حقيقة الموت

الموت هو: انقطاع ، ومفارقة ، وحيلولة ، وتبدل حال ، وانتقال من دار إلى دار. عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كانت بين يديه صلى الله عليه وسلم رَكْوَة أو علبة فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء ، فيمسح بهما وجهه ويقول : [ لا إله إلا الله ، إن للموت لَسَكرات ] ، ثم نصب يديه فجعل يقول :
[ في الرفيق الأعلى ] حتى قُبض ومالت يده [ رواه البخاري ] . وقولها أيضاً : [ ما أغبط أحداً بِهَونِ مَوْتٍ بعد الذي رأيتُ من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ] [رواه الترمذي] .
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فإذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء والمرسلين ، والأولياء والمتقين ، فما لنا عن ذكره مشغولون ؟ وعن الاستعداد له متخلفون ؟ ( قل هو نبأ عظيم* أنتم عنه مُعرضون ) [ ص:67 -68 ] وأكتفي بحديث البراء بن عازب رضي الله عنه المشهور ؛ الجامع لأحوال الموتى عند قبض أرواحهم ، وفي قبورهم ونصه :
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ، ولما يُلْحَد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير ، وفي يده عودٌ يِنكُت به في الأرض ، فرفع رأسه فقال: [ استعيذوا بالله من عذاب القبر ] مرتين أو ثلاثاً ، ثم قال : [ إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء ، بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مدَّ البصر ، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام ، حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الطيبة ! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فيأخذها ، فإذا أخذها ، لم يَدَعوها في يده طَرْفة عين حتى يأخذوها ، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال : فيصعدون بها ، فلا يمرون - يعني بها - على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟! فيقولون : فلان بن فلان - بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا - حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ، فيفتح لهم ، فيشَّيعه من كل سماء مقرَّبوها إلى السماء التي تليها ، حتى يُنتهى به إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في علّيين ، وأعيدوه إلى الأرض ؛ فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى .
قال : "فتُعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملَكان، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله. فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان له : وما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدَّقت . فينادي منادٍ من السماء : أنْ صدق عبدي ، فأفَرْشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له باباً إلى الجنة ] قال : [ فيأتيه من رَوْحها وطيبها ، فَيُفْسَحُ لَهُ في قبره مد بصره ] ، قال : [ ويأتيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرّك ، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير . فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : رب أقم الساعة ! ربَّ أقم الساعة ! حتى أرجع إلى أهلي ومالي ] .
قال : [ وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ( يعني الكفن ) ، فيجلسون منه مدَّ البصر ، ثم يجيء ملك الموت ، حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ! اخرجي إلى سخط من الله ] قال : [ فتُفَرَّق في جسده ، فينتزعها كما يُنْتَزَع السَّفُّود ( حديدة معقفة ذات شعب ) من الصوف المبلول ، فيأخذها . فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ، حتى يجعلوها في تلك المسوح ، وتخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة ، إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان بن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا - حتى يُنتهى به إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له فلا يفتح له ] ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا تُفتَّح لهم أبوابُ السماء ولا يدخلون الجنة حتى يَلج الجمل في سَمَّ الخِياط) [ الأعراف 40 ] فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سِجّين ، في الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ :
( ومَنْ يُشركْ بالله فكأنما خرَّ من السماء فَتَخْطَفُه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) ، [ الحج 31 ] "فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فينادي منادٍ من السماء : أن كذب ، فَأفرشوه من النار ، وافتحوا له باباً إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر . فيقول : أنا عملك الخبيث. فيقول : رب ! لا تُقِمْ الساعة ] .
وفي رواية نحوه ، وزاد فيه : [ إذا خرجت روحه ( يعني المؤمن ) صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يُعَرج بروحه من قِبلهم . وتنزع نفسه - يعني الكافر - مع العروق ، فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماء ، وتغلق أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا يعرج روحه من قبلهم ] [ رواه أحمد في مسنده ].
منقول
http://www.islamweb.net/family/death/death1.htm