((رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب و الأبصار " لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بدر أراد سعد بن خيثمة و أبوه جميعاً الخروج معه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم ، فأمر أن يخرج أحدهما فاستهما ( أجريا القرعة بينهما )
فقال خيثمة لأبنه سعد – رضى الله عنهما – إنه لابد لأحدنا من أن يقم ، فأقم مع
نسائك فقال سعد : لو كان غير الجنة لآثرتك به ، إنى أرجو الشهادة فى وجهي هذا ، فاستهما فخرج سهم سعد فخرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقتله عمرو بن عبد ود
" و حكى سعد – رضى الله عنه –
قال : رأيت أخي عمير بن أبى وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر يتواري ، فقلت : ما لك يا أخي ؟ قال : إنى أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه و سلم فيستصغرني فيردني و أنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة ، قال : فعرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم فرده ، فبكى فأجازه ، فكان سعد – رضى الله عنه – يقول : فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل و هو ابن ست عشرة سنة ، و قال عمر – رضى الله عنه – يوم أحد لأخيه : خذ الدرع يا أخي ، قال : أريد من الشهادة مثل الذى تريد فتركاها جميعاً ، و حكى عن جعفر بن أبى طالب – رضى الله عنه – يوم مؤته أنه نزل عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل القوم حتى قتل و هو يقول :
طيبة و بارد شرابها يا جند الجنة و اقترابها
كافرة بعيدة أنسابها و الروم روم قد دنا عذابها
على إذ لاقيتها ضرابها
و لما فقدت الخنساء أولادها الأربعة –
يوم القادسية ما لطمت خداً ولا شقت جيباً ، ولا أصيبت بالاكتئاب و ما زادت على قولها : الحمد لله الذى شرفني بقتلهم و أرجو أن يجمعني بهم فى مستقر رحمته ،
فهذا هو شأن كبارهم و صغارهم و رجالهم و نساءهم فى علو همتهم ، و كانوا يحرصون على تربية أبناءهم على معالي الأمور و لم يخطئ من قال وراء كل عظيم امرأة ،
فها هو الزبير بن العوام – رضى الله عنه – الذى عدل به عمر ألفاً من الرجال يشب فى كنف أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخت أسد الله حمزة ، و هؤلاء العظام عبد الله و المنذر و عروة أبناء الزبير – رضى الله عنهم جميعاً – كلهم ثمرات أمهم ذات النطاقين أسماء بنت أبى بكر – رضى الله عنهما – و ما زالت كلمتها المشهورة ترن فى الأسماع عندما جاءها ولدها عبد الله متخوفاً من التمثيل بجثته ، قالت له : إن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها ،
و قد حفظ التاريخ قول السيدة فاطمة بنت أسد لابنها عقيل بن أبى طالب أنت تكون ماجد نبيل إذا تهب شمال بليل ، فنشأ رضى الله عنه – عالي الهمة قوى الشكيمة لا يخشى فى الحق لومة لائم ، و كان على بن أبى طالب يقول : أنا الذى سمتني أمي حيدرة ( اسم من أسماء الأسد ) . و كان معاوية إذا نوزع الفخر يقول : أنا ابن هند ، فقد غرست فيه روح السيادة و علو الهمة منذ نعومة أظفاره ، قيل لها و معاوية وليد بين يديها ، إن عاش معاوية ساد قومه ، فقالت أمه هند : ثكلته إن لم يسد إلا قومه . و الفارق كبير بين من يتربى على شهوات البطون و الفروج و متابعة الموضات و الرقصات و الأغنيات و الأفلام و الأدب الغريزي و أدب الجنس و تسريحات الشعر ......
. و بين من تربى على العلم النافع و العمل الصالح و كل مقدمة لها نتيجة و كل عقيدة لها تأثير ، فارق كبير بين من يعيش حياة اللعب و يتخذ الفلاسفة و الملاحدة أسوة و قدوة و بين من اتخذ الله ربا و الإسلام ديناً و محمد صلى الله عليه و سلم نبياً ، و كل إناء بما فيه ينضح ، إن الأنبياء و المرسلين هم القمة فى علو الهمة تقرأ عن نبى الله إبراهيم أنه قال " إنى ذاهب إلى ربى سيهدين " و نبى الله لوط يقول " إنى مهاجر إلى ربى " و نبى الله موسى يقول " و عجلت إليك ربى لترضى " و سيرة سيد الأولين و الأخرين و أعظم من علت همته من الخلق أجمعين كانت ناطقة بأنهم لو جعلوا الشمس فى يمينه و القمر فى يساره على أن يترك دين الله ما تركه حتى يظهره الله أو يهلك دونه ، أوذي فى الله و ما أوذي أحد و مات يوم مات و هو سيد الأولين و الأخرين ، صلوات الله و سلامه عليه – و أتباع الأنبياء عندهم من علو الهمة ما هو على قدر إيمانهم و يقينهم ، كصاحب يس و مؤمن آل فرعون و أصحاب الكهف و عبد الله الغلام و آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون .............
هذا هو المنهج الذى ننشده فى تحقيق علو الهمة لا الزيف و الإدعاء الذى يكرس للانحطاط و التدنى و يزداد به عوج الحياة ، إن التحديات كثيرة و نحن بحاجة لإقامة حضارة على منهاج النبوة و إقامة دولة عالمية تقيم الحق فى الخلق و تنتشل البشرية من وهدتها و كبوتها فكان لابد من الارتفاع لمستوى الإسلام و الدين و التخلي عن سفساف الأمور ، قيل لأحد العلماء : إن عندنا شغيله ، فقال : اطلبوا لها رجيله ، و على قدر أهل العزم تأتى الزائم ، و الله الموفق و المسدد و هو المستعان و عليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الروابط المفضلة