إلى أغلى ما أملك !! إليكِ أنتِ كلمات لا أحسبها إلا ممزوجةً بالصدق وبعبارات لا تنقصها الصراحة لأنني مللت الإنتظار يا من سكنت داخلي بغير حول مني ولا قوَّة فأصبحتِ سرّ حياتي .. صحيح أنني لا أراكِ .. لا أسمعكِ .. ولكنني أُحس بكي في كل نبضٍ من نبضات قلبي .. في كل نَفَسٍ يخرج من صدري .. في كل حركةٍ من حركاتي .. إذا لم أصارحكي فما فائدة صدقي مع الناس ؟؟ وإذا لم أصدُقكي فلا خير فيَّ كإنسان .. فرصتي في هذه الحياة واحدة فخسارٌ علي أن أتركها تضيع من بين يدي .. وفرصتي معكِ أنتي أيضاً واحدة فإن تركتكِ تضيعين وتنساقين لهواكِ فستضيعين ويضيع منّي كل شيء .. أعرف أنكي تركضين وتركضين .. تلهثين .. تبحثين .. كغيركِ .. عن السعادة .. عن الراحة .. عن الطمأنينة .. ومازلتِ حتى هذه اللحظة وراءها تركضين وخلفها تلهثين ولها تطلبين .. بحثتي عنها في متع الدنيا .. في متطلبات الجسد .. في غير ما أحل الله .. فهل وجدتِها ؟؟ ... نعم وجدتِها في تلك اللحظات ولكن .. كيف صار حالكِ بعدها ؟؟ ... أتـذكُـريـن حالكِ بعدها يوم أصابني ذلك الهمُّ العميق والضيق الشديد .. تلك هي سُنَّة الله (( وَمَن أَعرَضَ عَنْ ذِكريْ فإنَّ لَهُ مَعِيِشَةً ضَنكا )) .. أنظري .. كل الناس تتكلّم .. كل الناس تضحك .. كل الناس تأكل وتشرب وتنام وتتمتّع .. ولكن شتّان بين هذا وذاك .. شتّان بين من يتمتّع ويأكل ويشرب بالحلال وينام وهو مرتاح النفس مطمأن البال .. وبين من لا همَّ له إلا كيف يتمتّع ؟؟ بالحلال أم بالحرام .. لايهم !! المهم عنده أن يتمتّع .. سبحان الله ... إن الدنيا كلها .. بملذاتها وشهواتها ونعيمها وأقصى ما يمكن للإنسان أن يبلغه فيها لا تساوي مثقال ذرةً من لذّةً يجدها العبد في الــجــنَّــة قال صلى الله عليه وسلّم : (( والله ما الدنيا في الآخرةِ إلاَّ مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذهِ - وأشار بالسبَّابة - في اليَمّ - أي البحر - فلينّظر بما يرجع )) .
فهل يحق لكِ وأنتِ منّي أن تستبدلي الذي هو أدنى باللذي هو خير ؟؟
فتتلذّذي بالخزي والعار ومعصية الجبَّار .. وتلهثي خلف لحمٍ شهيٍ مسموم يعقبه مَغَصٌ مذموم مطيٌ بالنار ؟؟ ... هل يحقُ لكِ أن تبيعي لذّةً أبديةً بشهوة وقتية ربما خُتِمَ على قلبي بسببها .. ألم تتذكّري قول الشاعر :
تفنى اللذاذةَ ممن نال صفوتها ***** من الحرامِ ويبقى الإثمُ والعرُ تبقى عواقبُ سوءٍ من مغبّتها ***** لا خير في لذةٍ من بعدها النارُ
أم أنكِ تناسيتِ (( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى<40> فإن الجنَّة هي المأوى<41> ))
أتذكُرين كم زينتِ لي من قبيح ؟؟ وكم هوّنتِ علي من معصيةً ؟؟ وكم أغريتيني بشهوة ؟؟ نعم .. فكم أغريتيني بشهوةٍ في الخلوات !! وكم هونتِ علي ركوب المحرمات !! وكم زيّنتِ لي شؤم النظرات !! أتذكرين كم أشغلتني عن القرآن المنزّل بمغنًّ يتغزّل ؟؟ فيما خرجتُ من هذا كله ؟؟ وما الذي جنيت ؟؟ ذنوب في إثر ذنوب وسيئات تتبعها سيئات .. وبعدٌ عن رب الإرضِ والسماوات ..
يا سبحان الله .. يتودد إليَّ ربّي بالنعم وأُبارزه بالمعاصي .. وكأنه لا يراني ولا يعلم سرّي ومكاني .. كأن كلامي كله ليس مكتوب وفعلي ليس محسوب .. بل كأني غداً بين يدي الله لست مطلوب (( وإن كلٌ من في السماواتِ والأرض إلاَّ آَتي الرحمن عبداً <93> لقد أحصاهم وعدَّهم عدَّاً < 94> وكلّهُمْ آتيهِ يومَ القيامةِ فرداً<95> )) .
إعتدت بسببكِ الغفلة فيا بئس ما إعتده .. وألفتُ العجزَ فيا قبح ما ألِفته .. فكم حيَّ على الصلاة قد ذهب صوتها كأني والله ما سمعتها ؟؟ ... وكم دمعة تائب جرت تمنيتُ لو كان على خدّي جريانها ؟؟ ... ومع هذا كله لا آراكِ عن مكانكِ تتحركين ولا بالمواعضِ تعتبرين !! رأيتُ أصحاب القلوب الرقيقةِ فتمنيتُ لو كنت مثلهم .. تأملتُ أحوال العابدين المطمأنين فغبطتهم على عيشهم .. وقرأتُ أخبار السابقين بالخيراتِ فدعوت الله أن يحشرني معهم .... إستأثروا واللهِ بلذة الدنيا والآخرة !! شدّوا الرحال فمنهم من بلغ فهو في النعيم مقيم .. ومنهم من حذا حذوهم فهو على الطريق مستقيم ...
أتذكّر حال سيد الخلق وخير من وطيء الثرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم وكيف كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم واليلة أكثر من مِائة مرة وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ... تفكّرتُ في صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ... تفكرتُ في حال بعض السلف .. وكيف لم تفته تكبيرة الإحرام أربــعــيــن ســنــة !! وكيف كان بعضهم إذا قام إلى الصلاةِ يتغيَّر لونه فيقال له : وما بالك يرحمك الله ؟؟ فيقول : بين يدي من سأقوم ؟؟ ... تفكرتُ في حالهم وتذكّرت أعمالهم ثم تسائلت .. أين أنا منهم ؟؟ .. وأين أنتي عنهم ؟؟
هم قوم قد أوقفهم القرآن ، وحال بينهم وبين هلكتهم .. ترى أحدهم كالأسير في الدنيا ، يسعى إلى فكاكِ رقبته ، ويعلم يقيناً أن سبب إيجاد الله له في هذه البسيطة لعبادته قال سبحانه (( وماخلقت الجن والإنس إلاَّ لعبدون )) إذاً يعبدون الله ولا يأمنون شيئاً حتى يلاقوه ..
حاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا .. ووزنوا أعمالهم قبل أن يوزنوا .. وحرصوا على الإستعداد للعرض الأكبر على الله .. وقد وجّهوا لــلــجــنّــة القوافل .. وإتخذوا أنفسهم مطايا .. وصالح الأعمال إليها رواحل .. فــــــيــــــا نــــــفـــــس ... أعلم أنكِ خنقتكِ العبرةٌ وبدأتَ تفيقين .. إذاً كيف أنتِ منّي غداً وقد رأيتِ ركبهم يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ؟؟ ... كيف بكِ وقد حيل بيني وبينهم ؟؟ ... هل سينفع الندم ؟؟ ... وهل ستغني الحسرات ؟؟ ... أم هل سينفع طلب الرجوع عند الممات ؟؟ ... يَــــانَــــفـــــــسٌ .. أما نظرتِ وإعتبرتِ بمن هم تحت الثرى من أهل الدنيا !! كيف كانوا وكيف صاروا ؟؟ ... جمعوا كثيراً فصار جمعهم بوراً !! وبنوا مشيداً فأصبح بنيانهم قبوراً !! وأمَّلـوا بـــــــــــــعــــــــــــــــــــيـــــــــــــد اً فبات أملُهم غرورا ؟؟
أفتظنين يــــــــــــــــــانـــــــــــــــــفـــــــــــ ـــسٌ أنهم دُعـوا إلى الآخرة وأنتِ من المخلَّدين ؟؟ أو أنهم أُخِذوا بغتةً وأنتِ من الآمنين ... لكن الحمد لله أنكِ لم تموتي على ذلك والحمد للهِ أنك أفقتِ وتذكّرتي قول الله تعالى (( إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فآولائك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم .. )) فإستغفرتي وحمدتي الله أنكِ لم تستمرّي في الضياع وتضيّعيني معكي ... والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات >
كتبه الأخ الفاضل ...الــمــنــاصح .
منقول.
الروابط المفضلة