[
.علامات الساعة الصُغـرى
ــ عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : { إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علــــم ، فضلوا وأضلوا } *.
ــ وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : { بُعثــت أنـــا والساعة كهاتين ، وضم السبابة والوسطى }* .
ــ وقيل : أشراط الساعة : أسبابها التي هي دون معظمهــا ، وواحــد الأشراط شرط وأصله الأعلام ، ومنه قيل الشرطة ؛ لأنهم جعلوا لأنفســهم علامة يعرفون بها ... ومنه الشرط في البيع وغيره .
ــ وعن أبـي هريرة رضي الله عنــه : أن رســول الله صلى الله عليه وسلّم قال : { لا تقــوم الساعة حتى تقتل فئتان عظيمتان تكون بينهم مقتلـــة عظيمـــة دعوتهمــا واحدة ، وحتى يبعث الله دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنــه رسول الله ، وحتى يقبض العلم ، وتكثر الــزلازل ، ويتقـــارب الزمـــان ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج وهو القتل ، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض ، وحتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، وحتى يعرضه فيقول الذي يعـرضه لا أرب لي به ، وحتى يتطاول الناس في البنيان ، وحتى يمر الرجل بقبـــر الرجل فيقول يا ليتني مكانه ، وحتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً .
ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فــلا يتبايعانـــه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فـــلا يطعمـــه ، ولتومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها } *.
ــ جاء في التذكرة للقرطبي : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : هذه ثلاث عشرة جمعها أبو هريرة في حديث واحد ولم يبق بعد هذا ما ينظر فيه من العلامات والأشراط في عموم إنذار النبي صلى الله عليه وسلّم بفساد الزمان وتغيــر الـــدين وذهاب الأمانة ما يغني عن ذكر التفاصيل الباطلة والأحاديث الكاذبة فـــي أشراط الساعة .
ــ من ذلك حديث ما رواه قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عــن رسول الله صلى الله عليه وسلّم : { إن في سنة مائتين يكون كذا وكذا ، وفي العشر والمائتين يكون كذا وكذا ، وفي العشرين كذا وفي الثلاثين كذا ... الخ } .
فهل كان هذا وقت مضت فيه المدة ؟ وهذا شيء يعم وسائر الأمور التي ذكرت قد تكون في بلدة وتخلو منها أخرى ، وأيضاً دلالة أخرى على أنـــه مفتعل ، أن التاريخ لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإنما وضــعوه علــى عهد عمر رضي الله عنه ، فكيف يجوز هذا على عهد رســول الله صلى الله عليه وسلّم أن يقال في سنة مائتين أو سنة عشرين ومائتين ولم يكن وضـــع شـــيء مــن التاريخ ؟!
ــ والذي ينبغي أن يقال به في هذا الباب إن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلّم من الفتن والكوائن أن ذلك يكون ، وتعيين الزمان في ذلك من سنة كذا تحتاج إلـــى طريق يقطع العذر .
ــ وإنما ذلك كوقت قيام الساعة فلا يعلم أحد أي سنة هي ولا أي شـــهر ، أما أنها تكون في يوم جمعة في آخر ساعة منه وهي الساعة التي خلق الله تعالى فيها آدم – عليه السلام – ولكن أي جمعة ؟ لا يعلم تعيين ذلك اليوم إلا الله وحده لا شريك له ، وكذلك ما يكون من الأشراط تعيين الزمان لها لا يعلم , والله أعلم .
ــ وأما الثلاث عشرة خصلة فقد ظهر أكثرها من ذلك قولـــه صلى الله عليه وسلّم : { لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان } ، يريد فئة معاوية وعلي بصـــفين وقد تقدم الإشارة إليهما .
ــ وقال القاضي أبو بكر بن العربي : وهذا أو خطب فـــي الإســـلام ، قلت : بل أول أمر دهم الإسلام موت النبي صلى الله عليه وسلّم ثم بعده موت عمر ، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك ، وقوله : { حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين } ، والدجال يطلق في اللغة على أوجـــه كثيــرة أحدها الكذاب ، وقوله : { قريبا ثلاثين } ، فقد جاء عددهم معيناً في حديث حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : { يكون في أمتي دجالون كذابون ســبعة وعشرون منهم أربعة نسوة وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي } *.
ــ قال القاضي عياض : هذا الحديث قد ظهر فلو عد من تنبأ من زمــن النبي صلى الله عليه وسلّم ممن اشتهر بذلك وعرف واتبعه جماعة على ضلالته لوجد هــذا العدد فيهم ، ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ عرف صحة هذا .
وقوله : { حتى يقبض العلم } ، فقــد قــبض العمـــل بــــه ولـــم يبـــق إلا رسمه ، وأما كثرة الزلازل فهي تقع في كل حين ووقع منها الكثير في بعض أنحاء الأرض .
وقوله : { ويتقارب الزمان } ، قيل : معناه تتقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، كما هــو اليوم لغلبة الفسق وظهور أهله ، وأما كثرة المال فهذا واقع كما هو معلوم ، وأما التطاول في البنيان فهذا مشاهد بما يغني عن الكلام فيه .
وقوله : { حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه } ، ذلـك لما يرى من عظيم البلاء ، وربح الأعداء ، وغــبن الأوليــاء ، ورئاســة الجهلاء ، وخمول العلماء ، واستلاء الباطل في الأحكام ، وعمــوم الظلـــم ، والجهر بالمعاصي ، واستلاء الحرام على أموال الخلــق ، والــتحكم فـــي الأبدان والأموال والأعراض بغير حق ، كما في هذا الزمان .
ــ وعن عبد الله بن الصامت رضي الله عنه قال : قال أبو ذر رضي الله عنه : {{ يوشك أن يأتي على الناس زمان يغبط فيه خفيف الحاذ كما يغبط اليوم أبو عشرة ، ويغبط الرجل باختفائه عن السلطان وجفائه عنه كما يغبط اليوم بمعرفته إياه وكرامته عليه ، وحتـــى تمـــر الجنـــازة فـــي الســـوق على الجماعة فينظر إليها الرجل تهتز بهذا رأسه ، فيقــول : يـــا ليتنـــي مكان هذا ، قال : يا أبا ذر وإن ذلك من أمر عظيم ؟ قال : يا ابـــن أخي عظيم عظيم ! }} *.
هذا هو الزمان الذي قد استولى فيه الباطل على الحق وتغلب فيــه العبيد على الأحرار من الخلق فباعوا الأحكام ورضي بذلك مــنهم الحكــام فصار الحكم ملكاً والحق علكاً لا يوصل إليه ولا يقدر عليه ، بـــدّلوا ديـــن الله وغيروا حكمه {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } *، و { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } * ، و{ الظَّالِمُونَ } *، و { الْفَاسِقُونَ } * .
ــ وعن أنس بن مالــك رضـــي الله عنـــه قـــال : قـــال رســول الله صلى الله عليه وسلّم : { سيكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة } *.
ــ قال القرطبي : وهو صحيح المعنى لما ظهر في الوجود من ذلك .
ــ وقال مكحول : يأتي على الناس زمان يكون عالمهم أنتن من جيفــة الحمار .
ــ وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : {{ ســيبلى القـــرآن فـــي صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافـــت يقرأونــــه لا يجـــدون لــــه شـــهوة ولا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم طمع لا يخـــالطهم خوف إن قصدوا قالوا : سنبلغ، وإن أســـاءوا قــــالوا : ســيغفر لنـــا إنـــا لا نشرك بالله شيئاً }} *.
ــ وعن حذيفة بن اليمان رضـــي الله عنـــه قــال : قـــال رســول الله صلى الله عليه وسلّم : { والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلــوا إمـــامكم وتجتلــدوا بأسيافكم ويرث دينكم شراركم } *.
ــ وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : { إن بين يــدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة وقطع الأرحام وفشو الظلم – أي بظهور الكذب وشهادة الزور – وكتمــــان شهادة الحق } *.
ــ وعن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : { إن من أشـــراط الساعة أن يقل العلم ويكثر الجهل ويظهر الزنى وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد } *.
ــ وعن أبي موسى الأشعري عن النبــي صلى الله عليه وسلّم قـــال : { ليـــأتين علــى الناس زمان يطوف الرجل بالصدقة من الذهب ثم لا يجــد أحـــداً يأخـــذها منه ، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلـــة الرجـــال وكثرة النساء } *.
ــ قال القرطبي : يريد والله أعلم : أن الرجال يقتلون في الملاحم ويبقى نساؤهم أرامل فيقبلون على الرجل الواحد في قضاء حـــوائجهن ومصـــالح أمورهن ، كما في الحديث قبله : { حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد } الذي يسوسهن ويقوم عليهن من بيع وشراء وأخذ وعطاء .
ــ قال القرطبي : وأما قلة العلم وكثرة الجهل فهذا شـــائع فـــي جميـــع البلاد وذائع ، وأعني برفع العلم ترك العمل به ، ما قالـــه عبــد الله بـــن مسعود رضي الله عنه : لــيس حفــظ القـــرآن بحفــظ حروفـــه ولكـــن إقامة حدوده .
ــ وعن سلامة بن الحر قال : سمعت رســول الله صلى الله عليه وسلّم يقـــول : { إن مــــن أشراط الساعة أن يتدافع أهـــل المســـجد الإمامـــة فـــلا يجـــدون إمامـــاً يصلي بهم } *.
ــ قال القرطبي في التذكرة : قال علماؤنا رحمهم الله : ما أخبــر بــه النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا الباب وغيره مما تقدم ويأتي قد ظهر أكثره وشــــاع فـــي الناس معظمه ، فوسد الأمر إلى غير أهله ، وصار رؤوس الناس أســافلهم وعبيدهم وجهالهم يملكون البلاد والحكم في العباد ، ويجمعـــون الأمــوال ويطيلون البنيان كما هو مشاهد في هذه الأزمنة ، فلا يسمعون موعظة ولا ينزجرون عن معصية فهم صم بكم عمي .
ــ قال قتادة : صم عن استماع الحق ، بكم عن التكلم به ، وعمي عــن الإبصار به ...
وقوله : { أن تلد الأمة ربتها } : فهذا يقع على معاني كثيرة فــي كـــل زمان ومكان ومنها الحقوق وقلة احترام البنت لأمها أو لأبيها لقلـــة العلــم وكثرة الجهل ، فتكون هي الآمرة الناهية .
ــ وعن علـي بن أبي طالب رضي الله عنه قـــال : قـــال رســول الله صلى الله عليه وسلّم : { إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء ، قيل : وما هـــي يا رسول الله ؟ قال : إذا كان المغنم دولاً والأمانة مغنماً والزكاة مغرمـــاً ، وأطاع الرجل زوجته وعق أمه ، وبر صـــديقه وجفـــا أبـــاه ، وارتفعــت الأصوات في المساجد ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافــة شره ، وشربت الخمور ، ولبس الحرير ، واتخذت القيـــان والمعـــازف ، ولعن آخر هذه الأمــة أولهــا ، فليرتقبــوا عنــد ذلــك ريحـــاً حمــراء أو خسفاً أو مسخاً } *.
][/SIZE]
الروابط المفضلة