543 - 6 - مسألة : سئل شيخ الإسلام رحمه الله , عن الفرق بين الطلاق , والحلف وإيضاح الحكم في ذلك ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله , وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم . الصيغ التي يتكلم بها الناس في الطلاق والعتاق والنذر والظهار والحرام , ثلاثة أنواع : النوع الأول : صيغة التنجيز , مثل أن يقول : امرأتي طالق . أو : أنت طالق .
أو : فلانة طالق . أو هي مطلقة . ونحو ذلك : فهذا يقع به الطلاق , ولا تنفع فيه الكفارة بإجماع المسلمين . ومن قال : إن هذا فيه كفارة فإنه يستتاب , فإن تاب وإلا قتل . وكذلك إذا قال : عبدي حر . أو علي صيام شهر . أو : عتق رقبة . أو : الحل علي حرام . أو : أنت علي كظهر أمي ; فهذه كلها إيقاعات لهذه العقود بصيغ التنجيز والإطلاق . < 234 >
والنوع الثاني : أن يحلف بذلك , فيقول : الطلاق يلزمني لأفعلن كذا . أو لا أفعل كذا . أو يحلف على غيره - كعبده وصديقه الذي يرى أنه يبر قسمه - ليفعلن كذا . أو لا يفعل كذا . أو يقول : الحل علي حرام لأفعلن كذا . أو لا أفعله . أو يقول : علي الحج لأفعلن كذا . أو لا أفعله , ونحو ذلك : فهذه صيغ قسم , وهو حالف بهذه الأمور ; لا موقع لها . وللعلماء في هذه الأيمان ثلاثة أقوال : أحدها : إنه إذا حنث لزمه ما حلف به . والثاني : لا يلزمه شيء . والثالث : يلزمه كفارة يمين .
ومن العلماء من فرق بين الحلف والطلاق والعتاق وغيرها . والقول الثالث أظهر الأقوال ; لأن الله تعالى قال : { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } . وقال : { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم , وغيره , من حديث أبي هريرة , وعدي بن حاتم , وأبي موسى , أنه قال : { ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها , فليأت الذي هو خير , وليكفر عن يمينه } . وجاء هذا المعنى في الصحيحين من حديث أبي هريرة , وأبي موسى ; وعبد الرحمن بن سمرة .
وهذا يعم جميع أيمان المسلمين , فمن حلف بيمين من أيمان المسلمين وحنث أجزأته كفارة يمين . ومن حلف بأيمان الشرك : مثل أن يحلف بتربة أبيه ; أو الكعبة , أو نعمة السلطان , أو حياة الشيخ , أو غير ذلك من المخلوقات : فهذه اليمين غير منعقدة , ولا كفارة فيها إذا حنث باتفاق أهل العلم .
والنوع الثالث : من الصيغ : أن يعلق الطلاق أو العتاق أو النذر بشرط ; فيقول : إن كان كذا فعلي الطلاق . أو الحج . أو فعبيدي أحرار . ونحو ذلك : فهذا ينظر إلى مقصوده , فإن كان مقصوده أن يحلف بذلك ليس غرضه وقوع هذه الأمور - كمن ليس غرضه وقوع الطلاق إذا وقع الشرط - فحكمه حكم الحالف ; وهو من باب اليمين .
وأما إن كان مقصوده وقوع هذه الأمور : كمن غرضه وقوع الطلاق عند وقوع < 235 > الشرط : مثل أن يقول لامرأته : إن أبرأتني من طلاقك فأنت طالق . فتبرئه . أو يكون غرضه أنها إذا فعلت فاحشة أن يطلقها , فيقول : إذا فعلت كذا فأنت طالق ; بخلاف من كان غرضه أن يحلف عليها ليمنعها ; ولو فعلته لم يكن له غرض في طلاقها , فإنها تارة يكون طلاقها أكره إليه من الشرط , فيكون حالفا . وتارة يكون الشرط المكروه أكره إليه من طلاقها . فيكون موقعا للطلاق إذا وجد ذلك الشرط , فهذا يقع به الطلاق , وكذلك إن قال : إن شفى الله مريضي فعلي صوم شهر , فشفي , فإنه يلزمه الصوم .
فالأصل في هذا : أن ينظر إلى مراد المتكلم ومقصوده , فإن كان غرضه أن تقع هذه الأمور وقعت منجزة أو معلقة إذا قصد وقوعها عند وقوع الشرط . وإن كان مقصوده أن يحلف بها ; وهو يكره وقوعها إذا حنث وإن وقع الشرط فهذا حالف بها ; لا موقع لها , فيكون قوله من باب اليمين ; لا من باب التطليق , والنذر , فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة , كقوله : إن فعل كذا فأنا يهودي ; أو نصراني , ونسائي طوالق , وعبيدي أحرار , وعلي المشي إلى بيت الله . فهذا ونحوه يمين ; بخلاف من يقصد وقوع الجزاء من ناذر ومطلق ومعلق فإن ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه , وكلاهما ملتزم , لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم وإن وجد الشرط الملزوم , كما إذا قال : إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني , فإن هذا يكره الكفر , ولو وقع الشرط : فهذا حالف . والموقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشرط الملزوم ; سواء كان الشرط مرادا له , أو مكروها , أو غير مراد له : فهذا موقع ليس بحالف .
وكلاهما ملتزم معلق ; لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم .
والفرق بين هذا وهذا ثابت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكابر التابعين , وعليه دل الكتاب والسنة , وهو مذهب جمهور العلماء . كالشافعي , وأحمد , وغيرهما : في تعليق النذر . قالوا : إذا كان مقصوده النذر فقال : لئن شفى الله مريضي فعلي الحج . فهو ناذر إذا شفى الله مريضه لزمه الحج فهذا حالف تجزئه كفارة يمين , ولا حج عليه . وكذلك قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل ابن عمر , وابن عباس , وعائشة , وأم سلمة . وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وغير واحد من الصحابة في من قال : إن فعلت كذا فكل مملوك لي حر . قالوا : " يكفر عن يمينه , ولا يلزمه العتق " .
هذا مع أن العتق طاعة وقربة ; فالطلاق لا يلزمه بطريق الأولى , كما قال ابن عباس رضي الله عنه < 236 > الطلاق عن وطر , والعتق ما ابتغي به وجه الله " . ذكره البخاري في صحيحه . بين ابن عباس أن الطلاق إنما يقع بمن غرضه أن يوقعه ; لا لمن يكره وقوعه , كالحالف به , والمكره عليه , وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : كل يمين وإن عظمت فكفارتها كفارة اليمين بالله . وهذا يتناول جميع الأيمان : من الحلف بالطلاق , والعتاق , والنذر . وغير ذلك . والقول بأن الحالف بالطلاق لا يلزمه الطلاق مذهب خلق كثير من السلف والخلف ; لكن فيهم من لا يلزمه الكفارة : كداود , وأصحابه . ومنهم من يلزمه كفارة يمين : كطاوس , وغيره من السلف والخلف
=============================================
الفتاوى الكبرى لابن تيمية - كتاب الطلاق
------------------
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
" أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت - بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى، وأن لا أنام حتى أوتر ".
هذا لمن لا يغلب على ظنه أنه سيقوم آخر الليل لأن الوتر آخر الليل أفضل. قال صلى الله عليه وسلم : الوتر ركعة من آخر الليل ".
الروابط المفضلة