انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 5 من 5

الموضوع: الصدقة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الموقع
    ارض الله
    الردود
    607
    الجنس
    أنثى

    الصدقة

    فضائلها وأنواعها

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

    قال الله تعالى – آمراً نبيه- صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) (ابراهيم:31) ، ويقول جل وعلا: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(البقرة:195)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ)(البقرة:254)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)(البقرة:267).

    وقال سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (التغابن:16) ، ومن الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ" [في الصحيحين]، والمتأمل للنصوص التي جاءت آمرةً بالصدقة مرغبةً فيها يدرك ما للصدقة من الفضل الذي قد لا يصل إلى مثله غيرها من الأعمال، حتى قال عمر رضي الله عنه: "ذكر لي أن الأعمال تباهى، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم" [صحيح الترغيب].

    فضائل وفوائد الصدقة

    أولاً: أنها تطفئ غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى" [صحيح الترغيب].

    ثانياً: أنها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار" [صحيح الترغيب].

    ثالثاً: أنها وقايةٌ من النار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا النار، ولو بشق تمرةٍ".

    رابعاً: أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل امرئ في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس". قال يزيد: "فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة" [صحيح الترغيب]، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "رجل تصدق بصفة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" [في الصحيحين].

    خامساً: أن في الصدقة دواءً للأمراض البدنية كما في قوله صلى الله عليه وسلم: داووا مرضاكم بالصدقة" [صحيح الجامع]. يقول ابن شقيق: "سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فاحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء؛ فإني أرجوا أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ" [صحيح الترغيب].

    سادساً: أن فيها دواءً للأمراض القلبية كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: "إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على راس اليتيم" [رواه أحمد].

    سابعاً: أن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء كما وصية يحيى عليه اسلام لبني إسرائيل: "وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم" [صحيح الجامع]. فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به؛ لأنه قد جربوه. [الوابل الصيب].

    ثامناً: أن العبد إنما يصل حققة البر بالصدقة كا جاء في قوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )(آل عمران:92).

    تاسعاً: أن المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف المسك وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً" [في الصحيحين].

    عاشراً: أن صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: "ما نقصت صدقة من مالٍ" [في صحيح مسلم].

    الحادي عشر: أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به كما في يقوله تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ... )(البقرة:272)، ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقي منها: قالت: ما بقي منها إلا كتفها قال: "بقي كلها غير كتفها" [في صحيح مسلم].

    الثاني عشر: أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل:(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد:18) وقوله سبحانه: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة:245) .

    الثالث عشر: أن صاحبها يدعى من بابٍ خاصٍّ من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبدالله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان" قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: "نعم، وأرجو أن تكون منهم" [في الصحيحين].

    الرابع عشر: أنها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلا أوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أصبح منكم اليوم صائماً؟" قال أبو بكر: أنا. قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكر: أنا. قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟" قال ابو بكر: أنا. قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟" قال ابو بكر: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة" [رواه مسلم].

    الخامس عشر: أن فيها انشراح الصدر، وراحة القلب، وطمأنينته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا استعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره، وأما البخيل فلا يرد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقه مكانها فهو يوسعها ولا تتسع. [في الصحيحين] (فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها وقد قال تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر:9).

    السادس عشر: أن المنفق إذا كان من العلماء فهو بأفضل المنازل عند الله كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويعلم الله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل.. الحديث".

    السابع عشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن ففهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل والنهار"، فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله؟ نسأل الله الكريم من فضله.

    الثامن عشر: أن العبد موفٍ بالعهد الذي بينه وبين الله ومتمم للصفقة التي عقدها معه متى ما بذل ننفسه وماله في سبيل الله يشير إلى ذلك قوله جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111) .

    التاسع عشر: أن الصدقة دليلٌ على صدق العبد وإيمانه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "والصدقة برهان" [رواه مسلم].

    العشرون: أن الصدقة مطهرة للمال، تخلصه من الدخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي التجار بقوله: "يا معشر التجار، إن هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة"، [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، صحيح الجامع].

    أفضل الصدقات

    الأول: الصدقة الخفية؛ لأنها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة وفي ذلك يقول جل وعلا: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم)(البقرة:271) ، (فأخبر أن إعطاءها للفقير في خفية خيرٌ للمنفق من إظهارها وإعلانها، وتأمل تقييده – تعالى – الإخفاء بإتيان الفقراء خاصة ولم يقل: وإن تخفوها فهو خيرٌ لكم، فإن من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيشٍ، وبناء قنطرة، وإجراء نهر، أو غير ذلك، وعدم تخجيله بين الناس وإقامته مقام الفضيحة، وأن يرى الناس، أن يده هي اليد السفلى، وأنه لا شيء له، فيزهدون في معاملته ومعاوضته، وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص، وعدم المراءاة، وطلبهم المحمدة من الناس. وكان إخفاؤها للفقير خيراً من إظهارها بين الناس، ون هذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم صدقة السر، وأثنى على فاعلها، وأخبر أنه أحد السبعة الذين هم في ظل عرش الرحمن يوم القيامة، ولهذا جعله – سبحانه – خيراً للمنفق وأخبر أنه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته). [طريق الهجرتين].

    النانية: الصدقة في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا" [في الصحيحين.

    الثالثة: الصدقة التي تكون بعد أداء الواجب كما في قوله عز وجل: (وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو)(البقرة:219) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى..."، وفي رواية: "وخير الصدقة ظهر غنى" [كلا الروايتين في البخاري].

    الرابعة: بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول" [رواه أبو داود]، وقال صلى الله عليه وسلم: "سبق درهم مائة ألف درهم". قالو: وكيف؟ قال: "كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصد بها" [رواه النسائي، صحيح الجامع]. قال البغوي رحمه الله: "والاختيار للرجل أن يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتاً لما يخاف عليه من فتنة الفقر، وربما يلحقه الندم على ما فعل، فيبطل به أجره، ويبقى كلاً على الناس، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على ابي بكر خروجه من ماله أجمع، لما علم من قوة يقينه وصحة توكله، فلم يخف عليه الفتنة، كما خافها على غيره، أما من تصدق وأهله محتاجون إليه أو عليه دين فليس له ذلك، وأداء الدين والإنفاق على الأهل أولى، غلا أن يكون معروفاً بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان خصاصة كفعل أبي بكر، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليه بقوله (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة)(الحشر:9) وهي الحاجة والفقر. [شرح السنة].

    الخامسة: الإنفاق على الأولاد كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة" [في الصحيحين]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينارٍ أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك" [رواه مسلم].

    السادسة: الصدقة على القريب. كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: "فلما أنزلت هذه الأية: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون)(آل عمران:92). قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله يقول في كتابه (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعلها يا رسور الله حيث شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بخٍ بخٍ مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى أن تجعلها في الأقربين". فقال أبو طلحة: أفعل يار سول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. [في الصحيحين].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة" [رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة]، وأخص الأقارب – بعد من تلزمه نفقتهم – أثنان:

    الأول: اليتمي؛ لقوله جل وعلا: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ) (البلد:11-16) والمسغبة: الجوع والشدة.

    الثاني: القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" [رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع].

    السابعة: الصدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُب)(النساء:36) وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: "وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها" [رواه مسلم].

    الثامنة: الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل" [رواه مسلم].

    التاسعة: النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهاداً للكفار أو المنافقين، فإنه من أعظم ما بذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر من الآيات ومن ذلك قوله سبحانه: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة:41) ، وقال سبحانه مبيناً صفات المؤمنين الكمل الذين وصفهم بالصدق (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات:15) وأثنى سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم بذلك في قوله: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:88،89) ، ويقول عليه الصلاة والسلام: "أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله – عز وجل – أو منحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله" [رواه أحمد والترمذي، صحيح الجامع]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا" [في الصحيحين]، ولكن ليعم أن أفضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة والقلة في المسلمين كما هو في وقتنا هذا، أما ما كان في وقت كفاية وانتصار للمسلمين فلا شك أن في ذلك خيراً ولكن لا يعدل الأجر في الحالة الأولى: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد:10،11). (إن الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا سلطان، ولا رخاء غير الذي ينفق، ويقاتل، والعقيدة آمنة والأنصار كثرةٌ والنصر والغلبة والفوز قريبة المنازل، ذلك متعلقٌ مباشرةً لله متجردٌ تجرداً كاملاً لا شبهة فيه، عميق الثقة والطمأنينة بالله وحده، بعيدٌ عن كل سببٍ ظاهرٍ، وكل واقعٍ قريبٍ لا يجد على الخير أعواناً إلا ما يستمده مباشرةً من عقيدته، وهذا له على الخير أنصار حتى حين تصح نيته ويتجرد تجرد الأولين. [في ظلال القرآن].

    العشارة: الصدقة الجارية: وهي ما يبقى بعد موت العبد ويستمر أجره عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" [رواه مسلم].

    مجلات الصدقة الجارية

    1- سقي الماء وحفر الآبار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة سقي الماء" [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة صحيح الجامع].

    2- إطعام الطعام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" [في الصحيحين].

    3- بناء المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة" [في الصحيحين]. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجداً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة" [صحيح الترغيب].

    4- الإنفاق على نشر العلم، وتوزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته" [رواه ابن ماجة صحيح الترغيب].

    ولتعلم أخي أن الإنفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها كالإنفاق في رمضان كما قال ابن عباس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. [في الصحيحين]، وكذلك الصدقة في أيام العشر من ذي الحجة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني أيام العشر. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء" [رواه البخاري]، وقد علمت أن الصدقة أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله.

    ومن الأوقات الفاضلة يوم أن يكون الناس في شدة وحاجةٍ ماسةٍ وفقرٍ بين كما في قوله سبحانه: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) (البلد:11-14) .

    فمن نعمة الله – عز وجل – على العبد أن يكون ذا مالٍ وجدةٍ، ومن تمام نعمته عليه فيه أن يكون عوناً له على طاعة الله (فنعم المال الصالح للمرء الصالح). [رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد].

    وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيراً فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيراً" [رواه البخاري].

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم.


    نوع المطبوع : مطوية
    الموضوع : الصدقة
    اسم الناشر : دار القاسم
    اسم المؤلف : علي بن محمد الدهامي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    الردود
    12,045
    الجنس
    أنثى
    ما شاء الله .. فضائل وفوائد تشرح الصدر ..

    جزاكِ الرحمن خير جزاء ووفقنا وإياكِ للخير ..
    أؤمن كثيراً.. بأن المساحة الفاصلة بين السماء والأرض.. وبين الحلم والواقع.. مجرد دعاء..

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الموقع
    ارض الله
    الردود
    607
    الجنس
    أنثى
    جزاك الله خيرا غاليتى

  4. #4
    دانة جدة's صورة
    دانة جدة غير متواجد كبار الشخصيات "نبض وعطاء" "زهرة الحوار" "مبدعة الملتقى"
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الموقع
    "وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا"
    الردود
    13,619
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    32
    أختي محبة لله

    جزاك الله خيرا

    وجعله في ميزان حسناتك
    اللهم اغفرلأمي وارحمها واعف عنها اللهم أنر قبرها واجعله روضة من رياض الجنة
    اللهم اجعل ملتقانا الفردوس الأعلى برحمتك ياأرحم الراحمين

    ****************
    اللهم ارحم أبي وأمي رحمةً واسعةً من عندك وأسكنهما فسيح جناتك وأسبغ عليهما رضواناً يبلغان به أعلى الجنان واجعلهما من الصديقين و الشهداء والصالحين و حسن أولئك رفيقا .اللهم بما عملا من خير في الدنيا فضاعف لهما الأجر أضعافاً مضاعفة وأغفر لهما ما كان من خطأ أو آثام اللهم أجزهم عنا خير الجزاء وارزقنا برهما والدعاء لهما

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2003
    الموقع
    في قلب احب الناس لي
    الردود
    3,152
    الجنس
    امرأة
    بارك الله فيك ..
    وقفنا وإياك لما نحب ونرضى
    لا حرمتِ الأجر

    اجعل الابتسامة سر بريق حياتك




    دانتي سلمت على التوقيع

مواضيع مشابهه

  1. من عجائب الصدقة .......... الصدقة ....... الصدقة
    بواسطة يقيني بالله يقيني في روضة السعداء
    الردود: 12
    اخر موضوع: 12-07-2010, 10:31 AM
  2. قيمة وفضل الصدقة ع العباد الصدقة
    بواسطة monaahmedsaad في روضة السعداء
    الردود: 8
    اخر موضوع: 07-10-2009, 12:29 AM
  3. الصدقة
    بواسطة om radwan في روضة السعداء
    الردود: 1
    اخر موضوع: 27-04-2009, 01:39 PM
  4. الصدقة وما ادراك ما الصدقة..
    بواسطة الجفوول في روضة السعداء
    الردود: 0
    اخر موضوع: 09-09-2007, 09:04 AM
  5. الصدقة........
    بواسطة ريحانه في روضة السعداء
    الردود: 4
    اخر موضوع: 17-03-2001, 08:07 AM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ