تنبيه الغافلين إلى مخالفة المشركين ( للشيخ الألباني رحمه الله )
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره . ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ).
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) .
أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
هذه رسالة مأخوذة من كتاب " جلباب المرأة المسلمة " للشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى , وسيقوم الأخ فراس بن محمد بجمع كل ما قاله الشيخ الألباني رحمه الله أو كتبه عن مخالفة المشركين في رسالة جزاه الله خيرا وبارك الله في جهده .
قال الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني .. رحمه الله تعالى :
لما تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين ---– -رجالاً ونساء --- التشبه بالكفار سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم بهم – وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم مع الأسف كثير من المسلمين --– حتى الذين يعنون بأمور الدين والدعوة إليه -– جهلاً بدينهم ، أو تبعاًً لأهوائهم ، أو انحرافاً مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوربا الكافرة ، حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم ، وسيطرة الأجانب عليهم ، واستعمارهم ( إنَّ الله لا يُغير ما بقوم ٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم ) {الرعد :11} لو كان يعلمون . وينبغي أن يعلم أن الأدلة على صحة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة ، وإن كانت أدلة الكتاب مجملة ؛ فالسنة تفسرها وتبينها كما هو شأنها دائماً .
فمن الآيات :
1- قوله تعالى : ( ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ثم جعلناك من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) . {الجاثية :16_ 18} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "الاقتضاء " (ص8) : " أخبر سبحانه وتعالى أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا ، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض ، ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر شرعها له وأمره باتباعها ، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون ، وقد دخل في ( الذين لا يعلمون ) كل من خالف شريعته . و( أهواؤهم ) : هو ما يهوونه ، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر ، الذي هو من موجبات دينهم الباطل ، وتوابع ذلك فهم يهوونه . وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه . ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به ، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك .
ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم ، فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم في أهوائهم ، وأعون على حصول مرضاة الله في تركها ، وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره فإن " من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه " ، وأي الأمرين كان ؛ حصل المقصود في الجملة ، وإن كان الأول أظهر .
ومن هذا الباب قوله تعالى في { الرعد :36 _ 37 } :
2- ( والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعوا وإليه مآب وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله ولي ولا واقٍ ).
والضمير في ( أهواءهم ) يعود _ والله أعلم _ إلى ما تقدم ذكره _ وهم الأحزاب الذين ينكرون بعضه فدخل في ذلك كل من أنكر شيئاً من القرآن من يهودي أو نصراني أو غيرهما وقد قال تعالى : ( ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ) { الرعد :37 } ، ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم ؛ اتباع لأهوائهم ، بل يحصل اتباع أهوائهم بما هـو دون ذلك " .
وقال الله تعالى في { الحديد :16 } :
3- ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) .
قال شيخ الإسلام في الاقتضاء (ص43) :
" فقوله : ( ولا تكونوا ) نهي مطلق عن مشابهتهم ، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم ، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي" .
وقال ابن كثير عند تفسير هذه الآية (4/310) :
" ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية " .
ومن ذلك قول الله تعالى في { البقرة :104 } :
4- ( يا آيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ) .
قال الحافظ ابن كثير (1/148) :
" نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام مافيه تورية لما يقصدونه من التنقيص ؛ عليهم لعائن الله .
فإذا أرادوا أن يقولوا : اسمع لنا ، قالوا : راعنا ، ويورون بالرعونة ، كما قال الله تعالى : ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً بألسنتهم وطعناً في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) . النســاء :46 .
وكذلك جاءت الأحاديث بالإِخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون : " السام عليكم " والسام هو الموت ، ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ " وعليكم " ، وإنما يستجاب لنا فيهم ، ولا يستجاب لهم علينا ، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولاً وفعلاً " .
وقال شيخ الإسلام عند هذه الآية ما مختصره في " الاقتضاء" (ص22) : " قال قتادة وغيره : كانت اليهود تقوله استهزاءً ، فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم ، وقال أيضاً : كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : راعنا سمعك ، يستهزئون بذلك ، وكانت في اليهود قبيحة . فهذا يبين أن هذه الكلمة نُهي َ المسلمون عن قولها ، لأن اليهود كانوا يقولونها وإن كانت من اليهود قبيحة ، ومن المسلمين لم تكن قبيحة ، لما كان في مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار وتطريقهم إلى بلوغ غرضهم "
وفي الباب آيات أُخرى ، وفيما ذكرنا كفاية ، فمن شاء الوقوف عليها فلينظرها في " الاقتضاء " (ص 8 _14 و22و42 ) .
فتبين من الآيات المتقدمة أن ترك هدي الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم ، من المقاصد والغايات التي أسسها وجاء بها القرآن الكريم ، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بيان ذلك وتفصيله للأمة ، وحققه في أُمور كثيرة من فروع الشريعة ، حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وشعروا أنه عليه الصلاة السلام يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم ، كما روى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه :
" إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ، ولم يجامعوها في البيوت ، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النسـاء في المحيض .. ) إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " ، فبلغ ذلك اليهود ، فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن حضير ، وعباد بن بشر ، فقالا : يا رسول الله ! إن اليهود تقول كذا وكذا ، أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما ، فخرجا ، فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل في آثارهما ، فسقاهما ، فعرفاً أنه لم يجد عليهما "
تخريج الحديث :
أخرجه مسلم (1/169) ، وأبو عوانة (1/311-312) في " صحيحهما " وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " . وقد أخرجه غيرهم ، وتكلمنا عليه في " صحيح سنن أبي داود " (رقم 250) .
فقه الحديث :
قال شيخ الإسلام في " الاقتضاء " : " فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود ، بل على أنه خالفهم في عامة أمورهم حتى قالوا : " ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه " .
ثم إن المخالفة _ كما سنبينه _ تارة تكون في أصل الحكم ، وتارة في وصفه ، ومجانبة الحائض لم يخالفوا في أصله ، بل خولفوا في وصفه ، حيث شرع الله مقاربة الحائض في غير محل الأذى فلما أراد بعض الصحابة أن يتعدى في المخالفة إلى ترك ما شرعه الله ، تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهذا الباب باب الطهارة كان على اليهود فيه أغلال عظيمة فابتدع النصارى ترك ذلك كله حتى أنهم لا ينجسون شيئاً بلا شرع من الله ، فهدى الله الأمة الوسط بما شرعه لها إلى الوسط من ذلك ، وإن كان ما كان عليه اليهود كان أيضاً مشروعاً ، فاجتناب ما لم يشرع الله اجتنابه مقاربة لليهود ، وملابسة ما شرع الله اجتنابه مقاربة للنصارى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
وأما السـنة فالنصوص فيها كثيرة طيبة في تأييد القاعدة المتقدمة ، وهي لا تنحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة كالصلاة مثلاً ، بل قد تعدتها إلى غيرها من العبادات والآداب والاجتماعيات والعادات ، وهي بيان وتفصيل لما أجمل في الآيات السابقة ونحوها كما قدمت الإشارة إليه .
يتبع 00000
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما على الأرض رجل يقول لا اله الا الله , والله أكبر , وسبحان الله , والحمد لله , ولا حول ولا قوة الا بالله , الا كفرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر )) رواه الترمذي
الروابط المفضلة