بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركات
من الآفات والامراض الخطيرة التي تصيب بعض الناس العُجب
وللاسف الشديد تجد الانسان يشعر بالتمـيّز، والافتخار بالنفس، والفرح بأحوالها، وبما يصدر عنها من أقوال وأفعال، محمودة أو مذمومة
فيزهو بنفسه ويستعظم الاعمال ويضيفها الى نفسه مع نسيان إضافتها إلى المُنعم سبحانه وتعالى .
* قال الإمام الغزاليُّ في "إحياء علوم الدين":
"العُجب هو استعظام النعمة والركون إليها، مع نسيان إضافتها إلى المنعم".
وربما طغت آفة العجب على المرء حتى وصل به الحدّ إلى الكفر والخروج من ملة الإسلام
كما هو الحال مع إبليس اللعين ، حيث أعجب بأصله وعبادته ، ودفعه ذلك إلى الكبر وعصيان أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام .
والمعجَب يغترُّ بنفسه وبرأيه، ويأمن مكر الله وعذابه،
ولا يتأثَّر بوعظ غيره، ولا بإرشاده وتوجيهه،
وقـد نهى الله عن تزكية النفس، بمعنى اعتقاد خيريتها، والتمدّح بها فقال: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ}
كما نهى عن المن بالصدقة فقال: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى}
والمن يحصل نتيجة استعظام الصدقة، واستعظام العمل هو العُجب. والإعجاب بالنفس شر،
حيث أنه لا يشعر بما في داخله من العجب
ومن أجل ذلك كـــان مهلكاً بوصف النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «ثلاث مهلكات» ثم ذكرهن: «شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه» .
وقال ابن مسعود رضـي الله عـنـه : (الهلاك في شيئين: العجب والقنوط).. وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب
والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى
.
ومما ورد في جزاء المعجبين قــولــه: « بـيـنـمـا رجل يتبختر، يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة » وفي رواية: « قد أعجبته جمته وبرداه»، فكيف بمن أُعجِبَ بعلمه أو عمله؟
!
أسباب العُجب: ذكر العلماء للعجب سببين رئيسين:
أولهما:
جهل المعجب بحق ربه وقدره، وقلة علمه بأسمائه وصفاته، وضعف تعبده له تعالى بها.
ثانيهما:
الغفلة عن حقيقة النفس، والجهل بطبيعتها وعيوبها، وإهمال محاسبتها.
ويدخل تحتهما: تجاهل النعم، ونسيان الذنوب، واستكثار الطاعات.
ومن الأسباب المهمة أيضاً:
1)
الجهل بما عند الآخرين من علم أو عمل قد يفوق ما عنده كثيراً.
2) النظر إلى من هو دونه في أمور الدين، دون النظر إلى من فاقه وزاد عليه.
3) النشأة في كنف مربٍ به عُجْب، كثير الثناء على نفسه.
4) صحبة بعض أهل العجب
5) الاعتداد بالنسب، أو المكانة الاجتماعية، أو كثرة المال.
6) الافتتان بالدنيا وتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء
7) المبالغة في الانقياد والطاعة، ولو في المعصية.
8) قلة شكر الله عز وجل و عدم تدبر القرآن والسنة النبوية .
علاج العجب:
معالجة أسباب العجب، ومجاهدة النفس على اجتنابها :
أولاً: الحرص على العلم الشرعي
الذي يهذب النفوس، ويصلح القلوب، ويزيد الإيمان؛ فإن الإيمان الكامل والعجب لا يجتمعان. وتحصيل العلم النافع دليل على أن الله أراد بعبده خيراً. ومن الجوانب التي ينبغي العلم بها، والعمل بمقتضاها
1- أسماء الله وصفاته وأفعاله، وحقه في التعظيم الـمورِث للخوف، الذي يطرد العجب قال تعالى : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}
2- وجوب الاخلاص الى الله وتذكّر فضل الله عز وجل على عبده، ونعمه المتوالية
3- افتقار هذه النعم إلى الشكر، وأن العبد مهما شكر فشكره لا يكافئ النعم
4- تذكّر الموت وما يكون بعده من الأهوال التي لا ينفع فيها إلا صالح العمل، والعجب يجعله هباء منثوراً.
5- معرفة حقيقة النفس
6- إدراك عواقب العجب، وأنه طريق إلى الكبر المهلك.وقد يكون طريقا الى الشرك
ثانياً: الحرص على ما يعين على تحصيل ذلك من الإقبال على كتاب الله :
واستلهام الفهم منه، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيرة السلف الصالحين، ومجالسة العلماء والدعاة الصادقين، والأخذ من علومهم
.
ثالثاً: دور الدعاة والمربين، والذي يتمثل فيما يلي
:
1- محاسبة النفس أولاً، وتنقيتها من داء العجب والفخر
2- متابعة البارزين ومن يخشى عليهم العجب، من خلال:
البرامج الإيمانية.
اللقاءات الفردية التي يذكرون فيها بمعاني الإيمان والتواضع.
وأحياناً مصارحة الواحد منهم بما يصدر منه، بأسلوب مناسب.
3- تمكينه من معاشرة الصالحين، وبعض المتواضعين الذين هم أكثر بروزاً في المجتمع، وإبعاده صحبة المعجبين.
رابعاً: اتباع الآداب الشرعية في المدح والثناء، والتوقير والاحترام، والطاعة والانقياد
خامساً: التأكيد على المسؤولية الفردية في محاسبة النفس ومتابعتها
قال عز وجل {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِـي الأَرْضِ وَلا فَــسَـــاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}
وقال {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر »
وتتوالى أقوال النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً من الكبر والخيلاء، ومنها: « من تعظّم في نفسه واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان » .
الروابط المفضلة