السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
سمعت أحد الدعاة جزاه الله خيراً يضرب مثلاً أعجبني .. قال:
لنفترض أن رب أسرة اضطر للسفر لقضاء عمل ما.. فنأى بابنه البكر جانبا، و وصاه بحفظ البيت في غيابه.. قضاء حوائج أمه و عدم التأخر عنها.. رعاية إخوته الصغار و تلبية طلباتهم.. حفظ أخواته البنات من كل سوء.. السهر على أمن و أمان العائلة أثناء غيابه...
سافر الأب... قضى حاجته.. و قفل عائدا..... ليجد ..... باب البيت مفتوحا على مصراعيه.. زوجته قد توفيت.. الصغار قد ضلوا.. البنات قد تهن...
أمسك بكتف ابنه و خليفته و نهره: أين العهد الذي قد كان بيننا؟؟ ألم أوصيك؟!! ألم أسلمك الأمانة؟!؟ ألم تعدني بحفظها؟؟؟
فاختلطت علامات التعجب و الدهشة و الحزن على وجه الابن.. أمسك بيد أبيه و أسرع متوجها به الى صالة المنزل، ثم أشار الى الحائط حيث علقت في وسطه لوحة مزخرفة، حفرت فيها كلمات وصية الأب بماء الذهب، و قال: هاك يا أبي.. لقد حفظت وصيتك في أعز مكان، و سطرت كلامك بماء الذهب، أناظره و أتلوه في الغدو و الإياب... أوليس هذا حفظا و تكريما للعهد؟؟!!.........
::
فذاك مثل من حفظ القرآن من دون العمل به...
*****
نرى القرآن الكريم اليوم يعامل على أساس أنه "بركة".. تعليقة في السيارة، حلي للزينة, لوحة على الحائط، مصحف صغير تحت الوسادة للحفظ و طرد الأرق، يتلى في المناسبات...... و في أفضل الحالات، يتلى من غير تدبر، أو أنه يحفظ من غير تطبيق لمعانيه..
يقول تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (محمد 24)
القرآن الكريم منهج حياة.. فهم، همة و عمل !
عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة و السلام كان خلقه القرآن. (صحيح الجامع)
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( كنا نحفظ العشر آيات فلا ننتقل إلى ما بعدها حتى نعمل بهن).
و قال محمد بن حنيفة: ( لقد كان فيمن كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فإذا جاء الليل قرؤوها، و إذا جاء النهار عملوا بها)..
*****
فلنقف و نسائل أنفسنا : كيف هو حالنا مع القرآن الكريم؟
نتبرك به؟ فلنستغفر الله و نستذكر الآيات و الأحاديث الكثيرة في فضل القرآن الكريم، و قول الرسول صلى الله عليه و سلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ، ريحها طيب وطعمها طيب . ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة ، لا ريح لها وطعمها حلو..... الحديث) (البخاري و مسلم)
نتلوه و نحاول حفظه؟ جيد، فلنحاول تدبر معانيه..
نتلوه و نحفظ بتدبر؟ جيد جداً، فلنحاول العمل به.. لنكون من حملته فنحيا به..
(إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما و يضع به آخرين) ( رواه مسلم)
*****
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبِنا و نور صدورنا و جلاء أحزاننا و ذهاب همومنا و غمومنا. اللهم ذكرنا منه ما نسينا و علمنا منـه ما جهلنا و ارزقنا حق تلاوته آناء الليل و أطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، و اجعله سائقاً لنا إلى رضوانك وجنتك. اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا. اللهم اجعلنا ممن يحل حلاله و يحرم حرامه، و يعمل بمحكمه. اللهم اجعلنا ممن يقيم حدوده و لا تجعلنا ممن يقيم حروفه و يضيع حدوده. اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك و خاصتك يا أرحم الراحمين..
الروابط المفضلة