أين سلطان العلماء ؟!
سلطان العلماء الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام ت 660 هـ
كان - رحمه الله - لا يخشى سلطاناً , ولا يهاب سطوة الملك ,
يتكلم بالحق , ويصدع به , لا تأخذه في الله لومة لائم ,
ينادي سلاطين مصر بأسمائهم في مجالسهم ,
لا يهاب أحداً إلا الله , ولا يخشى مخلوقاً .
وله قصة مع السلطان نجم الدين أيوب
حيث كان هذا السلطان كثيرَ الغضب والمؤاخذة على الذنب , والمعاقبة على الوهم ,
لا يقيل عثرةً , ولا يقبل معذرةً , السيئةُ عنده لا تغتفر ,
كان جباراً متكبراً , شديدَ السطوة ,
كثيرَ التجبر على أصحابه وخواصه , ثقيلَ الوطأة ,
لَم يكونوا يأمنون سطوته , ولا يقدرون على الاحتراز منه ,
وليس من خُلُقِه الميلُ لأحدٍ من أصحابه ولا أهله ولا أولاده , ولا المحبة لهم , ولا الحنو عليهم ...
طلع ابنُ عبد السلام - رحمه الله - مرةً إلى السلطان أيوب في يوم عيد إلى القلعة ,
فشاهد العساكر مصطفين بين يديه , في زينته وأبهته , على عادة السلاطين ,
فالتفت الشيخُ ابن عبد السلام إلى السلطان ,
وناداه : يا أيوب ! ما حُجَّتُكَ عند الله إذا قال لك : ألَم أُبَوّئ لك مُلْكَ مصر , ثم تبيح الخمور ؟!
فقال : هل جرى ذلك ؟
قال : نعم ؛ الحانة الفلانية تباع فيه الخمور وغيرها من المنكرات ,
وأنت تتقلب في نعمةِِ هذه المملكة ! ..
يناديه بأعلى صوته , والعساكرُ واقفون .
فقال : يا سيدي ! هذا ما عملتُه , هذا من زمان أبي .
فقال : أنت من الذين يقولون : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ ) .
فرسمَ السلطانُ بإبطال تلك الحانة .
قال تلميذُه - الباجي - : فسألتُ الشيخَ لَمَّا جاء من عند السلطان ,
وقد شاع الخبرُ : يا سيدي ! كيف الحال ؟
فقال : يا بني , رأيتُه في تلك العظمة , فأردتُ أن أهينَه , لئلا تكبر نفسُه , فتؤذيه .
فقلتُ : يا سيدي , أمَا خفتَه ؟!
فقال : واللهِ يا بني , استحضرتُ هيبةَ الله تعالى , فصار السلطانُ قدَّامي كالقطّ .
طبقات الشافعية لابن السبكي 8 / 211 , طبقات المفسرين للداودي 1/311 .
ولَمَّا توفي الشيخ ابن عبد السلام - رحمه الله - , ومرَّت جنازتُه ,
وشاهد الملكُ الظاهرُ بيبرس كثرةَ الخلقِ الذي معها ,
قال لبعض خواصّه : اليومَ استقرَّ أمري في الملك !
لأنَّ الشيخَ لو قال للناس : اخرجوا عليه , لانْتُزِعَ الملكُ مني ! .
طبقات الشافعية لابن السبكي 8 / 215 , طبقات المفسرين للداودي 1/316 , طبقات الشافعية 2/139 .
الروابط المفضلة