انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 2 من 2

الموضوع: الحياء هو الحياة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الموقع
    ارض الله
    الردود
    607
    الجنس
    أنثى

    الحياء هو الحياة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحياء هو الحياة
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

    فإن الحياء خلق إسلامي رفيع متولد من علو الهمة وكبر النفس ، وهو خلق يبعث على ترك القبائح ، ويمنع من التفريط في حقوق الآخرين ، وهو من صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث كان عليه الصلاة والسلام أشدّ الناس حياءً من العذراء في خدرها . [ متفق عليه ] .

    * قال الماوردي : { فسمة الخير : الدعة والحياء، وسمة الشر: القحة والبذاء. وكفى بالحياء خيرا أن يكون على الخير دليلا ً } [ أدب الدنيا والدين ] .

    * وقال الراغب : { الحياء انقباض االنفس عن القبائح ، وهو من خصائص الإنسان ... وجعله الله تعالى في الإنسان ليرتدع به عمّا تنزعه اليه الشهوة من القبائح ، فلا يكون كالبهيمة } [ الذريعة ] .

    ثمرات الحياء



    تظهر ثمرات الحياء فيما يلـي :

    1) – أنه خلق يبعث على فعل الطاعات .

    2) – أنه خلق يبعث على ترك القبائح .

    3) - أنه خلق يبعث على حسن الخلق .

    4) – أنه خلق يبعث على ترك الظلم والغدر والخيانة .

    5) - أنه حلق يبعث على التواضع والسكينة .

    6) – أنه خلق يبعث على صيانة العرض ودفن المساوىء والتخلي بالمكارم .

    7) – أنه دالّ تعلى وفور عقل صاحبه .

    وبالجملة فهو خلق يبعث على فعل كل جميل وترك كل قبيح .

    أهميــة الحيـــاء
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله : (( ثم تأمّل هذا الخلق الذي خص به الإنسان دون جميع الحيوان ، وهو خلق الحياء ، الذي هو من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظكها قدرا وأكثرها نفعا ، بل هو خاصة الإنسانية ، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة ، كما أنه ليس معه من الخير شيء . ولولا هذا الخلق لم يقر الضيف ، ولم يوف بالوعد ، ولم تؤد أمانة . ولم يقض لأحد حاجة ، ولا تحرى الرجل الجميل فآثره ، والقبيح فاجتنبه ، ولا ستر له عورة ، ولا امتنع من فاحشة . وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤدّ شيئاً من الأمور المفترضه عليه ، ولم يرع لمخلوق حقاّ ، ولم يصل رحماً ، ولا برّ له والد . فإن الباعث على هذه الأفعال : إما ديني وهو رجاء عاقبتها الحميدة ، وإما ينوي علوي وهو حياء فاعلها من الخلق ، وقد تبين أنه لولا الحياء ، إما من الخالق أو من الخلائق لم يفعلها صاحبها )) [ مفتاح دار السعادة ] . وقال ابن حبان : إن المرء اذا اشتد حياؤه صان عرضه ، ودفن مساويه ، ونشر محاسنه ، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره ، ومن * ذهب سروره هان على الناس ومقت ، ومن مقت أوذي ، ومن أوذي حزن ، ومن حزن فقد عقله ، ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عليه لا له ، ولا دواء لمن لا حياء له ، ولا حياء لمن لا وفاء له ، ولا وفاء لمن لا إخاء له ، ومن قل حياؤه صنع ما شاء ، وقال ما أحبّ .

    اذا لـم تصــن عرضاً ولم تخـش خالقــاً

    وتستحـي مخلوقا فمـا شئـت فاصنـــع

    اذا كنــت تأتــي المــرء تعظـم حقـه

    ويجهـل منـك الحـق فالصرم أوســـع

    [ روضة العقلاء ]



    حاسـب نفســـك
    أخي الحبيب : إن خلقاً بهذه المثابة حريٌّ بك أن تتخلقق به ، وتعضّ عليه بالنواجذ .. ولا تفرط في شيء من حدوده وواجباته .. والواقع _ أخي _ يشهد بخلاف ذلك .. فقد ترك كثير من المسلمين خلق الحياء ، وتخلقّوا بما يضاده من بذاءة وقحة ، وكأن الحياء لا يعنيهم ، وكأنه خلقٌ دخيل ليس من شريعة الإسلام مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( ... والحياء شعبة من الإيمان )) [ متفق عليه ]. فكلما كان المرء أتم حياء كان أكمل إيماناً ، وكلما كان ناقص الحياء كلما كان ناقص الإيمان .

    وهناك تلازم أيضاً بين الحياء وبين فعل الذنوب والمعاصي ، فكلما قل الحياء كلما كثرت الذنوب والمعاصي ، وكلما زاد الحياء كلما خفت الذنوب والمعاصي ، قال الشاعر :

    اذا رزق الفتى وجها وقاحـا تقلب في الأمـور كمـا يشـاء

    ولـم يك للدواء ولا لشـيء تعالجـه بـه فيـه عنـــاء

    ورب قبيحة ما حـال بينـي وبيـن ركوبهـا إلا الحيــاء

    فكان هو الدواء لهـا ولكـن إذا ذهـب الحيـاء فـلا دواء

    قال الله تعالى : { ألم بعلم بأن الله يــــــرى } [ العلق : 14 ] .

    فيا من تعصى ربك وتبارزه بالمحاربة ، ألا تعلم بأن الله يراك ؟

    ويا من تتعامل بالغش والخداع ، ألا تعلم بأن الله يراك ؟

    ويا من تتعاطى بالمسكرات والمخدرات والدخان ، ألا تعلم بأن الله يراك ؟

    وا من تتبرجين وتتكشفين وتتما يلين وتتكسرين ألم تعلمي بأن الله يراك ؟ فأين الحياء من الله ؟ وأين الخوف من عذابه ؟ وأين الرجاء لثوابه ؟



    وصيــــة نبويــة


    قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( استحيوا من الله حق الحياء ‍‍‍‍‍! قالوا : إنا نستحي يارسول الله . قال : ليس ذلكم . ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى ، وليحفظ البطم وما حوى ، وليذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء )) [ رواه الترمذي وأحمد وحسنه الألباني ] .

    إن الحياء ليس هو الخجل الذي يتعرى كثيراً من الناس ، لأن الخجل قد يكون من المعصية ، وقد يكون من الطاعة ، بل إن هناك فئاماً من الناس يخجلون من الانتساب إلى الإسلام والعياذ بالله ..

    والحياء الشرعي هو الذي يحفظ العينين من النظر الحرام .

    وهو الذي يحفظ الأذنين من سماع الغناء والباطل بكل أنواعه .

    وهو الذي يحفظ اللسان من الغيبة والنميمة والكذب والبهتان .

    وهو الذي يحفظ البطن من أكل الحرام .

    وهو الذي يحفظ اليدين من السرقة والبطش والمس المحرم .

    وهو الذي يحفظ الرجلين من السعي إلى الحرام .

    وهو الذي يضبط الجوارح كلها .. ولذلك قلنا : الحياء هو الحياة . قال ابن القيم رحمه الله : (( والحياء من الحياة ، ومنه (( الحيا )) للمطر . وعل حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء ، وقلة الحياء من موت القلب والروح ، فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم )) { مدارج السالكين }

    تهــديـد

    عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح ، فاصنع ما شئت )) { رواه البخاري }

    · وفي المراد بهذا الحديث قولان :

    أحدهما : أنه أمر تهديد ومعناه الخبر ، أي من لم يستح صنع ما شاء .

    والثاني : أنه أمر أباحة ، أي أنظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله ، فإن كان مما لا يستحي منه فافعله ، قال ابن القيم : (( والأول أصح وهو قول الأكثرين )) { مدارج السالكين } .

    وله رحمه الله كلام نفيس قال فيه : (( وعندي أن هذا الكلام صورته صورة الطلب ، ومعناه معنى الخبر ، وهو في قوة قولهم : من لا يستحي صنع ما يشتهي ، فليس بإذن ولا هو مجرد تهديد ، وإنما هو الحياء ، أما من لم يستحي فإنه يصنع ما يشاء ، وإخراج هذا المعنى في صيغة الطلب لنكتة بديعة جداً :

    وهي أن للإنسان آمرين وزاجرين :

    · آمر وزاجر من جهة الحياء ، فإذا أطاعه امتنع من فعل كل ما يشتهي .

    · وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطبيعة ، فمن لم يطع آمر الحياء وزاجره ، أطاع آمر الشهوة والهوى ولابد )) { مفتاح دار السعادة }

    إذا لم تخش عاقبـة الليالـي ولم تستحي فاصنع ما تشاء

    فلا والله ما في العيش خيـر ولا الدنيا إذا ذهب الحيـاء

    يعيش المرء ما استحياء بخير ويبقى العود ما بقي اللحـاء

    أنواع الحياء

    يستحي الإنسان من أربعة وهم :

    أولاً : الحياء من الله عز وجل
    فأما الحياء من الله فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره ، وهذا النوع من الحياء له أوجه عديدة وذلك بحسب الباعث عليه ، فمن ذلك :

    1) حياء الجناية : كحياء المذنب من ربه بسبب ذنبه الذي يجعله نصب عينيه .

    2) حياء التقصير : كحياء الملائكة ، الذين يسبحون الله بالليل والنهار لا يفترون ، فإذا كان يوم القيامة قالوا : سبحانك ! ما عبدناك حق عبادتك .

    3) حياء الإجلال : وهو حياء المعرفة ، فإنه على قدر معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه .

    4) وحياء المحبة : وهو الحياء الناتج عن محبة الله عز وجل .

    5) وحياء العبودية : وهو حياء ممتزج من محبة وخوف ، ومشاهدة تقصيره وعدم صلاح عبوديته لمعبوده ، وأن قدره أعلى وأجهل منها ، فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة .

    كن حبيباً

    في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل ، وهو يعظ أخاه في الحياء ، فقال : (( دععه ، فإن الحياء من الإيمان )) { متفق عليه } .

    وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الحياء لا يأتي إلا بخير )) { متفق عليه } .

    قال أبو حاتم ابن حبان : الواجب على العاقل لزوم الحياء ، لأنه أصل العقل ، وبدر الخير ، وتركه أصل الجهل ، وبد الشر . والحياء يدل على العقل ، كما أن عدمه دال على الجهل . ومن لم ينصف الناس منه حياؤه ، لم تنصفه منه قحته ، ولقد أحسن الذي يقول :

    إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ولا خير في وجه إذا قل ماؤه

    حياؤك فاحفظه عليك فإنما يدل على وجه الكريم حياؤه

    قـف

    عن بهز بن كريم عن أبيه عن جده قال : قلت : يا رسول الله ! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك )) قال : قلت : يا رسول الله ! إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : (( إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها )) . قال : قلت : يا رسول الله ! إذا كان أحدنا خالياً ؟ قال : (( الله أحق أن يستحى منه )) { رواه أبو داود والترمذي وحسنه } .

    ومضة
    قال الفضيل بن عياض : تغلق بابك ، وترخي سترك ، وتستحي من الناس ، ولا تستحي من القرآن الذي في صدرك ، ولا تستحي من الجليل الذي لا يخفى عليه خافية !! { تنبيه الغافلين } .

    ثانياً : الحياء من الملائكة

    فالملائكة مع الإنسان لا يفارقونه ، ويراقبون أقواله وأعماله ، ويحصون ذلك في كتاب الحسنات والسيئات ، فالواجب أن يستحي العبد منهم لعظم قدرهم ، وجلال شأنهم ، وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله : (( وإن عليكم لحافظين (10) كراماً كاتبين (11) يعلمون ما تفعلون )) {الانفطار10_12 } .

    قال ابن القيم : أي استحيوا من هؤلاء الكرام الحافظين ، وأكرموهم وأجلوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه من هو مثلكم ، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا أدم ، فإذا كان ابن أدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه ، وإن كان قد يعمل مثل عمله ، فما الظن بأذى الملائكة الكرام الكاتبين ، والله المستعان )) {الجواب الكافي } .

    ومضة

    قال بعض السلف لابنه : إذا دعتك نفسك إلى ذنب فارم ببصرك إلى السماء ، واستح ممن فيها ، فإن لم تفعل فارم ببصرك إلى الأرض واسنح ممن فيها ، فإن كنت لا ممن في السماء تخاف ولا ممن في الأرض تستحي ، فاعدد نفسك في عداد البهائم ...

    ثالثاً : الحياء من الناس

    والحياء من الناس سمة خير وعلامة مروءة ودليل على حياة القلب صاحبه وإن كان مريضاً . قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : من لا يستحي من الناس ، لا يستحي من الله .

    · وقال مجاهد : لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه .

    · وقال بعض الحكماء : أحي حياءك بمجالسة من يستحى منه .

    · وقال ابن حبان : الواجب على العاقل أن يعود نفسه لزوم الحياء من الناس ، فإن من أعظم بركنه تعويد النفس ركوب الخصال المحمودة ، ومجانبتها الخلال المذمومة . { روضة العقلاء } .

    وعد ابن القيم رحمه الله من أقسام الحياء من الناس :

    · حياء الكرم : كحياء النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين أطالوا الجلوس عنده ، فقام واستحى أن يقول لهم :انصرفوا .

    · وحياء الحشمة : كحياء علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي لمكان ابنته منه {مدارج السالكين} .

    رابعاً : الحياء من النفس

    قال ابن القيم رحمه الله : وأما حياء المرء من نفسه ، فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص وقناعتها بالدون ، فيجد نفسه مستحياً من نفسه ، حتى كأن له نفسين يستحي بإحدهما من الأخرى ، وهذا أكمل ما يكون من الحياء ، فإن العبد إذا استحى من نفسه ، فهو بأن يستحي من غيره أجدر . { مدارج السالكين } .

    قالوا عن الحياء

    · قال الفضيل بن عياض : خمس من علامات الشقوة : القسوة في القلب ، وجمود العين ، وقلة الحياء ، والرغبة في الدنيا ، وطول الأمل .

    · وقال الجنيد : الحياء : رؤية الآلاء .

    · وقال ذو النون : الحياء : وجود الهيبة في اللقب ، مع وحشة ما سبق منك إلى ربك ، والحب ينطق ، والحياء يسكت ، والخوف يقلق .



    الأسباب الجالبة للحياء

    هناك أسباب كثيرة يمكن أن تؤدي إلى الحياء الإيجابي الذي يعصم الإنسان من اقتراف المآثم والقبائح ومن ذلك :

    1. مراقبة الله عز وجل .
    2. علو الهمة وشرف النفس .

    3. رؤية العبد آلاء الله عليه .

    4. رؤية تقصيره في شكرها .

    5. محبة الله عز وجل .

    6. إجلال الله عز وجل أن يراه على معصية .

    7. الخوف من عقاب الله

    8. الرجاء لثواب الله وما أعده الله تعالى لأهل الحياء .

    9. مجالسة أهل الطاعة والحياء .

    10. كثرة العبادة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن

    11. محاسبة النفس وإحصاء مآثمها .

    12. معرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته وكماله وجلاله وعظمته

    13. معرفة العبد نفسه بمهانته وحقارته وضعفه وفقره وحاجته إلى ربه في كل وقت .

    · فيا أخي الحبيب ! إذا دعتك نفسك إلى التقصير .. فتذكر وقوفك بين يدي العلي الكبير .

    · وإذا دعتك نفسك إلى العصيان ، فاستحي من نظر الكريم الرحمن .

    · وإذا دعتك نفسك إلى الذنوب والمخالفات .. فذكرها بما هو آت ، لعل ذلك يكف كف الهوى والشهوات .

    والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل .

    * * *







    نوع المطبوع : المطويات
    الموضوع : الحياء هو الحياة
    اسم الناشر : القاسم

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الموقع
    ارض الله
    الردود
    607
    الجنس
    أنثى
    الحياء000000000000000000000000000000
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم.

    إن للخير والشر معان كامنة في النفس تعرف بعلامات وسمات دالة كما قال الشاعر:

    لا تسأل المرء عن أخلاقه في وجـهه شاهـد مـن الخير

    فمن سمات الخير: الدعة والحياء والكرم ومن سمات الشرك: القحة والبذاء واللؤم

    حياءك فاحفظه عليك وإنما يدل على فعل الكريم حياؤه

    إذن: فالحياء علامة تدل على ما في النفس من الخير وهو إمارة صادقة على طبيعة الإنسان فيكشف عن مقدار بيانه وأدبه. فعندما ترى إنسان يشمئز ويتحرج عن فعل ما لا ينبغي فعلم أن فيه خير وإيمان بقدر ما فيه من ترك للقبائح.

    ما هو الحياء وما حقيقته؟

    الحياء: خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح. فهو من صفات النفس المحمودة التي تستلزم الإنصراف من القبائح وتركها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وهو من خلق الكرام وسمة أهل المرؤة والفضل. ومن الحكم التي قيلت في شأن الحياء: (من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه) وقال الشاعر:

    ورب قبيحة مـا حـال بيني وبين ركـوبها إلا الحيـاء

    لذلك فعندما نرى إنسان لا يكترث ولا يبالي فيما يبدر منه من مظره أو قوله أو حركاته يكن سبب ذلك قله حياءه، وضعف إيمانه كما جاء في الحديث "إذا لم تستح ففعل ما شئت".

    وقد قال الشاعر:

    إذا رزق الفتى وجهـاً وقـاحاً تقـلب في الأمـور كمـا يشـاء

    فمـالك في معـاتبـة الـذي لا حيـاء لـوجهـه إلا الـعنـاء

    قال أبو حاتم: إن المرء إذا اشتد حياؤه صان عرصه ودفن مساؤه ونشر محاسنه.

    والحياء من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام وأقرها ورغب فيها. وقد جاء في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شبعة فأفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان".

    وفي الحديث الذي رواه الحاكم وصحهه على شرط الشيخين: "الحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر".

    والسر في كون الحياء من الإيمان: لأن كل منهما داع إلى الخير مقرب منه صارف عن الشر مبعد عنه فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الرب والتقصير في شكره. ويمنع صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله إتقاء الذم والملامة.

    ورب قبيحة مـا حـال بيني وبين ركـوبهـا إلا الحـيـاء

    وقد قيل: "الحياء نظام الإيمان فإذا أنحل نظام الشيء تبدد ما فيه وتفرق".

    فالحياء ملازم للعبد المؤمن كالظل لصاحبه وكحرارة بدنه لأنه جزء من عقيدته وإيمانه ومن هنا كان الحياء خيراًً ولا يأتي إلا بالخير، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بالخير" وفي رواية المسلم: "الحياء خير كله".

    وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم: "مر على رجل يعظ أخاه في الحياء: أي يعاتبه فيه لأنه أضر به فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن الحياء من الإيمان" فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل أن يترك أخاه ويبقيه على حياءه ولو منع صاحبه من إستيفاء حقوقه إذ ضياع حقوق المرء خير له من أن يفقد حياءه الذي هو من إيمانه وميزة إنسانيته وخيريته.

    ورحم الله إمرأة كانت فقد طفلها فوقفت على قوم تسألهم عن طفلها فقال أحدهم: تسأل عن ولدها وهي تغطي وجهها. فسمعته فقال: "لأن أرزا في ولدي خير من أن أرزأ في حيائي أيها الرجل". سبحان الله.. اين هذه المرأة من نساء اليوم تخرج من الناس أضاعت وجهها مبدية زينتها لا تستحي من الله ولا من الناس أضاعت دينها وخسرت أيمانها ولأن كانت المرأة التي في القصة قد أضاعت ولدها فعند الله لها العوض والأجر أما المرأة التي أضاعت حياءها وإيمانها فما أعظم الخسارة وما أسوء العاقبة.

    وصد الشاعر حين قال:

    فتاة اليـوم ضيعـت الصـوابا وألقـت عـن مفاتنـا الحجـابا

    فلم تخشء حيـاءً مـن رقـيب ولم تخشى مـن الله الـحسـابا

    إذا سارت بـدت سـاق وردف وإذا جلست ترى العجب العجـابا

    بربك هل سألـت العقـل يومـاً أهذا طبـع مـن رام الصـواب

    أهـذا طبـع طـالبـة لعـلـم إلى الإسـلام تنتسـب إنتسابـاً

    فما كان التقـدم صبـغ وجـه وما كان السفـور إلـيه بابـاً

    شباب اليـوم يا أخـتي ذئـاب وطبع الحمل أن يخشى الـذئاب

    أما إنقباض النفس عن الفضائل والإنصراف عنها فلا يسمى حياء. فخلق الحياء في المسلم غير مانع له من أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر. فإذا منع العبد عن فعل ذلك باعث داخلي فليس هو حياءه وإنما هو ضعف إيمانه وجبنه عن قول الحق: "والله لا يستحي من الحق"... فهذا النبي صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه إلا أنه لم يكن يسكت عن قول الحق بل كان يغضب غضباً شديداً إذا انتهكت محارم الله.. فمن ذلك عندما شفع مرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فلم يمنعه حياؤه صلى الله عليه وسلم من أن يقول لأسامة في غضب: "أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة والله لو سرقت فاطمة لقطعت يدها".

    ولم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية أن تقول: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة غسل إذا أحتملت؟ فيقول لها لوم ينعه الحياء في بيان العلم: (نعم إذا رأت الماء)... إذاً فالحياء لا ينمع من الإستفسار والسؤال عما جهل من أمور الدين وما يجب عليه معرفته وقد قيل: (لا يتعلم العلم مستكبر ولا مستح) – وهناك من النساء من يمنعها حياؤها – بزعمها من ترك بعض العادات المحرمة التي اعتادت عليها في مجتمها مثل مصافحة الرجال الأجانب والإختلاط بهم فلا تتحجب من أقارب زوجها ولا تمنع دخولهم عليها في بيتا حال غياب زوجها والني صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم والدخول على النساء" صحيح الجامع – والمراد غير ذوات المحرم وقال صلى الله عليه وسلم: "لا أمس أيدي النساء" صحيح الجامع. فإذا كان خير الخلق لا يصافح نساء الصحابة وهن في خير القرون فما بال رجال ونسوة في عصر كثير فيه الشر وأهله أصبحوا لا يرون في المصافحة بأساً. محتجين أن قلوبهم تقية ونفوسهم نقية؟ فأيهم أزكى نفساً وأطهر قلباً؟ أهذا الغثاء أم تلك النفوس الكبيرة؟ فضلاً عن أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من مس النساء فقال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له" صحيح الجامع.

    ومن الناس من يتساهل في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه يستحي من الإنكار على الناس. ومن ذلك ما يفعله بعض الناس من مجاملة بعضهم لبعض في سماع الغيبة أو سماع أي من المنكرات أو رؤيتها، ونحوها فهذا جبن مذموم كل الذم وصاحبه شريك في الإثم إن لم ينكر أو يفارقهم.

    والله عز وجل قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ....).

    وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التساهل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: "والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباًَ منه ثم تدعوه لا يستجاب لكم.

    وينقسم الحياء من حي الأصلى إلى قسمين:

    1) حياء فطري غريزي.

    2) حياء مكتسب.

    قال القرطبي: الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان غير أن من كان فيه غريزة الحياء فإنها تعينه على المكتسب وقد يتطبع بالمكتسب حتى يصير غيريزياً.. وهذا قول صحيح ومعلوم بالتجربة في مجال التربية فإن المتربي قد يكون في بدايته لا يملك حياء غريزياً أو أن عنده حياء غريزي ناقص ثم ينشأ في جو ينمي بواعث الحياء في قلبه ويدله على خصال الحياء فإن هذا المتربي سيكتسب الحياء شيئاً فشيئاً ويقوي الحياء في قلبه بالتوجيه والتربية حتى يصبح الحياء خلق ملازماً له، وقد قال بعض الحكماء: (أحيو الحياء بمجالسة من يستحيا منه) وهذا الكلام بديع المعنى بعيد الفقه.. حيث أن كثرة مجالسة من لا يستحيا منه لو ضاعته أو حقارته أو قلهة قدره ومروءته تخلق في النفس نوع التجانس معهم ثم إن قلة قدرهم عنده تجعله لا يستحي منهم فيصنع ما يشاء بحضرة هذه الجماعة فيضعف عنده خصلة الحياء شيئاً فشيئاً فيتعود أن يصنع ما يشاء أمام الناس جميعاً. أما مجالسة من يستحيا منه لصلاحهم وعلو قدرهم فأنها تحيي في القلب الحياء فيظل الإنسان يراقب أفعاله وأقواله قبل صدور حياء ممن يجالسه فيكون هذا خلقاً له ملازماً فتتعود نفسه إتيان الخصال المحمودة ومجانب وكراهية الخصال المذمومة.

    الحاصل: أن مجالس الأخيار تقوى الحياء المكتسب وتنميتة أما مجالسة الأرذال فأنها تحول بين العبد وبين أكتساب الحياء.

    والحياء أنواع:

    1) الحياء من الله.

    2) الحياء من الملائكة.

    3) الحياء من الناس.

    4) الحياء من النفس.

    1) الحساء من الله: قال الله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) ، وقال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ). (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).

    فتجرؤ العبد على المعاصي وإستخفافه بالأوامر والنواهي الشرعية يدل على عدم إجلاله لربه وعدم مراقبته لربه.

    فالحياء من الله يكون بإتباع الأوامر واجتناب النواهي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إستحيوا من الله حق الحياء". قال: قلنا يا رسول الله الله إنا نستحي والحمد لله قال: "ليس ذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا مما فعل ذلك فقد أستحيا من الله حق الحياء".

    معنى الحديث: "إستحيوا من الله حق الحياء" أي استحيوا من الله قدر استطاعتكم لأنه من المعلوم أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بكل ما عليه تاماً كاملاً ولكن كل على حسب طاقته ووسعه قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم)... "قال قلنا: إنا نستحي والحمد لله".

    أجابوا بذلك لأنهم قصدوا أنهم يفعلون كل مليح ويتركون كل قبيح علىحسب إستطاعتهم فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ليس المقصود هذا العموم لأن هناك شروط للحياء حق الحياء فليس كما يزظنون.

    (1) "أن يحفظ الرأس وما وعى" أي ما جمع من الأعضاء: العقل والبصر والسمع واللسان. قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).

    (2) "وليحفظ البطن وما حوى" أي يحفظ بطنه وما في ذلك من حفظ الفرج عن الحرام فيحظ بطنه من أن يدخله طعام حرام أو من مال

    حرام فالبدن نبت ويقوي من الطعام. والرب عز وجل لا يقل من عبده أن يتقوى على طاعته بمطعم حرام ولا مشرب حرام لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

    (3) "وليذكر الموت والبلى" أن يذكر الموت دائماً لأننا في هذه الدنيا لسنا مخلدين وإنما سنموت وسنرجع وسنقف بين ديدي الله تبارك وتعالى. قال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هادم اللذات".

    (4) "ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا" قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

    فالمقصود أن الحياء يكون بإتباع أوامر الله واجتناب نواهية ومراقبة الله في السر والعلن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك" (صحيح الجامع). وهذا الحياء يسمى حياء العبودية الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدين وهي مرتبة الأحسان الذي يحس فيها العبد دائماً بنظر الله إله وأنه يراه في كل حركاته وسكناته فيتزين لربه بالطاعات. وهذا الحياء يجعله دائماً يشعر بأن عبوديته قاصرة حقيرة أمام ربه لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجل. قال ذو النون (الحياء وجود الهيبة في القلب مع حشة مما سبق منك إلى ربك) وهذا يسمى أيضاً حياء الإجلال الذي منبعه معرفة الرب عز وجل وإدراك عظم حقه ومشاهدة مننه وآلائه. وهذه هي حقيقة نصب الرسول صلى الله عليه وسلم وإجهاد نفسه في عبادة ربه.

    ومن هذا الحياء أيضاً:

    حياؤة الجناية والذنب: ومثال ذلك ما ذكره ابن القيم في كتابه مدارج السالكين. عندما فر آدم هارباً في الجنة فقال الله تعالى له : افراراً منى يا آدم؟ فقال: لا بل حياء منك.

    ومن أنواع الحياء من الله:

    (1) الحياء من نظر الله إليه في حالة لا تليق: كالتعري

    كما في حديث بهز بن حكيم عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "عوراتنا ما نأتي منها ومن نذر؟ فقال: "أحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك". قال يا نبي الله إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: فالله أحق أيستحي منه الناس".

    ولذلك عقد الإمام البخاري باباً سماه: "التعري عند الإغتسال والإستتار أفضل".

    وقد ورد أن ابن عباس كان يغتسل وهو يرتدي ثوباً خفيفاً حياء من الله أن يتجرد.

    وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: والله أني لأضع ثوبي على وجهي في الخلاء حياء من الله.

    وكان عثمان بن عفان لا يقيم صلبه عند الإغتساء حياء من الله.

    وجاء رجل إلى الحسين رضي الله عنه فقال له: أنا رجل عاصي ولا أصبر عن المعصية فعظني. قال الحسين: أفعل خمسة وأفعل ما شئت. قال الرجل: هات. قال الحسين: لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئت. قال الرجل: كيف ومن أين أكل وكل ما في الكون من رزقه. قال الحسين: أخرج من أرض الله وأذنب ما شئت. قال الرجل: كيف ولا تخفى على الله خافية. قال الحسين: أطلب موضعاً لا يراك الله فيه وأذنب ما شئت. قال الرجل: هذه أعظم من تلك، فأين أسكن. قال الحسين: إذا جاءك ملك الموت فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت. قال الرجل: هذا محال. قال الحسين: إذا دخلت النار فلا تدخل فيها وأذنب ما شئت. فقال الرجل: حسبي. حسبي لن يراني الله بعد اليويم في معصية أبداً.

    لقد بلغ الإيمان بالصحابة رضي الله عنهم أنهم أصبحوا يستحيون من الله في التقصير في النوافل وكأنهم قد ضيعوا الفرائض. قال الفضيل بن عياش: (أدركت أقواماً يستيحون من الله في سواد الليل من طول الهجيعة).

    قال يحيى بن معاذ: (من استحى من الله مطيعاً استحيا الله منه وهو مذنب). أي من غلب عليه خلق الحياء من الله حتى في حال طاعته فهو دائماً يحس بالخجل من الله في تقصيره فيستحي أن يرى من يكرم عليه في حال يشينه عنده.

    ثم قال يحيى بن معاذ: سبحان من يذنب عبده ويستحي وهو. وفي الأثر: "من أستحيا من الله أستحيا الله منه" ويجدر هنا أن ننبه إلى أن حياء الرب صفة من صفاته الثابتة بالكتاب والسنة وهي كسائر صفاته عز وجل لا تدركها الأفهام ولا تكيفها العقول بل نؤمن بها من غير تشبيه ولا تكييف. وحياء الله عز وجل صفة كمال تدل على الكرم والفضل والجود والجلال.

    ففي الحديث: "أن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً" وأيضاً: "إن الله يستحي أن يعذب شيبة شاب في الإسلام".
    عجيب شأن هذا العبد المسكين لا يستحي من ربه وهو ينعم عليه أناء الليل وأطراف النهار مع فقره الشديد.. والرب العظيم يستحي من عبده مع غناه عنه وعدم حاجته إليه.

    (2) الحياء من الملائكة

    من المعلوم أن الله قد جعل فينا ملائكة يتعاقبون علينا بالليل والنهار.. وهناك ملائكة يصاحبون أهل الطاعات مثل الخارج في طلب العلم والمجتمعين على مجالس الذرك والزائر للمريض وغير ذلك.

    وأيضاً هناك ملائكة لا يفارقوننا وهم الحفظة والكتبة (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَاماً كَاتِبِينَ) (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).. إذا فعلينا أن نستحي من الملائكة وذلك بالبعد عن المعاصي والقبائح وإكرامهم عن مجالس الخنا وأقوال السوء والأفعال المذمومة المستقبحة. قال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يقضي لرجل إلى أهله فأستحيوا منهم وأكرمهم".

    (3) الحياء من الناس

    وهذا النوع من الحياء هو أساس مكارم الأخلاق ومنبع كل فضيلة لأ،ه يترتب عليه القول الطيب والفعل الحسن والعفة والنزاهة.. والحياء من الناس قسمين:

    (1) هذا قسم أحسن الحياء وأكمله وأتمه. فإن صاحبه يستحي من الناس جازم بأنه لا يأتي هذا المنكر والفعل القبيح إلا خوفاً من الله تعالى أولاً ثم إتقاء ملامة الناس وذمهم ثانياً فهذا يأخذ أجر حيائه كاملاً لأنه استكمل الحياء من جميع جهاته إذ ترتب عليه الكف عن القبائح التي لا يرضاها الدين والشرع ويذمه عليها الخلق.

    (2) قسم يترك القبائح والرذائل حياء من الناس وإذا خلا من الناس لا يتحرج منها فعلها وهذا النوع من الناس عنده حياء ولكن حياء ناقص ضعيف يحتاج إلى علاج وتذكير بعظمة ربه وجلاله وأنه أحق أن يستحيا منه لأنه القادر المطلع الذي بيده ملكوت كل شيء الذي أسبع عليه نعمة ظاهرة وباطنة فيكف يليق به أن يأكل من رزقه ويعصيه ويعيش في أرضه وملكوته ولا يطيعه ويستعمل عطاياه فيما لا يرضيه.

    وعلى ذلك فإن هذا العبد لا يليق به أن يستحي من الناس الذين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً لا في الدنيا ولا في الآخرة ثم لا يستحي من الله الرقيب عليه المتفضل عليه الذي ليس له غناء عنه.

    أما الذي يجاهر بالمعاصى ولا يستحي من الله ولا من الناس فهذا من شر منيت به الفضيلة وانتهكت به العفة، لأن المعاصي داء سريع الإنتقال لا يلبث أن يسري في النفوس الضعيفة فيعم شر معصية المجاهر ويتفاقم خطبها، فشره على نفسه وعلى الناس عظيم وخطره على الفضائل كبير، ومن المؤسف أن المجاهرة بالمعاصي التي سببها عدم الحياء من الله ولا من الناس – قد فشت في زماننا. فلا شاب ينزجر ولا رجل تدركه الغيرة ولا امرأة يغلب عليها الحياء فتتحفظ وتتستر. فقد كثر في المجتمعات المسلمة التبرج من النساء في الأسواق وفي الحدائق العامة وحتى في المساجد. تخرج المرأة كاشفة الوجه مبدية الزينة بكل جرأة لم تجل خالقاً ولم تستحي من مخلوق.

    ومن مظاهر عدم الحياء في مجتمع النساء: تحدث المرأة بما يقع بينها وبين زوجها من الأمور الخاصة. وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك بشيطان أتى شيطانه في الطريق والناس ينظرون.

    ومن مظاهر ضعف الحياء لدى بعض النساء: تبسطها بالتحدث مع الرجل الأجنبي مثل البائع وتليين القول له وترقيق الصوت من أجل أن يخفض لها في سعر البضاعة.

    ومن المظاهر تشبه النساء بالرجال في اللباس وقصات الشعر والمشية والحركة. وهذا فعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء وحرمه الشرع ونهى عنه.

    ومن المشاهد المؤسفة التي فشت في وسط النساء هذه الأيام ظاهرة النساء الكاسيات العاريات – أو النساء شبه العاريات – وذلك بلبس الملابش شديدة الضيق اللاصفة أو الملابس المفتحة من الأعلى والأسفل حتى وصلت إلى حدود العورات المغلضة فلم يراعو ديناً ولا حياء ولا مروءة. والله إن المؤمن عندما يرى أمثال هؤلاء يقشعر بدنه حياء من الله وحياء من الناس. ولكن ماذا نقول لأمثال هؤلاء السنوة؟ وماذا نملك لهم وقد نزع الحياء من قلوبهم وقابلوا الناس بوجه وقاحاً.

    (4) الحياء من النفس

    وهو حياء النفوس العزيزة من أن ترضى لنفسها بالنقص أو تقنع بالدون.

    ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحسن السريرة. فيجد العبد المؤمن نفسه تستحي من نفسه حتى كأن له نفسين تستحي إحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون من الحياء. فإن العبد إذا أستحى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر.

    يقول أحد العلماء: (من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر).

    والحقيقة أن هناك نفساً أمارة بالسوء تأمر صاحبها بالقبائح. قال تعالى على لسان امرأة العزيز (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) .. والنفس الثانية هي النفس الأمارة بالخير الناهية عن القبائح وهي النفس المطمئنة. قال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي) إذا فعلينا أن نجاهد أنفسنا فلا نجعلها تفكر في الحرام ولا تعمله حتى تكون من النفوس المطمئنة التي تبشر بجنة عرضها السموات والأرض.. يقول تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

    نسأل الله العزيز القدير ذو العرش المجيد أن يعصمنا من قبائحنا وأن يستر عوراتنا ويغفر زلاتنا ويقينا شرور أنفسنا وشر الشيطان وشركه.

    اللهم إن نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

    والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    نوع المطبوع : مطوية
    الموضوع : الحياء
    اسم الناشر : دار القاسم
    اسم المؤلف : دار القاسم

مواضيع مشابهه

  1. الردود: 1
    اخر موضوع: 08-04-2007, 03:23 AM
  2. أأأأأأأ ختاه ........... الحجاب الحجاب الحجاب
    بواسطة abdullah9004 في روضة السعداء
    الردود: 2
    اخر موضوع: 15-11-2005, 02:41 AM
  3. نماذج من الحياء مقطع من شريط الحياء رائع ومفيد جدآ ...
    بواسطة أبو عبدالرحمن في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 0
    اخر موضوع: 09-06-2004, 02:33 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ