قال بعض العلماء: (( كان في بعض الأزمنه جبار يعذب الناس على دينهم, فأوتي بامرأه فأمر بقطع يديها ورجليها فقطعتا وما تكلمت فلما أوتي بالنار لتكوى صرخت بالبكاء فقيل لها في ذلك فقالت: والله ما جزعت من ناركم ولا أسفت على الدنيا ولكن ذكرتني هذه النار نار جهنم فصرخت من أجل ذلك. قال: وكحلت عيناها بمرود محمي بالنار, وقيل: لما أمر بها لتقطع يداها ورجلاها قالت: الحمد لله على السراء والضراء والشدة والرخاء والعافية والبلاء, لقد كنت امل في ذات الله ما هو اكثر من هذا. فلما قطعت يداها ورجلاها جعل الدم يفور ولا ينقطع فلما أحست بالموت قالت: حياة كدره وموتة طيبه لئن نلت ما أملت من جزيل الثواب لقد نلت سروراً عظيما لا يضر معه كدر الدنيا الفانيه إذا صرت إلى الراحة الدائمه ثم اضطربت حتى ماتت )).
فإذا تفكر العاقل في هذه الحكايه وأمثالها وتسلى بأصحابها أورثه ذلك حسن العزاء فخف شجوه وقل هلعه, وعلى هذا كانت مراثي الشعراء حتى قال البحتري:
فلا عجب للأسد إن ظفرت بها .......... كلاب الأعادي من فصيح وأعجم
فحربة وحشي سقت حمزة الردى ........ ومت علي من حسام ابن ملجم
وفي بعض الحكمه: (( طوبى لمن غلب بتقواه هواه وبصبره شهوة نفسه. ألا وإن الصبر كنز من كنوز الجنه لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عليه. وما من عبد وهب الله له صبراً على الأذى وصبراً على البلاء وصبراً على المصائب إلا وقد أوتي أفضل م أوتيه أحد بعد الأيمان ))
قال أبو فراس:
المرء بين مصائب لا تنقضي ............. حتى يوارى شخصه في رمسه
فمعجل يلقى الرد في أهله ............. ومؤجل يلقى الردا في نفسه
وقال عليه الصلاة والسلام: (( أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والاخره. قيل: وما هن. يا رسول الله؟ قال: قلب شاكر ولسان ذاكر وبدن صابر وزوجة عفيفه لا تخونه في نفسه وماله )).
قال الشاعر:
صبرت وكان الصبر خير معول .......... وهل جزع يجدي عليّ فأجزع
صبرت على ما لو تحمل بعضه .......... جبل شرور أوشكت تتصدع
ورددت دمع العين حتى رددته ............ إلى باطني فالعين في القلب تدمع
ومنها أن تعلم أن النعمة زائده وأنها لا محاله زائله فعل قدر السرور منها يكون الحزن.
وقد قال في منثور الحكم: (( المفروح به هو المحزون عليه ))
وقيل( من بلغ غاية ما يحب فليتوقع غاية ما يكره ))
وقال بعض الحكماء: (( من علم أن كل حادثه إلى انقضاء حسن عزاؤه عند نزول البلاء ))
وقيل للحسن البصري: (( كيف ترى الدنيا فقال: شغلني توقع بلائها عن الفرح برخائها ))