إن حادثـة الهـجـرة العظـيمـة تذكرنا دائماً بالتـاريـخ الهجـري ، الذي هو دلالة على استقلال شخصيتنا ، وأنه ينبغي أن يكون للأمـة شيء تتميز به عن غيرها في كل شؤونها وأحوالها ، فكما أنه لها قبلتهـا وشريعتها وهيئة مخصوصة في صلواتها وصيامها وحجها ، فإنه ينبغي أن يكون لها هيئة مخصوصة في حضارتها الموصولة بالله تعالى ، وفي ثقافتهـا القائمة على دينها وتراثها .
ومن الخصائص المهمة للثقافة التأريخ الذي من جهله جهـل حاضـره ومستقبله ، والتاريخ ضبطه آباؤنا وأجدادنا بالتاريخ الهجري المجيـد ، الذي توارثه المسـلمون كابراً عن كابر وخلفـاً عن سلف ، حتى بُلينا بالاستخراب – الاستعمار – الذي غير التأريخ في جملة ما غيره .
والعجيب أن أمة الإسلام العريضة اليوم يجهل أكثر أبنائها هذا التاريخ ، ومن جملة ما يجهلونه منه التأريخ بالشهـور الهجرية ، إذ قد مررت على الناس في بلدان متعددة من المحيط إلى المحيط فإذا بالفاجعة المؤلمة : إنهم لا يكادون يفقهـون شيئاً من هذا التاريخ ، بل إن أكثرهم لا يعلم في أي شهر هجري هو ، ولولا أن ربط الله تعالى شعائر من الدين ببعض الشهور والأيام لاندثر التاريخ الهجري تماماً ، إنا لله وإنا إليه راجعون .
وبعض الناس يتساءل بغفلة : ما الفرق بين أن نعتمد التاريخ الهجري أو الميلادي ؟ ثم أليس هذا يعتمد على القمر وذاك على الشمس وكلاهمـا من مخلوقات الله ؟ وفي هذا التساؤل خبث ظاهر أو غلبة جهل وغفلة ، إذ أن كثيراً من عباداتنا مفروضها ومسنونها يقوم على معرفة الشهـور الهجرية ، وهو – أي التقويم الهجري – دلالة على تميزنا واعتزازنا بكل ما يمت لديننا بصلة ، وإلا ما الذي دعا عمر الفاروق الملهم إلى أن يجمع الصحابة ليضعوا التاريخ الهجري في حادثة فريدة عزيـزة ؟! ألم يكونوا يستطيعون الاكتفاء بتاريخ أمة من الأمم الحضارية آنذاك لكنه الحرص منهم على التميز والاستقلال في كل شيء ، رضي الله عنهم ، هذا ولا مانع من استعمال التأريخين معاً على أن يكون للتاريخ الهجري السبق في الذكر والاعتناء فقد غلبت البلية بمثقفينا حتى أن أكثرهم لا يذكـرون التأريخ الهجري ولا يعيرونه أدنى اهتمام ، والله المستعان .
---------------------------------------------------------------------

منقول