كنت في المرة السابقة ذكرت بعض الصفات التي يجب توفرها فيمن يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر مما ورد عن بعض السلف في ذلك
وهنا سأذكر جانب مراعاة المصالح والمفاسد..
وهذا أمر مهم يجب مراعاته فقد قال الإمام أحمد:إن الشرائع إنما جاءت لجلب
المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتعطيلها..
فإذا ترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعطيل مفسدة فقط أو تعطيل مفسدة
وجلب مصلحة محلها أوتعطيل مفسدة وجلب أيسر منها كان الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر واجبا هنا وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أربع حالات للأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر وهي :
1- أن يزول المنكر ولا يخلفه شيء فهنا يكون واجبا
2- أن يزول المنكر ويخلفه منكر أقل منه فيكون أيضا واجبا
3- أن يزول المنكر ويخلفه أعظم منه فهنا يكون محرما
4- أن يزول المنكر ويخلفه منكر مثله فهاهنا موضع اجتهاد فينظر الإنسان ويجتهد لكل
واقعة بما هو أنسب لها....اهـ
وقد يكون عند الإنسان مصلحتان لا يستطيع أن يحصل عليهما معا في نفس الوقت
إن حصل على واحدة فوت الأخرى...فمثلا قد يكون الإنسان مطالب بالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ومطالب بصلاة الجماعة في نفس الوقت فيحتاج لجلب مصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوات صلاة الجماعة (هذا في حالة من الحالات قد يجد
من يفعل المنكر في وقت الصلاة مثلا)ففي هذه الحالة يرجح مصلحة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ولو ترتب على ذلك فوات صلاة الجماعة لأن مصلحة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر أعظم فهي مصلحة متعدية يتعدى نفعها للآخرين ففيها قيام بهذا الأمر
الواجب وهو الإنكار وفيها أخذ على أيدي من يفعلون المنكر ليتركوه وفيها وقاية للمجتمع
من عذاب الله في حالة ترك الإنكار ..بينما مصلحة صلاة الجماعة لا يتعدى نفعها للآخرين
بل يقتصر عليه هو....
وقد تجد أناس جالسين يغتابون المسلمين وأنت تعلم أنك لو أنكرت عليهم قاموا يستهزءون
بالدين وبالصالحين ففي هذه الحالة هناك مفسدتين مفسدة الغيبة ومفسدة الاستهزاء بالدين
وهذا لا شك منكر أعظم بل قد يكون كفر كما قال تعالى(أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون
لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) ففي هذه الحالة يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقد ذكر ابن القيم مثالا لذلك عن شيخه ابن تيمية رحمه الله عندما مر مع تلاميذه على قوم
من التتر يشربون الخمور فهمَّ بعض التلاميذ أن ينكروا عليهم فقال شيخ الإسلام دعوهم...
قالوا لم رحمك الله؟؟!!!...فقال: لأن الله عندما نهى عن شرب الخمر إنما نهى عن ذلك
لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء التتر إنما تصدهم الخمر عن نهب
الأموال وهتك الأعراض فهنا ترك ابن تيمية رحمه الإنكار لأنه يترتب عليه منكر أعظم
وهو نهب الأموال وهتك الأعراض فراعى جانب المصلة والمفسدة
إن مراعاة المصلحة والمفسدة أمر اجتهادي يجتهد فيه المرء حسب استطاعته مستنيرا
بنور الكتاب والسنة ويحرص عند الإنكار على إخلاص النية لله عزوجل
أسأل الله أن يجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر...
(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)

بارك الله فيك أخي

وموضوعك قيم ....

جزاك الله خير اخوي ابو الحسن
بارك الله فيك..