، عسى الله أن يعفو عنك ، ويغفر لك ، إن الله لايضيع أجر من أحسن عملا .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


قبول الأعذار
أما قبول العذر، فحتى يصل إنسان إليه لابد أن يستوعب كلام الله تعالى في آياته الكريمة، فهذا يعبّد الطريق ويقصّر المسافة، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وإن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم)، كما أن حالة العفو وقبول العذر مرتبطة بالعفو الإلهي، كما في قوله تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)، هذا وبالنظر إلى الفوائد الاجتماعية لقبول العذر تتعزز أهمية أن يتعود الإنسان ممارسة قبول أعذار الآخرين، فإنه إن لم يقبل العذر سيتسبب ذلك بتضييق دائرة الأصدقاء والمعارف، فمن يقبل العذر سيستمتع بلا شك بإخاء أكبر عدد من الأخوان، كما أن قبول العذر يسبغ على صاحبه عزة واحترام من الناس، ففي قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "من عفى عن مظلمة أبدله الله عزّاً في الدنيا والآخرة".



خطورة الهجر والقطيعة والشحناء والإختلاف
وأهمية الصلح والإصلاح والألفة والإتلاف

بسم الله والحمد لله وحده وبه نستعين وصل اللهم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعه إلى يوم الدين. أما بعد ,
فإنَّ الإسـلام تميزَ بخصائص كثيرة منها : الحرص على تنمية العلاقة الإيمانية بين المسلمين قال تعالى { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} والهجر والقطيعة كبيرة من كبائر الذنوب فأحببت أن أذكر نفسي وجميع المسلمين أنَّ النبي صل الله عليه وسلم قال { لا يحل لمسلم أنْ يهجرَ أخاه فوق ثـلاثة أيـام يلقاه هذا فيعرض عنه وأيهما بدأ بالسلام سبق إلى الجنة } وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صل الله عليه وسلم قال { تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال. أنظروا هذين حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا } فإنَّ المسلم لا يبغض أخاه ولا يحـسـده ولا يـقـاطـعـه بل هـو أخ لكل مسلم . إذا تألم , يتألم لألمه , وإذا فرح , يفرح بفرحه , يـغـض الطرف عن الـزلات والـهـفـوات , فورد في الحديث { من هجر أخـاه سـنـة فهو كسفك دمه } وسلامة القلب والصدر وحب الخير للناس أمره عظيم فقال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا . واذكروا نعمة الله عليكم إذْ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } وقال تعالى { فاتقوا الله وأصلحوا ذاتَ بينكم } قال تعالى { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } قال تعالى { فاعف عنهم واصفح إنَّ الله يـحـب الـمـحـسـنـين } قال تعالى { ولا تـنـازعـوا فـتـفـشـلـوا وتـذهـب ريـحـكم } قال الله تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } قال الله تعالى { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك إبتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } قال الرسـول صل الله عليه وسلم {التوبـة تجب ما قبلها} وقال الرسـول صل الله عليه وسلم { التائـب من الـذنـب كمن لا ذنب له }
فأبشر بالـخير يا أخي المصلح بالأجـر العظيم من الله الكريم إنْ صلحت النية وأخلصت العمل لله تعالى متبعاً منهج الـرسـول صل الله عليه وسلم وصحـبـه الكرام رضي الله عنهم والسلف الصالح رحمهم الله فـسـوف نصلح جميع أمورك إن شـاء الله تعالى .. والله سـبحانه وتعالى أعلم .
أسـأل الله الكريم الرحيم أنْ يهدينا جميعاً إلى صـراطـه المستقيم وأنْ تصلح نياتنا وأعمالنا وأقوالنا وإعتقادنا وأحوالنا وأخلاقنا وأهلينا وذرياتنا , مع عفو وعافية , كما أسـأله أن ينفعني وإياكم بما نسمع ونقول وأن يرزقنا العلم النافع والـتـسامـح والحـلـم والأنـاة لنطرد به الجهل والغضب .

العفو أم الانتصار
قال الففضيل بن عياض :
إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلاً فقل : ياأخي اعف عنه , فإن العفو أقرب للتقوى . فإن قال : لايحتمل قلبي العفو ولكن انتصر كما أمرني الله – عز وجل – فقل له : إن كنت تحسن أن تنتصر ( أي إذا أحسنت الإنتصار ولم تتجاوز به الحد فافعل ) وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب واسع , وإنه من عفا وأصلح فأجره على الله , وصاحب العفو ينام على فراشه في الليل , وصاحب الإنتصار يقلب الأمور ( أي يفكر كيف سينتصر لنفسه , أي أسلوب يتبع , وأي طريق يسلك , هل يقول له كذا , أم يفعل كذا , وبالطبع فإن مثل هذا سيؤرقه فلا ينام )


نماذج نقتدي بها

طلب أحد الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بماء، وكان الماء ساخنًا جدًّا، فوقع من يد الخادم على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقْتَني، وأراد أن يعاقبه، فقال الخادم: يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله -تعالى-. قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟!
قال الخادم: لقد قال تعالى: {والكاظمين الغيظ}.
قال الرجل: كظمتُ غيظي.
قال الخادم: {والعافين عن الناس}.
قال الرجل: عفوتُ عنك.
قال الخادم: {والله يحب المحسنين}. قال الرجل: أنت حُرٌّ لوجه الله.
*حكى لنا القرآن الكريم مثالا رائعًا في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- مع إخوته، بعد أن حسدوه لمحبة أبيه له، فألقوه في البئر ليتخلصوا منه، وتمرُّ الأيام ويهب الله ليوسف -عليه السلام- الملك والحكم، ويصبح له القوة والسلطان بعد أن صار وزيرًا لملك مصر.
وجاء إليه أخوته ودخلوا عليه يطلبون منه الحبوب والطعام لقومهم، ولم يعرفوه في بداية الأمر، ولكن يوسف عرفهم ولم يكشف لهم عن نفسه، وترددوا عليه أكثر من مرة، وفي النهاية عرَّفهم يوسف بنفسه، فتذكروا ما كان منهم نحوه، فخافوا أن يبطش بهم، وينتقم منهم؛ لما صنعوا به وهو صغير، لكنه قابلهم بالعفو الحسن والصفح الجميل، وقال لهم: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.
*كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في ظل شجرة، فإذا برجل من الكفار يهجم عليه، وهو ماسك بسيفه ويوقظه، ويقول: يا محمد، من يمنعك مني. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ثبات وهدوء: (الله).
فاضطرب الرجل وارتجف، وسقط السيف من يده، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم السيف، وقال للرجل: (ومن يمنعك مني؟).
فقال الرجل: كن خير آخذ. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه. [متفق عليه].
*وضعت امرأة يهودية السم في شاة مشوية، وجاءت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقدمتها له هو وأصحابه على سبيل الهدية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الهدية، لكن الله -سبحانه- عصم نبيه وحماه، فأخبره بالحقيقة.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار هذه اليهودية، وسألها: (لم فعلتِ ذلك؟
فقالت: أردتُ قتلك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الله ليسلطكِ علي).
وأراد الصحابة أن يقتلوها، وقالوا: أفلا نقتلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا)، وعفا عنها. [متفق عليه].
*ذات يوم، أراد مَعْنُ بن زائــدة أن يقتل مجموعة من الأسـرى كانوا عنده؛ فقال له أحدهم: نحن أسراك، وبنا جوع وعطش، فلا تجمع علينا الجوع والعطش والقتل. فقال معن: أطعمـوهم واسقوهم. فلما أكلوا وشربوا، قـال أحدهم: لقد أكلنا وشربنا، فأصبحنا مثل ضيوفك، فماذا تفعل بضيوفك؟!
فقـال لهم: قد عفوتُ عنكم.
*ما هو العفو؟
العفو هو التجاوز عن الذنب والخطأ، وترك العقاب عليه.
عفو الله -عز وجل-:
الله -سبحانه- يعفو عن ذنوب التائبين، ويغفر لهم، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني) [الترمذي].
عفو الرسول صلى الله عليه وسلم:
تحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقول: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله. [مسلم].
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء -صلوات الله وتسليماته عليهم- ضربه قومه، فأَدْمَوْه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (رب اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون) [متفق عليه].
وقد قيل للنبي: ( ادْعُ على المشركين، فقال: (إني لم أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنما بعثتُ رحمة) [مسلم].
ويتجلى عفو الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكن أهلها رفضوا دعوته، وسلَّطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يؤذونه صلى الله عليه وسلم هو ورفيقه زيد بن حارثة، ويقذفونهما بالحجارة حتى سال الدم من قدم النبي صلى الله عليه وسلم.
فنزل جبريل -عليه السلام- ومعه ملك الجبال، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في هدم الجبال على هؤلاء المشركين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم، وقال لملك الجبال: (لا بل أرجو أن يُخْرِجُ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].
وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصرًا، جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد، والمشركون ينظرون إليه، وقلوبهم مرتجفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصًا عما صنعوا به وبأصحابه. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟).
قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
[سيرة ابن هشام].
فضل العفو:
قال تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} [التغابن: 14].
وقال تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور: 22].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله -عز وجل- على رُءُوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء).
[أبو داود والترمذي وابن ماجه].
وليعلم المسلم أنه بعفوه سوف يكتسب العزة من الله، وسوف يحترمه الجميع، ويعود إليه المسيء معتذرًا.
يقول تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نَقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزَّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم].


رجل من اهل الجنةكلنا يسعى لكسب رضى الله ونيل الجنة .. لا أظن أن عاقلا يختلف
معي في ذلك .. إلا أن طرقنا تختلف ..
فمنا من يكثر من قيام الليل ومنا من يكثر من الصدقات
ومنا من ومن ومن .. فلكل أعماله التي تميزه عن غيره
ولكن دعونا نتأمل هذه القصة :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا جلوسا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال :
يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة
فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه
بيده الشمال .. فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك
فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ..
فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا
فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول !!
تمنى الصحابة لو كانوا مثل هذا الرجل .. وتشوقوا لمعرفة عمله الذي
جعله من أهل الجنة .. وأظن أننا نود معرفة ذلك أيضا ..
حسنا .. لنكمل القصة إذا :
قرر عبد الله بن عمرو محاولة اكتشاف هذا العمل .. فذهب
هذا الصحابي للرجل وطلب منه أن يظل عنده لبضعة أيام بحجة أن
هناك خصومة قد وقعت بينه وبين أبيه .. فوافق الرجل ..
وفي هذه الأيام كان الصحابي يراقب الرجل في كل تصرفاته
فلم يجده كثير صيام ولا كثير قيام .. فلقد كان ينام الليل ويفطر النهار
فاحتار الصحابي في أمره .. فما العمل الذي جعله من أهل الجنة ...
لقد راقب هذا الصحابي فعل الجوارح .. إلا أنه لم يطلع على القلوب ..
فعلمها عند مقلب القلوب .. وقد تكون أعمال القلوب أحيانا أعظم
من أعمال الجوارح ..
قرر الصحابي أن يروي القصة كاملة للرجل ليعرف منه العمل العظيم
الذي يقوم به .. فقال له :
يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ..
ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات
يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات ..
فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك .. فلم أرك عملت كبير
عمل .. فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال الرجل :
" ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من
المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه "
فأعلنها ابن عمرو صريحة مدوية :
هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق !!
ياله من عمل صعب .. أيعقل أن لا يحمل الرجل على أي مسلم من المسلمين
ذرة من غضب أو غل .. إنه فعلا عمل عظيم ..
تأمل حاله صلى الله عليه وسلم حين ضربه قومه فأدموه فمسح الدم
وهو يقول :
" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون "
وقصة النبي يوسف عليه السلام مع إخوته نموذج رائع لسلامة
الصدر فبعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن
إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر
فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا :
( تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين )
فما كان منه إلا أن قَال :
( لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين )
ثم تأمل معي موقف أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع مسطح بن أثاثة
إذ كان الصديق ينفق على مسطح فلما كانت حادثة الإفك كان مسطح
ممن خاضوا فيها فأقسم الصديق ألا ينفق على مسطح فأنزل الله قوله تعالى :
( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين
والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله
لكم والله غفور رحيم )
فما كان من الصديق إلا أن أعاد النفقة على مسطح ..
وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته وهو قائد الجيش
يأتيه خبر عزل الفاروق له فما تكلم بما يدل على سخطه ولاترك ساحات
القتال بل ظل مجاهدا كجندي من جند المسلمين بعد أن كان قائدهم ..
ثم استمع إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو يقول :
" إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدا من بلدان المسلمين
فأفرح به ومالي به سائمة " ..
أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دخلوا عليه وهو مريض فرأوا وجهه
يتهلل بالنور فكلموه في ذلك فقال :
" ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين :
كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني .. والأخرى كان قلبي سليما للمسلمين"
أماعُلبة بن زيد فإنه لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة
ولم يجد ما ينفقه بكى وقال :
" اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به .. اللهم إني أتصدق على
كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض "
ثم أصبح مع الناس .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
أين المتصدق بعرضه البارحة ؟
فقام عُلبة رضي الله عنه .. فقال : النبي صلى الله عليه وسلم :
" أبشر فوالذي نفس محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة "
وانظر إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يُضرب ويعذب على
يد المعتصم .. وحين أخذوه لمعالجته بعد وفاة المعتصم وأحس
بألم في جسده قال :
" اللهم اغفر للمعتصم "
سبحان الله !! يستغفر لمن كان سببا في ألمه .. إنه منطق عظيم لا تعرفه
إلا الصدور التي حملت قلوبا كبيرة عنوانها : سلامة الصدر...
فهلا سلمت صدورنا للمسلمين وصفت ؟
عن أبي مالك الأشعري أنه قال : لما قضى رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم صلاته أقبل علينا بوجهه فقال :
" ياأيها الناس اسمعوا واعقلوا.. إن لله عزوجل عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء ..
يغبطهم الأنبياء والشهداء على منازلهم وقربهم من الله "..
فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال :
يا رسول الله .. ناس من المؤمنين ليسوا بأنبياء ولا شهداء .. يغبطهم الأنبياء
والشهداء على مجالسهم وقربهم .. انعتهم لنا ..
فسر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسؤال الأعرابي فقال :
" هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل .. لم تصل بينهم أرحام متقاربة ..
تحابوا في الله وتصافوا .. يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم
عليها فيجعل وجوههم نورا وثيابهم نور.. يفزع الناس يوم القيامة
ولا يفزعون .. وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "
رواه الإمام أحمد والطبراني
فمتى نطهر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة
الأبرار الصالحين .. ونفوز بالقرب من رب العالمين ؟!!
أسأل الله أن ييسر هذا العمل علينا
اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا .. اللهم آمين ..



أحبائي في الله......

هل أنتم مستعدون؟؟؟؟؟

هل لديكم الرغبة؟؟؟؟؟

هل تحبون روح التحدي والإصرار...؟؟؟

*

*

*

*

*

*

*

*

*

*

تعالوا معي..... لنجلس الآن...في هذه اللحظة....

ونتذكر كل الأشخاص الذين جرحونا في يوم من الأيام....

تعالوا نستجمع قوانا لنكون مستعدين
للصفح عنهم ومسامحتهم
....

دعونا نتذكرهم بسرعة....ونتخيلهم أمامنا واحداً تلو الأخر...ونقول له...:

قد سامحتك......لا... المسامحة
تعني أنك نسيت الإساءة ولكنك لم ترضى....

دعنا نقول له: عفوت عنك
...
وقلبي لا يحمل عليك حقداً....!!

يا الله ما أروع هذا الشعور!!!

ما أجمل أن تضع يديك على قلبك فتسمع دقاته بوضوح...لأنه لم يعد مثقلاّ بالهموم.....!!!

ما أعذب إنسانيتك إن وجدت نفسك تعفو عن أناس سببوا لك أذاً كبيراً.....

أن تحتضنهم إن هم جاؤوا إليك متوسلين...والدموع تنهمر على خدودهم ويصرخون :

سامحنا...اعف عنا....تقبل عذرنا......!!!

ما أنبل أخلاقك إن كنت كذلك...!!!



وصدق الله العظيم حين قال:

( وليعفوا وليصفحوا...ألا تحبون أن يغفر الله لكم)

*

*

*

*

*

*

فلتبدأ الآن....وجزاك الله تعالى كل الخير......