بيت يتصدّع

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الاشواق
    Registered User
    • Dec 2004
    • 187

    بيت يتصدّع

    بسم الله الرحمن الرحيم


    إن صاحب هذه القصة أباح لنا عن مكنونات في صدره منذ أمد بعيد ، فأصر على رواية قصته بنفسه قائلاً :

    كنت بلغتُ من العمر عندها اثنين وعشرين عاماً ، تزوجت مبكراً ، ولدي الآن من البنين ثلاثة ، ومن البنات أربع ، كنت أعيش مع والدي في بيت واحد ، أعمل بائعاً في متجر والدي ، حيث كان يتاجر بالملابس الجاهزة ، فيدر علينا بعض المال نعيش منه ، وبعد الزواج ذهبت باحثاً عن عمل يساعدني على الاستمرارية في الحياة ، ويوفر لي معيشة كريمة ، وكان لي إخوة صغار يسكنون معنا في نفس البيت ، هذا ما جعلني أجد في الطلب لأحصل على عمل ، فيسر الله – عز وجل – لي ما كنت أصبو إليه وكنت أتقاضى أجرة ممتازة مقارنة مع غيري ، فتحسن وضعنا الاقتصادي ، وقمت ببناء بيت مستقل عن والدي وإخوتي ، وكان هذا استجابة لرغبة زوجتي التي ألحت علي كثيراً بالانفصال عن والديَّ وإخوتي الصغار ، فزوجتي – هداها الله – كانت تفتعل مشاكل يومية مع والدتي وإخوتي الصغار لأتفه الأسباب .

    وعلى كل حال انفصلنا عن العائلة ، فارتحت من المشاكل اليومية نوعاً ما ، لأنه كان يؤلمني ما أسمعه من والدتي عما تقوم به زوجتي تجاهها ، رغم أني كنت أنصحها بعدم إثارة أي إساءة تعكر خاطر والدتي ، إلا أنها كانت عنيدة ، وكانت دائماً تظهر بصورة المظلومة وتبكي طويلاً إن حدثتها بهذا الأمر ، مدعيةً أنها تحسن إليهم وهم يسيئون إليها .

    الآن أصبحت أزور والديَّ وإخوتي الصغار كل أسبوع مرة ، بعدما كنت يومياً بجوارهم ، فمنزلي الآن يبعد بعض الشيء عن منزل العائلة ، إلا أنني كنت أشعر بسعادة تغمرني عند عزمي لزيارتهم ، فمشاغلي كثرت ، وهمومي تعددت ، إلا أنني بقيت على هذا الحال وهذا أقل الواجب ، كانوا يسعدون بلقائي الأسبوعي ، ويستقبلونني بكل ترحاب ، وأنا كذلك ، بل كان هذا اليوم حافزاً لي على العطاء والتفاؤل والشعور بالنشوة المستمرة التي تتخلل جوانحي ، فيطيب لها قلبي ، لما لا ؛ فهما أحق الناس بحسن صحبتي في هذه الدار ، ومرت الأيام وانقطعت عن العمل ، وأخذت جاهداً في إيجاد بديل آخر عن هذا العمل ، كي أطلب رزقي ورزق أبنائي ، إلا أن الفرص كانت قليلة ، وكان هذا أمر الله وما لنا إلا التسليم والرضى بقضاء الله ، فنفقاتي ازدادت ، طعام وشراب وكسوة وطلبات الأبناء و الزوجة التي لا ترضى بالقليل ، فهي تعيش الترف وتؤمن بالملذات دون النظر إلى حالنا وما وصلنا إليه .


    لقد أصبحنا اليوم نعيش الكفاف بكل ما تعنيه الكلمة – فالحمد لله – فلم تزدد إلا إلحاحاً ، وأخذت تطلب ما يتعذر إحضار ه ، فأنا اليوم أجلب الضروريات بشق الأنفس ، أصبح البيت جحيماً لا يطاق ، زوجة بداخله لا تفهم إلا كلمة واحدة .. : " هات ... جيب ... بدنا ... بدي ... أريد ... أبي ... أبغي ... أرغب ... الخ " .

    صبرت .... على مُرِّ القضاء ... فلا يستقيم إيمان عبد حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطئه لم يكن ليصيبه ... وكنت أتوجه إلى بيت العائلة ؛ حيث الوالدين والإخوة ، وكانوا على اطلاع تام بمعيشتي ، كل شهر مرة واحدة ، وذلك لانشغالي بهموم الحياة الأسرية ، أخذت الفجوة تزداد حتى فوجِئتُ يوماً بزوجتي تصرخ في وجهي قائلة : طلقني .... طلقني .... طلقني .... طلقني .... طلقني .... !!! .

    بكل تأكيد ، أيقنت ولم يكن هذا مستغرباً ، أن المرأة لا تنكح لجمالها فحسب .... لكن كلمتها لا تزال ترن بصداها في رأسي .... الأبناء يسمعون كلمتها وينظرون إلي بعين حزينة ، ويطلبون من أمهم أن تكف عن كلامها وصراخها ... !! لم هذا يا أماه .. ؟؟ فترد قائلةً بصوت مرتفع : يجلجل أركان البيت ، إليكم عني ، لا أم لكم ، الحقوا بأبيكم الذي لا يوفر لكم رغيف الخبز إلا بشق الأنفس .... .

    فكرت ملياً ؛ قلت في نفسي : إنني أخطأت الطريق منذ البداية ، تزوجتها جميلة ، ولم أرع الدين فيها ، فأمي طالما ذكرتني ، ونصحتني بالظفر بذات الدين ، لقد انتهى كل شيء الآن ... !! ، الأبناء أين يذهبون إن أجبتها .... ؟؟ ، إنه الضياع والتشتت يمنة ويسرة ، فما أمامي إلا الصبر ، وقلت بأعلى صوتي : آه ... من تأوه لا ينفع ... ومن عيون صارت كالعيون مما تدمع ... .

    وعدت إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي طالما تجاوزته ، حيث قال : { .... اظفر بذات الدين تربت يداك} ، حقاً إن يداي لم تنل شيئاً ، فأنا أقاسي ما جنيته على نفسي ، في البداية كنت ألاقيها مرحة ، فالمال عندي وفير ، أما الآن فأصبحت كالأفعى المحمومة تلدغ يمنة ويسرة .

    تذكرت مقولة أمي ثانية : " يا ولدي إن الدين مع العمر يزداد ، والجمال مع العمر ينقص ، فاحرص على ما يزداد ، ودعك مما ينقص " ، أصبحت أكابر نفسي ، وأعللها بالأماني خشية تصدع البيت ، وذهاب الأبناء من بين يدي ، وأندم حيث لا ينفع الندم ، كنت أنظر إلى أطفالي ، فينفطر قلبي ، وتتدفق عبراتي من غير استئذان ... فأقول : لا يوجد أمامي من سبيل سوى الصبر ، لأحفظ ما تبقى من كيان بيتي ، فكرت بالزواج من غيرها ، إلا أنني لا أملك ما أتزوج به .

    فأوصي كل من قرأ قصتي هذه ، أن يحذر من خضراء الدمن ، أبد الدهر ، إن الجمال يغري ، والحسن يردي ، إن لم يصن بدين فأظفر بذات الدين تربت يداك ، وهذه جولتي وإياكم ، وما جال في خاطري أكبر من ذلك ، وقليل من الإشارة ، يغني عن كثير من العبارة.

    الموضوع من موقع طريق الايمان
  • مسرّة
    كبار الشخصيات "مبتكرة ماهرة"
    • Oct 2002
    • 7381

    #2
    نعم الجمال زائل و ليس مقياسا للحياة السعيدة ..بارك الله فيك على نقلك الطيب
    مع الأسف الكثير من الشبان اليوم -و منهم من يبدي الالتزام- يبحث عن الجميلة !
    قَال مُحَمَّد بْن يحيى الذهلي سألت عَبد اللَّهِ بْن دَاوُد عَنِ التوكل، فَقَالَ: أرى التوكل حسن الظن بالله ) [تهذيب الكمال]

    تعليق

    • إيحاء
      النجم الفضي
      • Apr 2001
      • 1171

      #3
      أثابك المولى وثبتك وهداك لما يحب ويرضى

      تعليق

      • أهــــــــــداب
        النجم البرونزي
        • Dec 2004
        • 698

        #4
        فعلا هذه القصة نافعة وللاسف هذا هو حالنا اليوم
        الله المستعان..
        جزاك الله خيرا اختي الاشواق...

        تعليق

        يعمل...