الدليل لأحكام زكاة الفطر بالتفصيل



تلخيص لفتاوى باب زكاة الفطر للشيخ العلاًَمة ابن عثيمين وبعض الفوائد لعلماء آخرين.

جمع وتلخيص وإعداد: لقمان بن أبي القاسم الخزرجي الأنصاري


بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين أمَّا بعد:

فلقد منَّ الله عليَّ بأن قرأت باب زكاة الفطر من مجموع فتاوى الشيخ العلاَّمة ابن عثيمين، ورأيت فيه من الفوائد الجمَّة والعلوم الغزيرة ما تقر به العين ويشفى به الغليل، فأحببت نقلها لإخواني المسلمين في كل مكان، ليعلموا واجبهم نحو هذه العبادة الجليلة التي هي ثالث أركان الإسلام، وليؤدوها بشروطها وصفتها التي كان يؤديها النبي -صلى الله عليه وسلَّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- لنكون من الذين اتبعوا سبيل المؤمنين ورضي الله عنهم من الآخرين.

ولمَّا كانت العشر أيام الأواخر من رمضان محلُّ عبادةٍ وكثرة تهجد، فإنه يضيق على الكثير من المسلمين قراءة الكتب والدخول على الشبكة والبحث فيها ومن ثم تحميل المقالات وطباعتها، فضلاً عن التمعن فيها وقراءتها، رأيت أن أقوم بتلخيص الفوائد التي قرأتها ولخصتها في أوقات فراغي السنة الماضية وأن أعيد صياغتها لتصبح صالحةً للنشر هذه السنة -إن شاء الله- ووضعتها هنا في هذا المقال ومن أراد فتاوى الشيخ الأصلية فيجدها في باب زكاة الفطر من مجموع فتاواه، وعساني أن أنقلها إن شاء الله، مع إضافة بعض التعليقات المساندة من الموسوعة الفقهية لمن أراد الاستزادة.




فإليك أخي المسلم دليلك لهذا العام لأحكام زكاة الفطر


اعلم رحمك الله أن زكاة الفطر تجب على كل إنسان من المسلمين ذكراً كان أو أنثى، صغيراً كان أم كبيراً، سواء كان صائماً أم لم يصم، كما لو كان مسافراً ولم يصم فإن صدقة الفطر تلزمه, و زكاة الفطر كغيرها من العبادات تلزم الإنسان نفسه، إلا أن يتبرع قيم البيت بإخراجها عمن في بيته فإنه لا حرج في ذلك، ويكون مأجوراً على مثل هذا العمل، وإلا فالأصل أن المخاطب بها المكلف نفسه, وسببها إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد بالفطر من رمضان وإكماله، ولهذا سميت زكاة الفطر، أو صدقة الفطر وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين, وحتى تصح هذه الزكاة فلا بد أن يتوفر فيها أربعة شروط حتى تصح وإلا فهي مردودة على صاحبها ولا تجزئ ولا تبرئ الذمة, وهذه الشروط ينبغي على كل مسلم أن يتحراها حتى تصح زكاته وتقبل لأنها مفروضة ومعلوم أن ترك المفروض حرام وفيه الإثم والمعصية, وهذه الشروط هي:

الوقت: فوقتها ليلة العيد أو قبله بيومين فقط, فينقسم وقتها إلي وقتين, وقت جواز وهو قبل العيد بيوم أو يومين, ووقت فضيلة وهو يوم العيد قبل الصلاة, أما قبل ذلك فإن الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يجوز, أما تأخيرها إلى ما بعد الصلاة فإنه حرام، ولا تجزيء عن الفطرة لحديث بن عباس الصحيح: ((فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات))(1), وإذا أخرها لعذر كنسيان، أو لعدم وجود فقراء في ليلة العيد فإنها تقبل منه، سواء أعادها إلى ماله، أو أبقاها حتى يأتي الفقير.

المكان: وهو البلد الذي يوافي تمام الشهر والمسلم فيه, فلا يكون المسلم في بلد ويخرجها في بلد آخر إلا لحاجة بأن لم يكن فقراء في بلده وإلا فإن ذلك لا يجوز.

المصرف: ليس لها إلا مصرف واحد وهم الفقراء كما في حديث ابن عباس ـرضي الله عنهماـ قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين))(2).

النوع: لها نوع واحد وهو صاع من طعام, ويقاس الكيل بالصاع النبوي ثم يوضع إناء يتسع لهذا الكيل، ثم تقدر به الفطرة سواء ثقل وزنه أم خف؛ لأن المعتبر في الكيل هو الحجم وشرط هذا الطعام:

1- أن يكون شائعاً في الناس .
2- أن يكون صالحاً للادخار ويصلح قوتاً.

مثل التمر أو البر( القمح) أو الشعير أو الزبيب أو الأقط ( الحليب المجفف)، و ينبغي أن يختار الطعام الذي يكون أنفع للفقراء، وهذا يختلف في كل وقت بحسبه.

و الأرز في وقتنا الحاضر قد يكون أنفع من البر؛ لأن الأرز لا يحتاج إلى تعب وعناء في طحنه وعجنه وما أشبه ذلك, والمقصود نفع الفقراء, وقد قيس الأرز بالصاع النبوي فوجد أنه يساوي ألفي غرام و مئة غرام وقد قيس البر بألفي غرام وأربعين غراماً, ولكن بعض العلماء المعاصرين قدروا الطعام لأي صنف بثلاثة كيلوات إلا ربع وبعضهم باثنين وربع والبعض الآخر باثنين و مئة جرام ولا تناقض بينها, لأن تقدير الفطرة بالكيل، والكيل يعتمد الحجم لا الوزن، فرب شيء يزن شيئاً كبيراً وهو صغير الحجم إذا كان هذا الشيء ثقيلاً كالحديد مثلاً، والآخر خفيفاً، ولذلك وزن التمر لا يمكن أن يكون كوزن البر، ووزن البر لا يمكن أن يكون كوزن الرز، ووزن الرز أيضاً بعضها مع البعض الآخر لا يمكن أن يتفق مثال ذلك أن الحبوب ربما تتأثر بالجو إذا كان الجو رطباً تمتص من هذه الرطوبة فيزداد وزنها، وربما تمتص فيزداد حجمها، فالمهم أننا إذا قدرنا زكاة الفطر بالكيلو فليس معنى ذلك أن التقدير عام في كل شيء، لأن العبرة بالكيل الحجم دون الوزن، فإذا قدرناه بالبر الرزين بألفين وأربعين غراماً، وجاءنا رز أثقل منه يجب أن يزيد الوزن في الرز، إذا كان هذا كيلوين وأربعين غراماً يجب أن يزاد هذا، كذلك لو جاءنا رز أثقل من الأول يجب أن نزيد الوزن فكلما كان الشيء أثقل وهو مقدر بالكيل يجب أن يزداد وزنه وهذه قاعدة. ولذلك لا يمكن أن يقدر الناس الفطرة بوزن معين في كل الطعام، ولو فعلنا ذلك لكنا مخطئين, وأما الزيادة على الصاع فإن كان على وجه التعبد واستقلالاً للصاع فهذا بدعة، وإن كان على وجه الصدقة لا الزكاة فهذا جائز ولا بأس به ولا حرج، والاقتصار على ما قدره الشرع أفضل، ومن أراد أن يتصدق فليكن على وجه مستقل.


عدم جواز دفع القيمة


ولا يجوز أن تدفع زكاة الفطر نقوداً بأي حال من الأحوال, قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: ((إن زكاة الفطر لا تدفع إلا قوتاً ولا تدفع نقودا))(3) وفي هذه المسألة نرى أغلبهم قد تركوا مذهبهم وانتقلوا إلى مذهب أبي حنيفة(!) فلا حول ولا قوة إلا بالله، أجتمعوا على الفرار من السنة؟), وذلك ما عليه الإمام أحمد والشافعي وعليه إجماع العلماء المعتبرين(4), لأن السنة تدل على ذلك, و هي لا تخرج إلا من طعام للأدلة التالية:

1- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فرضها من طعام كما في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين )), والعبادات لا يجوز تعدي الشرع فيها بمجرد الاستحسان، فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- فرضها طعمة للمساكين، فإن الدراهم لا تطعم، فالنقود أي الدراهم تُقضى بها الحاجات؛ من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها.

2- فرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من أصناف متعددة مختلفة القيمة، ولو كانت القيمة معتبرة لفرضها من جنس واحد، أو ما يعادله قيمة من الأجناس الأخرى.
3- إخراج زكاة الفطر من غير الطعام مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة -رضي الله عنهم- فيكون مردوداً غير مقبول، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)): أي مردود.
4- إخراجها طعاماً يظهرها ويبينها ويعرفها أهل البيت جميعاً، وفي ذلك إظهار لهذه الشعيرة، أما إخراجها نقداً فيجعلها خفية، وقد يحابي الإنسان نفسه إذا أخرجها نقداً فيقلل قيمتها، ولا تجزئه, فاتباع الشرع هو الخير والبركة وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف.



ملحق: شبهات وجوابها


قد يقول قائل: لا شك أن إخراج زكاة الفطر من طعام هو الأولى, ولكن الناس الآن يفضلون زكاة الفطر نقوداً بدلاً من الطعام؛ لأنه أنفع لهم.

جواب الشبهة: تستطيع يا أخي دفعها طعاماً والفقير إذا شاء باع هذا الطعام وانتفع بثمنه، أما المزكي فلابد أن يدفعها من الطعام, للأدلة السابق ذكرها.

قد يقول قائل: إن إخراج الطعام لا ينتفع به الفقير! ولن يأخذه منك في هذا الزمن!

جواب الشبهة: الفقير إذا كان فقيراً حقًّا لابد أن ينتفع بالطعام ولن يرده.

قد يقول قائل: في بعض البلاد يُلزم الناس بإخراج زكاة الفطر دراهم، فما الحكم؟

الجواب: إذا أُجبر الإنسان على إخراج زكاة الفطر دراهم فليعطها إياهم، ولا يبارز بمعصية ولاة الأمور، لكن فيما بينه وبين الله يخرج ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فيخرج صاعاً من طعام؛ لأن إلزامهم للناس بأن يخرجوا من الدراهم إلزام بما لم يشرعه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحينئذ يجب عليك أن تقضي ما تعتقد أنه هو الواجب عليك، فتخرجها من الطعام، واعظ ما ألزمت به من الدراهم ولا تبارز ولاة الأمور بالمعصية.


هذا وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياكم في رياض الجنان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



--------------------------------------------------------------------------------
1) رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري .
2) صححه الألباني -رحمه الله تعالى- في تخريج أحاديث مشكلة الفقر .
3) سبحان الله! بعض الدول التي يتعصب فقهاؤها للمذهب المالكي، تبقى تقنعه إلى ما شاء الله أن الأمر الفلاني مخالف للسنة وأن الحديث الصحيح ثبت بخلافه، فيبقى متشبتاً متعصباً وما يكون ردُّه إلا أنَّ الإمام مالكاً قال بهذا، ونحن مالكيون، وهل أنت أعلم من الإمام مالك؟(! .
4) وفي الموسوعة الفقهية "صدقة الفطر": " ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنَّه لا يجوز دفع القيمة، لأنه لم رد نص بذلك، ولأنَّ القيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا هن تراض منهم، وليس لصدفة الفطر مالك معين حتى يجوز رضاه أو إبراؤه." فأقول: سبحان الله لو كان دفع القيمة جائزاً بل أولى كما يقول الحنفية وبعض من تبعهم من الخلف المتشدقين قائلين: "ذلك ييسر للفقير أن يشتري أي شئ يريده في يوم العيد لأنه قد لا يكون محتاجاً إلى الحبوب بل محتاجاً إلى الملابس أو اللحم أو غير ذلك فإعطاؤه الحبوب يضطره إلى أن يطوف بالشوراع ليجد من يشتري منه الحبوب بل قد يبيعها بثمن بخس أقلَّ من قيمتها الحقيقية"، فالرد على كلامهم هذا أن سبحان الله! هل كان هذا خافياً على الصحابة والرسول -صلى الله عليه وسلَّم-؟! أم هل الظروف تختلف بأن الناس في ذلك الوقت كانوا لا يتعاملون بالنقود؟! لا، لقد كان الحال كالحال، ولكن لم يفعلوا.. فيسعنا ما وسعهم لأننا لسنا أعلم وأفقه منهم، "ولو كان خيراً لسبقونا إليه"، ولا نقدم بين يدي الله ورسوله فالعبادات الأصل فيها التوقيف إلاًّ بدليل،فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم...، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .