السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الموضوع كنت أفكر كثيرا بطرحه لما اقرأ في بعض المواضيع و الردود.. ثم أتيت على هذا الحديث سبحان الله.. فلنتفكر به أخواتي:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ مُعَاذًا قَالَ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ.) صحيح مسلم
يظهر في هذا الحديث الشريف منهج رسولنا و معلمنا صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله: التدرج ..
حتى أن الله سبحانه و تعالى لم يفرض الفرائض و يحرم المحرمات دفعة واحدة، بل بتدرج.. و الأمثلة على ذلك كثيرة، أذكر منها فرض الصلاة و تحريم الخمر(ركن و كبيرة من الكبائر)..
و في الآية الكريمة:
(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.) (نحل125)
إذاً منهج الدعوة الإسلامية هو منهج تدرج و لين و حكمة.. و إن من الحكمة مراعاة خلفية و ظروف المخاطب، و البحث عن الأسلوب المناسب لدعوته..
حتى أننا نجد في خطاب خالقنا عز و جل، الأعلم بنا، نجد في خطابه لنا عبر القرآن الكريم تنويعا ما بين وعد و وعيد، آيات محكمات و آيات متشابهات، قصص، و غيره..
الناس يختلفون عن بعضهم البعض كثيرا.. يختلفون باستعداداتهم للتقبل، يختلفون بظروف نشأتهم و معيشتهم، يختلفون بأسلوب تفكيرهم..
لذلك وجهنا ربنا: البعض يدعى إلى سبيل ربه بالحكمة و المنطق.. البعض تؤثر به الموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق و تحرك المشاعر.. و البعض لا يأتي إلا بالجدال (بالتي هي أحسن)..
أسلوب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ينفع مع الكثيرين بلا شك.. و لكن كما كان هناك عمر، كان أبو بكر.. الشدة مطلوبة و اللين مطلوب..
(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه44) .. هذا لفرعون!!..
دعونا أخواتي عندما ندعو أحدا، أوعندما نقيم أسلوب أحد الدعاة أو إحدى الجهات، دعونا نراعي أن كل داعية يتوجه إلى شريحة معينة من الناس.. فكما في الحديث الذي استفتحت به، ليس من المجدي دعوة الناس لإقامة الصلاة قبل شهادتهم بالتوحيد، و ليس من المنطق دعوتهم لإيتاء الزكاة (و لاحظوا أن الزكاة ركن من أركان الدين) قبل إقامتهم لعماد الدين الصلاة، و كذلك ليس من الحكمة الدعوة لتحريم سماع الأغاني و الاختلاط في المجالس لقوم لم يقيموا صلاتهم بعد...
الدين واحد لا يتجزأ.. و لكن الفكرة، أن هؤلاء عندما يقيموا الصلاة، سيتوجهون أو يتم توجيههم حتى للخطوة التالية.. إيشارب ملون و مزركش و ملفوف لفة لا يعلم بها إلا ربنا... ليس حجابا شرعيا لأنه لا يستوفي الشروط، و لكنه خطوة أولى كبيرة جدا.. و الدعوة لها إنما المقصود منه أن تكون هذه الخطوة فاتحة خير.. أي من منطلق التدرج.. و لا تنسوا نقطة مهمة، أن الحلال بين و الحرام بين، و في القرآن آيات وعيد كثيرة كافية و كفيلة بتوجيه من أراد الحق.. أنا شخصيا شاهدت برنامجين متتاليين على إحدى الأقنية؛ الأول فيه لفات إيشاربات، و بعده برنامج فتاوى يدعو إلى وجوب لبس النقاب... يعني المقصود أن لا أحد يخفى عليه الحق، و كل مسؤول عن خياراته.. التدرج مفيد جدا لفئة معينة، لا تستجيب إلا بهذا الأسلوب.. أما الذين يجدون في أنفسهم و ظروفهم الاستعداد و القابلية، و مع ذلك يأخذون برخصة التدرج، فكل مسؤول عن خياراته...
مقصدي من كل ما كتبت هو: دعونا نتفهم أسباب و أهداف الآخرين من إخواننا في الإسلام فبل أن نحكم عليهم..
الروابط المفضلة