الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأله وصحبه وبعد
أتذكر أيها القارئ الكريم منذ بضعة أسابيع، من قبل شهر رمضان، فى أيام "حرب" حزب الله وما بعدها، لما كان الناس يرمون بالعمالة والخيانة وكذا وكذا، اذا ما تلفظوا بسوء أو حتى لمحوا بنحوه فى حق ذلك الحزب الشيعى؟
أتذكر يوم كان أكابر علمائنا كأمثال الشيخ بن جبرين وغيره، يرمون بأبشع الأوصاف والتهم، وتستباح لحومهم وأعراضهم على ألسنة الأقزام والجهال فى كل مكان، لكلامهم فى هؤلاء؟
اندفع الناس كالفراش المبثوث يهتفون ويلوحون بالرايات والشعارات يرفعون صور "حسن نصر" فى كل مكان، يلقبونه بصلاح الدين الأيوبى الجديد.. وكانوا يعكفون على سماع كلماته وخطبه بشغف منقطع النظير، حتى كتب فيه من الشعراء والكتاب فى جمهور السنة ما لم يكتبوه فى صلاح الدين، بل ولم يكتبوا مثله فى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم نفسه!
كان الناس فى تلك الأيام ان كلمتهم عن العقيدة قالوا لك: اليك عنا لا حاجة بنا لكلامك ولا وقت اليوم لبعث تلك الجدليات من تحت أنقاض التاريخ!
ان قلت لهم أفيقوا وانظروا واقرأوا ما يعتقد هؤلاء فى حقكم قبل أن تضعوا رقابكم بين أيديهم، نقلوا كلام حسن نصر وكذبه وقالوا لك: أنت عميل تبغى الفرقة والشتات، ولا تريد النصر "للمسلمين"!
كانوا يثورون فى وجه الناصحين حتى بلغ بهم الأمر أن اعتدوا باليد على بعض الدعاة والعلماء فى منابرهم ودروسهم ولا حول ولا قوة الا بالله!.. كانت تلك الفتنة والله من أكبر ما رأت بلادنا فى زماننا هذا من الفتن.. نسأل الله السلامة والنجاة والعافية..
ضل على أثر تلك الفتنة خلق كثير والله، لا يعلم عدهم الا الله.. وتشيع الكثيرون.. والكثيرون تزعز ايمانهم وأحدث الشيطان ثقوبا فى حلة الدين عندهم، حتى صارت لا تكاد تستر شيئا ولا تقى البأس ولا تدفع البرد ولا الحر!
فكثيرون من "المتثقفين" المطلعين ذوى البضاعة المزجاة فى العقيدة والدين، كانوا قد دفعتهم عقولهم من قبل الى قراءة بعض مما يبثه الشيعة فى جمهور السنة من كذب وتقية.. فتأثروا بذلك، وبدأوا يستنكرون ما يسمعونه من آن لأخر فى حق هؤلاء القوم.. ويزيد الطينة بلة أن يكون لهؤلاء اطلاعات فى كتب الصوفية وغلاة الطرقية.. وأن يكون لهم ميل بهواهم الى بعض تلك الطرق وبعض أفكارها.. ففى تلك الكتب من خرافات الشيعة ما لا يعلم حصره وحقيقته الا الله ثم من أوتى بذلك علما.. فاذا رأوا ما فى ايران من علو فى أسباب الأرض وتفوق، زاد افتتانهم وزاد ميلهم وصغو قلوبهم.. حتى أن بعضهم ليقول لك: أننى كلما قرأت عن الشيعة ما يقولون عن أنفسهم.. لم أجد شيئا مما نسب اليهم الا افتراءا عليهم! فسأظل اذا أقرأ، متحررا بالعقل والمنطق مستقلا بهما، حتى اذا ما وجدت – بعقلى – الحق عند الشيعة واقتنعت به، فلن أتردد يومئذ لحظة واحدة فى اعلان تشيعى!!
نعم لقد سمعت كلام واحد من هؤلاء بنحو ذلك المعنى بأذنى والله.. ولا حول ولا قوة الا بالله! فما ظن هؤلاء بربهم؟ كيف يحسبون أنه يتركهم سدى بغير نور ولا هدى، الا ما تدلهم عليه أهواؤهم ونوازع قلوبهم وعقولهم الخربة؟ لو أوكل الله الناس لعقولهم لما أنزل لهم وحيا ولما علمهم علما ولتركهم فى ظلماتهم يعمهون! وهذا وأمثاله لا يريد الا عقله.. ولا يريد أن يتعلم أصول دينه أولا قبل أن يخوض قراءة ودراسة فى أصول غيره من الديانات والملل! فأنى لمثل هذا أن يهتدى؟! لما رأى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فى بدايات البعثة النبوية عمر ابن الخطاب وفى يديه صحائف من كتب أهل الكتاب، غضب حتى احمر وجهه وأمره أن يدعها وقال له أن لو كان عيسى ابن مريم بينهم لما وسعه الا أن يتبعه صلى الله عليه وأله وسلم.. ولكن لما كمل الدين والوحى، قال صلى الله عليه وأله وسلم (بلغوا عنى ولو أية وحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج).. فهو كان حينئذ يخاطب علماء، شربوا منه العلم شربا، بعدما كمل الوحى به وتم.. فأمرهم بابلاغ ما أخذوا عنه ونقله للناس، وبين لهم أنهم والحال كذلك، ما عاد عليهم من حرج فى التحديث عن بنى اسرائيل.. فلا يحل، وأكرر لا يحل، لمسلم أن يطلع على عقائد ملة غير ملته قبل أن يستوفى العلم الضرورى بأصول دين الاسلام أولا.. وان دخل يبحث فى أصول دين أخر غير الاسلام، فلا يكون ذلك منه الا لبيان بطلان الملل الأخرى، وليس طلبا للحقيقة!! فلا ايمان لمن دخل الى قلبه مثقال ذرة من شك أو ريبة والعياذ بالله تعالى.. الدين ليس لعبة نأخذ منها ما نهوى ونترك منها ما لا يعجبنا!
فالحاصل أن هؤلاء المساكين من متهافتى ومتعالمى الأمة، الذين ينكب الواحد منهم على قراءة الغث والسمين، القيم والخبيث سواءا بسواء لا يميز الا على وفق هواه وعقله.. والذين قد سبق لهم حظ من الافتتان بما ابتلاهم الله به من قراءات غير منضبطة، هؤلاء اذا ما جاءت قطعة الليل المظلمة هذه، التى ظهر فيها حزب الله هذا بآلته الدعائية يقتحم على الناس قلوبهم ليفتنهم فى دينهم، قضى الله أمرا من عنده فى حق أكثر هؤلاء الزائغين المتكبرين بالزيغ المبين والضلال البعيد.. فخرجوا يتهجمون على الصحابة الأبرار رضى الله عنهم وأرضاهم، يزورون حقائق التاريخ ويبثون سمومهم وافكهم فيمن حولهم، ينتحلون نحلة هؤلاء الزنادقة بعدما تشبعت قلوبهم من قبل بما قرأوا من أكاذيبهم وضلالاتهم.. وزاد افتتانهم بهم أضعافا وأضعاف.. فيكتبون ويخوضون ويتهوكون ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم
نسأل الله الثبات على الحق واليقين، وأن يعلمنا ما نقيم به فى قلوبنا حصونا من وراء حصون، لا يتزعز فيها ايمان ولا تهتز فيها عقيدة..
هذه الفتنة الله وحده يعلم كم من الناس خربت قلوبهم بسببها، وكفى بها فتنة أن يقع جاهل مفتون فى الرغبة فى الاطلاع على عقائد الروافض، من باب الفضول وحب الاطلاع.. وبزيادة على ذلك أن يكون راغبا فى تقصى ما سمعه فى حقهم رغبة منه فى دفع بعض التهم عنهم تعاطفا معهم.. فاذا به يقع مع جهله فى كتاب من كتبهم الفجة، التى تملؤها الروايات المكذوبة الملفقة فى حق صحابة رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم، خير البشر أجمعين من بعد الرسل والنبيين، رضى الله عنهم وأرضاهم.. فاذا به، وما أوتى علما فى تحقيق الأخبار والروايات والنظر فى مصادرها وأسانيدها، يختل توازن معتقده فى صحابة الرسول صلى الله عليه وأله وسلم، وذاك هو المدخل الأول، والطريق الذى تدخل منه ملة هؤلاء الزنادقة الى قلوب جهلة المسلمين. فبمجرد أن يبدأ قلب المرء فى الحمل على الصحابة، ويبدأ ظنه فى التلوث تجاههم، سيما وقد يؤثر فيه أسلوب كتابة كاتب متمكن من اللغة مجيد فى أسلوبه ومنهجية عرضه لبضاعته الفاسدة، فاذا به تزل قدمه فى بئر تعكر القلب تجاه الصحب الكرام رضى الله عنهم..
فان وقع ذلك فيه، تمهد له سبيل التعاطف المزعوم مع أل البيت – برأهم الله مما يأفك الظالمون – وبدأ الأمر فى ناظره يتصور فى صورة الصراع بين فريقين، فريق ظلم وسلب حقه، وفريق بغى وظهر فى الأرض بالفساد! فيألم كما يألمون من قصصهم وخرافاتهم، ويزداد سوء طويته تجاه الصحابة رويدا رويدا، حتى يبدأ فى بغض أعيان منهم (كمعاوية وطلحة والزبير وغيرهم رضى الله عن الجميع).. حتى اذا ما تمكن ذلك البغض منه، زاد عليه بغض عائشة وأبيها رضى الله عنهما وعمر وغيرهم، ممن هم أعلى درجة فى سلم الصحابة.. حتى اذا ما استحوذت الفتنة عليه، اسود قلبه تجاه سائر الصحابة رضى الله عنهم بالكلية، وأخذ يزرع شجرة جديدة من الحقد فى قلبه تنمو رويدا رويدا حتى انها لتبتلع القلب كله، فلا يبقى فيه بغض لأحد من الخلق كما لصحابة النبى صلى الله عليه وأله وسلم! ولا حول ولا قوة الا بالله
وليت شعرى كيف لا تأبى فطرتهم كل ذلك القدر من الحقد الأسود العميق، الذى تفيض به كتب هؤلاء!
كيف لا يشعر بأدنى غرابة تجاه تلك الفكرة الشيطانية، فكرة أن يكون فى أقرب صحابة رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم كل هذا الكم من المطاعن التى يأباها ويأنف منها الأسوياء فضلا عن الأولياء؟! كيف لا يفطن الى أن الطعن فى حملة الدين ونقلته الى العالمين، انما هو بطبيعة الحال هدم للدين كله وطعن فى رسوله ومبلغه، بل وفى ربه رب السماوات والأرض عز وجل من فوق سبع سماوات؟!
انه الهوى.. عافانا الله من خطره.. ما أراد الله بعبد ضلالا الا سلط عليه هواه يقوده الى الهلاك والعياذ بالله تعالى..

ومرت أيام الطبول والهتافات.. وهدأ الناس نوعا ما.. وان كانت الأضواء قد انصرفت الى ايران والى "بطولات" وعنتريات المدعو أحمدى نجاد! يخرج كل يوم يقول كلاما حاصل معناه من نحو: (اسرائيل ستفنى قريبا!)، و(ترقبوا نصرة الاسلام والمسلمين التى انتظرتموها طويلا!) و(أمريكا هى الشيطان الأكبر ومعها كل من حالفها وحالف اسرائيل!).. وغير ذلك من شعارات كاذبة وطبول رنانة، لا يكاد المرء ينظر الى أرض الواقع وحقيقة الأحوال نظرة عابرة خاطفة، الا ويرى كذبها واضحا جليا! فهو يتكلم وكأنما يعيش فى بلاد المسلمين خراف ونعاج مغفلة لا علم لها ولا تمييز، بل ولا نظر لها فيما يقع على أراضى العراق ولبنان وسوريا!
وما أكثر ما يسوؤنا أن نرى أناسا يتحمسون حماسة عمياء لأحمديهم هذا، مثلما تحمسوا لحسن نصر من قبل.. فلا يرون الا ما يريدون أن يروه، ولا يسمعوا الا ما يحلو لهم سماعه! لا يتعلمون الدرس ولا يريدون أن يلتفتوا اليه!
ولو أن هؤلاء الجهال يعلمون ويفهمون حقيقة المحرك العقدى للرافضة وما يطمعون فيه، لأدركوا أن أول من سيكون ضحية لتلك القنبلة النووية التى يحلمون باقتنائها، لو مكنهم الله منها ومن اطلاقها – عياذا بالله من هذا - انما هم نحن، معاشر أهل السنة المسلمين.. ولا حول ولا قوة الا بالله.

ولكن يأبى الله الا أن يفضح الكاذبين والمنافقين.. وستنكشف حيل الماكرين والظالمين يقينا مهما طال خداعهم ومكرهم! ووالله ليظهرن الحق ولو بعد حين!
وقد بدأ ذلك الانكشاف والظهور بالفعل، على الرغم من تلك المساعى الواسعة لألات الاعلام الرافضى فى سبيل التعتيم والتغطية والتزيين.. ذلك أنه ليس من رأى كمن سمع.. وليس من عايش الواقع على أرض الواقع كمن سمع عنه من التلفاز والصحف والمجلات! وكم من بون شاسع بين هذا وذاك!

فهذا مفتى جبل لبنان الشيخ السنى (محمد على جوزو)، والذى كان مشهورا فى أيام المعارك بين حزب الله واسرائيل، بمواقفه المساندة تمام المساندة لذلك الحزب، والذى كان يكره بشدة، أن يتم طرح قضية الخلاف العقدى بين الشيعة والسنة فى تلك الظروف أو حتى الاشارة اليها..
نحن لا ننكر عليه موقفه تجاه من يحاربون اسرائيل.. فلو حاربهم مجوس ووثنيون لتمنينا لهم النصر عليهم!
ولكن المقصد أن الرجل كان فى البداية متحمسا للحزب وللشيعة بصفة عامة.. لا يقيم وزنا كبيرا لقضية العقيدة، ولا يتبصر فى الأحداث بمعيار صحيح..
فكان يتوقع من حزب الله مواقف معينة، وأعمال معينة، بعد تلك المعارك، ولكنه لم يجد من ذلك شيئا، بل انه قد وجد العكس تماما! فساءه ذلك وصدمه بطبيعة الحال.. فقد فوجئ بأن تلك الفجوة العقدية، والتى كان يحسب كما حسب الكثيرون غيره أن التاريخ قد أخفاها، وأن الغايات والمصالح والتحركات ما عادت تتحرك فى زماننا هذا بوحى منها، فوجئ الرجل أخيرا بأن ذلك التصور كان خاطئا!! وها هو ذا يعترف بذلك المعنى فى حوار صحافى أجراه معه واحد من صاحفيى جريدة الأهرام المصرية الصادرة بتاريخ الثلاثاء غرة شوال 1427 هـ، فى حوار جاء بعنوان (مفتى جبل لبنان للأهرام: ما يحدث فى لبنان صراع بين القوى السياسية)..
فلما سأله الصحافى عما يحدث فى لبنان الأن من وجهة نظره، قال الشيخ فيما قال: (ما يحدث فى لبنان هو صراع بين القوى السياسية من أجل مصالح لا علاقة لها بمصلحة لبنان.. والبعض يعمل لحساب دول خارجية ولا يعمل من أجل مصلحة لبنان ولا تنس أن لبنان ظل تحت الوصاية السورية لأكثر من 30 عاما، وبالتالى لا يزال ولاء البعض لسوريا وهى التى تحرك الخيوط وتدير الأحداث خصوصا حزب الله الذى يفعل بعض الأشياء التى لا نقبلها فالانتصار أعطى حزب الله نوعا من المعنويات ويريد أن يفرض على الدولة أشياء جديدة.) أ.هـ
قلت: قد صدق اذ قال أن حزب الله لا يعنيه مصلحة لبنان وليس يعمل من أجلها.. وهذه واحدة من أهم الأكاذيب التى بدات الأيام تفضحها.. فكم كانت وما زالت قناة المنار وغيرها من وسائل الاعلام التابعة للحزب، تتغنى كل يوم ليل نهار بالانتماء الى لبنان وتحرير أراضى لبنان ونحو ذلك من الأكاذيب.. ولكن ها هى شهادة واحد من أهل لبنان المطلعين على مجريات الأمور فى ساحة السياسة، تصدمه تطورات الأحداث ومواقف الحزب.. أما نحن فلله الحمد لا ننصدم، ولا نرى أى غرابة فى شئ من ذلك.. فنحن نعلم أن الحزب يتحرك فى الحقيقة على وفق مخطط دينى عقدى.. ليس ولاؤه فيه لسوريا على وجه التحديد كما يظن الشيخ، ولكن ولاؤه التام انما هو لعقيدة الثورة الخمينية التى أقسم على نصرتها، ونصرة كل من يعملون على نشرها وخدمة مطامعها فى المنطقة.
ويصرح الشيخ بأن الحزب "يفعل بعض الأشياء التى لا يقبلونها" فى لبنان.. ويريد أن يفرض أشياء جديدة على البلاد على حد قوله..
فيسأله الصحافى (ما الأشياء التى يريد أن يفرضها حزب الله؟)
فيقول الشيخ: (هو يلح من أجل تغيير الحكومة وهى التى اختبأ وراءها حزب الله عندما ضاقت به السبل فى الحرب وعندما وجد أن الخراب يزداد يوما بعد يوم حاول هو أن يختبئ وراء الحكومة والحكومة أدت دورها وساعدت حزب الله وساعدت النازحين واستطاعت أن تفرض احترامها فى كل مكان.. بعد أن انتهت الحرب وجدنا أن حزب الله بدلا من أن يشكر الحكومة يعلن الحرب عليها وعلى الرئيس السنيورة ويريد أن يغيرها بدعوى تشكيل حكومة وحدة وطنية رغم أن الحكومة هى بالفعل حكومة وحدة وطنية بدليل أن حزب الله يشارك لأول مرة فى الحكومة، كما لا يوجد نقص لا مارونى ولا شيعى فى هذه الحكومة لأنها تمثل كل الأطراف فلماذا الحديث اذن عن تغييرها؟) أ.هـ
قلت: وها هى أكذوبة انخراط الحزب فى صف المجاهدين صفا واحدا دون تمييز بينهم، تنكشف أمام صاحبنا هى الأخرى. فحكومة السنيورة قد آوت الحزب ونصرته فاذا هو يغدر بها، وليس ذلك جديدا على الرافضة، فهم أهل نفاق وغدر وخيانة على طول تاريخهم الأسود وعرضه. وها هى أكذوبة التضامن العربى من أجل المصلحة الوطنية والقومية المشتركة والتى هللوا بها كثيرا، تسقط كذلك هى الأخرى معها. فالحزب لما كان محتاجا لدعم وسند الحكومة فى مرحلة من المراحل راح يتملقها، ويبدى ولاءه لها، تحت شعارات الجهاد تارة، وشعارات الوطنية والانتماء الوطنى تارة أخرى، حتى تنصره تلك الحكومة وتسانده. فبمجرد أن هدأت الأحداث، ظهرت حقيقة ما كان الحزب يخفيه تقية ونفاقا، تجاه تلك الحكومة ورئيسها السنى. ونحن لا نجد غرابة فى ذلك أيضا ولا يصدمنا.. فنحن نفهم جيدا أن الحزب يريد تصفية الوجود السنى فى لبنان، مهما كلفه ذلك من الوقت. وأول ما يستهدفه لتحقيق تلك الغاية، انما هو الاطاحة بالزعامات السنية وتشتيت صفوفها ونزعها من الحكومة نزعا. ولا مانع عندهم كما هو واضح، من التعاون مع المارونيين وميشيل عون بل ومع اليهود أنفسهم، من أجل تلك الغاية!
ويذكر الشيخ أنه كان فيما مضى على ود وصداقة مع نظرائه من علماء الشيعة، ولكنه اليوم صار يلمس ظهورا واضحا للتعصب فى فكرهم تجاه السنة، وهو ما زاد بدوره من اتساع المسافة بينهم وبين مشايخ السنة هناك. قلت الحمد لله الذى أذن لبعض رجالنا فى أراضى المسلمين أن يروا الحقيقة قبل أن يطاح بهم.
وها هو الشيخ يضج أخيرا فى كلامه بموقف حسن نصر الله ورجاله من أهل السنة هناك، والذى نجح فى اخفائه فى وسائل الاعلام كلها! غير أن بعض أخبار الاضطهاد الشديد لأسر الضحايا من السنة فى جنوب لبنان تاتينا على الرغم من ذلك ولا تخفى علينا، وما خفى كان أعظم!
يقول الشيخ:
(أنا أريد من حسن نصر الله ومن أنصار حسن نصر الله أن يغيروا من منهجهم معنا نحن اهل السنة فهم يهتفون كثيرا ضد الصحابة فى مباريات الكرة وتتحول المباريات ضد عقائد أهل السنة. القضية ليست تحويل السلاح من اسرائيل الى الداخل - يشير الى سابق كلام حول احتمال توجه الحزب بالسلاح الى داخل لبنان – القضية فى النظرة السائدة وفى التصعيد وفى استغلال المناسبات العامة للنيل من السنة دون مقدمات ودون سبب واضح.) أ.هـ
قلت: سبحان الله، هل تجدون يا عباد الله فى أى مكان من الأرض، وفى أى ملة من ملل الأرض، أناسا يذهبون للهو فى مباريات الكرة وفى غيرها من الملاهى، فاذا بهم وهم فى تلك الحال يهتفون بعقيدتهم بهذه الصورة؟ هل تتصورون منظر أناس لا يدعون حتى فى لهوهم أن يظهروا عمق ما فى قلوبهم السوداء من بغض وحقد للصاحبة رضى الله عنهم ولكل من تبعهم من المسلمين؟؟ يا الله! ما أشد ظلمة تلك القلوب!! ثم أنتم بعد ذلك تهتفون باسم زعيمهم تتغنون به فى كل مناسبة؟ ألا خسئ كل أحمق جاهل!
كيف يريد الشيخ ممن تلك حال قلوبهم وعمق أحقادهم، أن يدعوا ذلك كله وأن يغيروا من منهجهم لقوله؟! هذا هو دينهم وتلك هى ملتهم! كيف يتصور أنه من الممكن أن يطلب منهم تغييره كله فيطيعوه ويستجيبوا له؟ ثم يقول أنهم لا يدعون مناسبة لهم أيا كانت الا ويخرجون اضغانهم وبعضا مما تخفى صدورهم.. ثم يقول (دون سبب واضح)!! هو غير واضح لمن لم يدرس عقيدتهم وحقيقة ما فى كتبهم المقدسة عندهم من كفر وزندقة وحقد لا أحسب أن رأت البشرية مثله من قبل! انهم قوم لا يكون الرجل مسلما عندهم الا أن يعتقد فى كفر أبى بكر وعمر، ويعيش عمره كله ناقما حاقدا على الصحابة الغاصبين الظالمين لآل البيت فى زعمهم، هم ومن تبعهم الى يوم الدين! يعيش ينتظر (الفرج) وينتظر خروج المهدى بسيف الانتقام ليذبحنا جميعا عن بكرة أبينا!! انهم قوم يربون أبناءهم على اعتقاد كفرنا ونجاستنا وعلى التجهيز والاعداد للانتقام منا جميعا!! فأى سبب تريد يا شيخنا أوضح من ذلك؟؟؟
ويسأله المحاور المسكين سؤالا ساذجا يدل على الحيرة والشتات، فيقول: (هل تعتقد أن الشيعة غضبوا من اثارة الخلافات المذهبية اثناء الحرب ولم ينسوا ذلك الى الأن؟)
فيقول الشيخ: (أنا كنت فى مصر وقت العدوان الاسرائيلى بالصدفة البحتة وشاهدت بأم عينى كيف عبر الشعب المصرى بعاطفته وأقام المظاهرات ورفع صور السيد حسن نصر الله فى الأزهر واعترف أن هذا الأمر أزعجنى لأن الشعب المصرى ليس على وعى بما يجرى فى لبنان ولا يعرف ما يحدث.) أ.هـ.
قلت: صدقت والله.. فالشعب المصرى كسائر شعوب الأمة جرفته المشاعر والعواطف بغير دراية ولا علم بحقيقة الأمر وما وراءه من خلفيات سوداء. فرفع الناس صور حسن نصر وهم تملؤهم الرغبة العارمة الصادقة فى استخراج بطل مجاهد يفرغ ما فى قلوبنا جميعا من نقمة ضد أمة اليهود اللعينة. ولكن لعموم الجهل بيننا بحقيقة الرجل وحقيقة دينه دين الرافضة، وقعت فتنة كبرى ووقع ما لا تحمد عقباه. ولا حول ولا قوة الا بالله.
ويبدو أن جواب الشيخ قد أزعج المحاور الى حد بعيد.. وهو امر متوقع، فجهله تكشفه أسئلته بوضوح.. فيقول
(عفوا أى حرب ضد اسرائيل لابد من نصرة الطرف الذى يحارب اسرائيل، فهل كنت تتوقع عكس ذلك؟)
فيقول الشيخ فى حسرة واضحة: (ليت حزب الله هو الذى يثق فى ذلك ويكون مقدرا لمواقف أهل السنة وأنا اضطررت أن أتكلم عن الواقع الذى نحن فيه والحرب دائرة لأننى أعيش واعرف كل ما يجرى على الأرض اللبنانية.) أ.هـ
عباد الله.. هذه شهادة رجل من اعلام أهل السنة من أهل لبنان.. ومن المطلعين فيها على أحداث الغرف السياسية وما يدور فيها.. كان من قبل متحمسا كما كنتم ضد كل من تكلم فى جوانب العقيدة وبين عظم ما بيننا وبين الرافضة من خلاف فيها.. فها هو الرجل قد بدأ بفضل الله يفئ الى حقيقة الأمر التى ما عاد يسعه السكوت عليها، فتكلم أخيرا ولكن بعدما ضل من ضل وزل من زل.. فما عاد يمنعه منصبه فى منظومة الحكم فى لبنان – على الرغم من خطورة ذلك – من التصريح بما صرح به! وما أوصله الى ذلك الا عظم ما رأى وما سمع! فالى متى سيظل الناس فى أمتى لا يسمعون الا ما يريدون سماعه ولا يرون الا ما يريدون رؤيته؟
نسأل الله السلامة
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه والباطل باطلا وارزقنااجتنابه وقنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وحصنا بحصن الدين والعلم والعقيدة، واحشرنا فى زمرة النبيين والصالحين والصحب الأطهار الميامين رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين .. والحمد لله رب العالمين

كتبه أخوكم المفرط المبتلى
أبو الفداء