الحـــــــــج فرصـــــــــة للشبـــــــــــــــاب
إعداد / القسم العلمي بمدار الوطن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
هـــــــا هي نسمات الحج تهب علينا محملة بعبير الرحمة وشذا المغفرة ورحيق العتق من النار .
ها هو موسم الحج يعود إلينا فيجدد العهد بقوله تعالى : {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ }( الحج 27 ـ 28 ) .
ها هو موسم الحج تقترب أيامه فتهفو إليه قلوب أهل الإيمان , وتضطرب أفئدتهم , ولا يقر لهم قرار حتى ينتظموا في ركب الحجيج , طامعين في العفو والمغفرة وإجابة الدعاء وحصول المأمول . . .
وحديثي هذا سوف أخصصه لأوسع فئة من فئات المجتمع , وأكثرها أهمية وخطراً , ألا وهي فئة الشباب .
لماذا هذا التخصيص ؟
لأن كثيراً من الشباب لا يعلمون الفوائد والفرص التي يمكن أن يغتنموها من هذه الشعيرة العظيمة , ولو علموا ذلك لبادروا إلى الحج , ولبذلوا في سبيله كل غالٍ ونفيس , ومن هنا نقول : " الحج فرصة للشباب " .
الحج فرصة للتوبة
فالحج فرصة للتوبة , والإنابة , و الانطراح بين يدي الله عز وجل فقد ذكر العلماء أن من آداب الحج التوبة الصادقة من كل المعاصي والذنوب , والندم على ما سلف منها , والعزم على عدم العودة إلى شيء منها , والتوبة واجبة دائماً على العموم في كل وقت , إلا أنها متأكدة قبل السفر إلى الحج , وهذه التوبة تحتاج إلى بيئة صالحة ترعاها وتسقيها حتى لا يرجع صاحبها ـ بسبب البيئة الفاسدة ـ إلى ما كان عليه من ذنوب ومخالفات , يدل على ذلك حديث الرجل الذي قتل مائة نفس وأراد أن يتوب , فسأل عن أعلم أهل الأرض فقال له : " ومن يحول بينك وبين التوبة , اذهب إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى , فاعبد الله معهم " ( متفق عليه ) وهذا يدل على أن البيئة الصالحة لها دور مهم في رعاية التائب وحمايته من العودة إلى الانحراف , ومن هنا كان الحج فرصة لكل شاب تائب , لأنه يوفر له البيئة الصالحة والجو الإيماني الذي يحبب إليه الإيمان والأعمال الصالحة , ويكره إليه ما هو ضد ذلك من الأعمال والاعتقادات الخبيثة , ويملأ صدره نوراً وهداية وخشية , فيجلس الشاب في هذه البيئة الصالحة أسبوعاً كاملاً إن كان من أهل هذه البلاد وما جاورها وقد يستمر جلوسه شهراً أو شهرين إن كان من أهل البلاد البعيدة , فتستقر التوبة في نفسه , ويكره أن يعود في المعاصي كما يكره أن يقذف في النار .
الحج فرصة للابتعاد عن صحبة الأشرار
صحبة الأشرار ضررها عظيم , وخطرها جسيم , لأن الأشرار يزيِّفون المحرمات , ويحسنون الموبقات , ويقتلون كل نبتة صالحة فيمن يصاحبونه فكلما هم بالتوبة ثبطوه , وكلما عرضت له الإنابة أغووه وفتنوه , حتى يصير واحداً منهم .
قال ابن حبان : " وصحبه الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار , ومن خادن الأشرار لم يسلمْ من الدخول في جملتهم " .
وكثير من الشباب لا يجد الشجاعة في التخلص من صحبة هؤلاء طالما أنه بين ظهرانيهم , فيوافقهم ولا يجسر على مخالفتهم , فتأتى فرصة الحج لتوفر له طريق الخلاص من هؤلاء ولو لفترة محدودة , ولكن عليه أن يكون صادقاً في إقباله على الله في تلك الفترة , وأن يدعو دائماً بالتثبيت والاستمرار على التوبة , ويدعو كذلك بأن يخلصه ربه من فتنة أصحاب السوء والانجراف وراءهم , فإن الله عز وجل لا يرد من دعاه ولا يخيب من رجاه , لا سيما إن كان صادقاً منيباً باكياً مستمراً على قرع الباب , منتظراً للفرج من الملك الوهاب .
الحج فرصة لصحبة الصالحين
وعلى الشاب أن يختار جماعة من الشباب الصالح , فيذهب معهم إلى الحج .
فمن آداب الحج : اختيار الرفقة الصالحة قال صلى الله عليه وسلم : " لا تصاحب إلا مؤمناً " ( صحيح أبي داوود )
وإذا صحب الشاب الصالحين , تأثر بهم في طباعهم وأخلاقهم وحسن سمتهم , لأن الطبع يتأثر بخصال المخالطين , فيستنكف بعد ذلك أن يكون عبداً لهواه وشهواته .
ويستفيد كذلك من صحبتهم أثناء الحج في تعلم المناسك وإيقاعها على الوجه الشرعي المطلوب . . .
الحج فرصة للانضباط والاستفادة من الوقت
إن الوقت أغلى ما يملكه المرء , لأنه في الحقيقة عمره الذي لا يقدر بثمن , والذي هو مادة فلاحه أو شقائه .
والحج فرصة عظيمة للانضباط ومعرفة قيمة الوقت , فكل أعمال الحج منوطة بأوقات معينة , ففي اليوم الثامن يتوجه الحجيج إلى منى , وفي اليوم التاسع يقفون على صعيد عرفات , فمن فاته الوقوف في اليوم التاسع ووقف في اليوم العاشر , بطل حجه وفسد نسكه , ويبيت الحجيج بمزدلفة ليلة العيد , ويرمون الجمرات أيام التشريق بعد الزوال , , وهكذا نجد أن عامل الوقت مهم جداً في هذه العبادة المباركة .
وعلى الشاب أن يستفيد من ذلك في اغتنام الأوقات فيما يفيد , وأن يشح بوقته أكثر من شحه بماله , لأن المال يعوض , أما العمر فإنه لا يعوض .
وعليه كذلكـ أن يستعين بالطرق الصحيحة التي تعينه على حراسة وقته , فتنظيم الوقت مهم , وفقه الأولويات مهم , واختيار الأوقات المناسبة للأعمال المناسبة مهم كذلك .
الحج فرصة لمحاسبة النفس وإصلاح القلوب
إن مغريات الحياة ومباهج الدنيا تصرف كثيراً من الشباب عن محاسبة أنفسهم وإصلاح قلوبهم , والحج فرصة عظيمة ليخلو الشاب بنفسه و يسائلها : هل أنا على الطريق الصحيح ؟ هل جعلت الإسلام منهجاً لحياتي كلها ؟
هل حققت قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
وقوله تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162
فإذا رأى الشاب في نفسه تحقيقاً لذلك , فليحمد الله على نعمة الاستقامة وليزدد من الخير أكثر مما هو عليه , وإذا رأى في نفسه تقصيراً , لأمَ نفسه وعاهد ربه على التوبة والاستقامة , وعمل على إصلاح قلبه بكل وسائل الإصلاح الشرعية , واتخذ من الحج بداية حقيقة لرحلة الانتماء لهذا الدين , والعمل على مرضات رب العالمين .
الحج فرصة للمغفرة والرحمة
كل ابن آدم خطاء , فمن منا لا يخطئ ؟ ومن منا لا يذنب ؟ ومن منا لا يجهل ؟ ولكن الأخطاء والذنوب والجهل تكثر كثيراً في أوساط الشباب , ولذلك حري بكل شاب أن يتخلص من هذه الذنوب والأوزار , وأن يتعرض لرحمة العزيز الغفار , والحج فرصة عظيمة لمغفرة الذنوب والتعرض لنفحات علام الغيوب , قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " ( متفق عليه ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : " . . . والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " ( متفق عليه ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " ما ترفع إبل الحاج رجلاً ولا تضع يداً إلا كتب الله تعالى له بها حسنة , أو محا عنه سيئة , أو رفعه بها درجة "
فدونك أخي الشاب هذه الفرصة العظيمة فاغتنمها , وإياك إياك أن تضيعها فتندم و لات حين مندم .
الحج فرصة للتخلص من العادات السيئة
والعادات السيئة في حياة الشباب كثيرة منها :
1 ـ السهر بغير فائدة .
2 ـ تضييع الأوقات في غير المفيد من الأقوال والأفعال .
3 ـ كثرة المزاح والضحك والسخرية والاستهزاء .
4 ـ سماع الأغاني ومشاهدة المحرمات عبر القنوات .
5 ـ التدخين وشرب الشيشة وغير ذلك .
6 ـ المعاكسات بأنواعها .
7 ـ ممارسة العادة السرية .
8 ـ حلق اللحى , والإسبال , والتشبه .
9 ـ الكذب , والغيبة والنميمة , والحسد , والكبر والغرور , والفحش .
10 ـ التعلق بأشياء يظن الشاب أنه لا يمكن أن يستغني عنها , كمتابعة المباريات , وإدمان الأنترنت , والموضة , وغير ذلك .
فالحج فرصة عظيمة للتخلص من كل هذه العادات السيئة وغيرها بشرط أن يصدق في توجهه إلى ربه , وفي دعائه والانطراح بين يديه سبحانه وتعالى .
الحج فرصة للتخلص من حياة الترف
كثير من الشباب تربوا على حياة الترف واللهو والعبث , نشأوا على ذلك ولم يمروا بما مر به آباؤهم وأجدادهم من الشدة وضيق المعيشة وقلة ذات اليد , فأصبحوا يعيشون حياة المترفين , لا يعرفون للنعمة قيمة ولا يحافظون عليها , ولا يشكرون المنعم سبحانه وتعالى .
وقد يصيب البعض الكبر والغرور كثيراً من هؤلاء فيظنون أنهم أفضل من غيرهم بسبب ما هم فيه من غنىً وثراء .
ويأتي الحج لينبه هؤلاء إلى حقيقة أنفسهم , بل وحقيقة البشرية كلها غنيّها وفقيرها , قويها وضعيفها , رئيسها ومرؤوسها , يأتي ليقول لهؤلاء جميعاً : الناس لآدم , وآدم من تراب ! هذا خطاب الحج لكل من خلع ملابسه الثمينة وارتدى إزاراً ورداءً أشبه ما يكون بكفن الميت , والمعنى أنك أيها الشاب , أيها الإنسان , أيها الغني لن تخرج من دنياك إلا بهذين الثوبين , ويبقى بعد ذلك عملك , إن كان صالحاً , كنت من السعداء , وإن كان فاسداً , كنت من الأشقياء , فلماذا تتكبر أيها الشاب ومصيرك الجنادل والتراب ؟ ولماذا تحتقر غيرك وقد يكون أفضل عند الله تعالى منك ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعَّف ( 1 ) , لو أقسم على الله لأبره . ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عُتُلِّ ( 2 ) جواظ ( 3 ) مستكبر " ( متفق عليه ) .
ومن مظاهر التخلص من الترف في الحج أن الشاب لا يجد الطعام الشهي الذي يأكله في بيته , ولا يجد النومة المريحة التي كان يجدها في بيته , بل لا يجد المكان النظيف الذي يقضي فيه حاجته , وإذا تأخر في مكان قضاء الحاجة بضع دقائق وجد الطَّرْق العنيف على بابه , لأن عشرات الحجاج في الخارج ينتظرون خروجه ! ولكنه مع ذلك كله يشعر بلذة لا يجدها في بيته المرتب النظيف , إنها لذة الطاعة وروعة العبودية .
فينبغي على الشاب الفظن إذا أنهى حجه ورجع إلى بيته , ورأى ما هو عليه من نعمة ورفاهية أن يحمد اله عز وجل ويشكره , وأن يحفظ هذه النعمة ولا يبددها ولا يكفرها , ولا يعصي الله تعالى بنعمه , فإن المعاصي تزيل النعم وتأتي بالبلاء و النقم , وعليه كذلك أن يتخشن في كثير من أحواله حتى لا يتعود حياة الترف التي تدعو إلى الفساد والغفلة والجري وراء الشهوات , فالنعيم لا يدرك بالنعيم , والراحة لا تنال بالراحة , والمجد لا يدرك إلا على جسر المشقة والتعب .
الحج فرصة عظيمة لمشاهدة عظمة هذا الدين
إن عظمة الإسلام تظهر جلياً في شعيرة الحج حيث يأتي إلى بيت الله الحرام أناس من جميع الأجناس , والفئات واللغات , والألوان , والعادات والطبائع , والصفات , كلهم يريدون رحمة الله ورضوانه ومغفرته , فما أعظم هذا الدين الذي جمع كل هؤلاء بالإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم , وعلى الشاب المسلم أن يبتهج بذلك , ويتشرف بانتمائه إلى هذا الدين , ويعرف أنه من أمة عريقة تخطت حدود الزمان والمكان , يجمعها دين واحد وقبلة واحدة , وهي تملك كل عناصر الوحدة والقوة والرقي إن هي استمسكت بحبل الله تعالى , وعضت على تعاليم دينها بالنواجذ .
الحج فرصة لبذل المعروف
ينبغي على الشاب ألا يدخر وسعاً في خدمة ضيوف الرحمن والعمل على راحتهم , وإذا تطوع في العمل مع لجان الدعوة والإرشاد أو الجمعيات الخيرية ومكاتب الدعوة كان ذلك حسناً , وإذا لم يستطع ذلك فليخدم ضيوف الرحمن بما يستطيع , فيرشد الضائع , ويحمل الضعيف , ويوزع الكتيبات والنشرات والأشرطة المفيدة للعلماء الثقات , ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر برفق ولين , ويكثر النفقة في سبيل الله , ويحسن معاملة الحجيج , ويرشدهم إلى الصواب من الأقوال والأفعال , ويصبر على الأذى , ولا يجهل ولا يؤذي ولا يغضب , فإن ذلك كله من علامات الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة .
الحج فرصة لاستجابة الدعاء
من أعظم أعمال الحج ذكر الله تعالى , وإنما شرعت مناسك الحج كلها لإقامة ذكر الله تعالى , والدعاء من أعظم أنواع الذكر , بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس شيء أكرم على الله من الدعاء " وهناك مواطن يستحب فيها الدعاء جداً في الحج وأعظمها في عرفات وقد قال صلى الله عليه وسلم " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفه " ( رواه الترمذي وحسنه الألباني ) , وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تطاول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم , وأعطى محسنكم ما سأل , ادفعوا بسم الله " ( رواه البيهقي وصححه الألباني ) , فأكثر أخي الشاب من الدعاء الصالح لك ولوالديك ولإخوانك وأخواتك وقرابتك وجيرانك ومعلميك وأصدقائك ومن له فضل عليك وكل مسلم ومسلمة حي وميت , ولعل الله عز وجل يستجيب لك فيرفعك بسبب دعائك في عليين .
نسأل الله أن يمن علينا بحج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور , وأن يهدي شباب المسلمين إلى صراطه المستقيم , وأن يمن عليهم بالتوبة الصادقة والعمل الصالح , والسيرة الحسنة , إنه ولي ذلك والقادر عليه و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
( 1 ) : متضعف : مستضعف .
( 2 ) : عتل : غليظ .
( 3 ) جواظ : الضخم المختال في مشيته .
مركز خدمة المتبرعين بالكتاب : الرياض ص . ب 3310 ـ ت / 4792042 ـ ف / 4723941
ملاحظة / كتبت المطوية بتصرف مني . . .
مطوية قيمة يستفيد منها الحجاج وغيرهم أرجعتني لذكريات الحج الجميلة
والله من وراء القصد
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
~ أختكن ومحبتكن في الله ~
أم المقداد
7 ـ 12 ـ 1427هـ
الســـــــــــــــ 1:25 ظ ــــــــــاعــــــــــة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الروابط المفضلة