أخواتي في الله هذا الموضوع كّتب بعد أن عادت صاحبته إلى ربها وارتدت الحجاب وذاقت حلاوة القرب من الله
أخواتي بارك الله فيكم ساعدوا في نشر هذا الموضوع وسأنشره على حلقات وهو عبارة عن رسالة لكل مسلمة تحب ربها
بسم الله الرحمن الرحيم"وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السمواتُ والأرضُ أعدت للمتقين" (آل عمران 133).
مقدمة
من قلب فتاة أضناه البحث عن الطريق، فتخبط في ظلمات الجهل تارة، وسقط في بحر الحيرة والضلال وهوى النفس تارة أخرى، وولى وجهه شطر طريق الأشواك، فانغمس رغماً عنه فيها، فأدماه وخز الشوك. ولأنه لم يسر في اتجاه الهدف، فما وصل إلى عبق الورد.
من قلب فتاة أضناها البحث عن الطريق، ولمّا لم تجد حولها إلا قلوباً واهنة، وأيادٍ لا تمتد إلا لتأخذ بيدها لتسلمها إلى عرين الأسد، فقد صارت فريسة سهلة في يد الشيطان، وأصبحت أسيرة لهوى النفس، فغرقت في لجة التبرج، وذاقت بسببه أقسى مشاعر الوحدة والاغتراب عن النفس. فأراد الله بها خيراً، فامتدت لها عنايته لتقيلها من عثرتها وتنتشلها من مشاعر الإحباط والاغتراب والإحساس بالوحدة وسط عالم يعج بالمعاصي والذنوب.
أكتب إليكِ أختي المسلمة هذه الرسالة، وما أبغي بها سوى وجه الله عز وجل، عسى أن تكون توبة صادقة لي ولكِ، وعسى أن يتقبلها الله منا حين يعلم صدق توبتنا ورجوعنا إليه، فيفك عنا أسر هذه القيود التي تكبلنا، ويخرجنا من ظلمات الجهل الذي يسكننا إلى رحاب نور الإيمان. فهل تأتين معي وتعيريني قلبك قليلاً في رحلة إلى دنيا صافية بعيدة عن المعاصي؟ هل تأتين معي إلى جنة الدنيا؟
نعم أختاه، ففي الدنيا جنة رائعة، ألا وهي حلاوة الإيمان التي إن ذاقها قلبك ومست شغافه، لتمنى أن يولد من جديد ليرتدي من أول وعيه ثوب الإيمان ليتحول إلى قلب يستضيء بنور الإيمان بعدما غلفه الصدأ من كل الأجناب. نعم، فالقلب أيضاً يصدأ. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا أذنب ذنباً، كان نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها ثقل قلبه وإن زاد زادت، فذلك قول الله تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" (المطففين 14)."
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
هكذا هو القلب عندما يغرق في المعاصي، يصبح كقطعة من الثلج أحاطتها الحرارة من كل جانب، فذابت واختفت معالمها، أو كوردة ملقاة على الأرض فداستها الأقدام، فاستحالت إلى بقايا ميتة بلا شذا، وأبداً لن يعود القلب إلى نقائه إلا بشيء من الإصرارعلى توفير المناخ المناسب الذي لن يوجد من تلقاء نفسه، ولكن بالتوبة الصادقة والعزيمة القوية وصدق اللجأ إلى الله عز وجل والإخلاص في التقرب إليه، وكذلك شيء من الحب لأنفسنا والحنو على ذواتنا لنقي أنفسنا ناراً عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون لله أمراَ.
"ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" (التحريم 6).
شيء من الصبر على تهذيب أرواحنا، والسمو بأنفسنا، لنصل إلى منزلة أصحاب القلوب السامية. فالإنسان في حاجة دائمة إلى الصبر على الطاعة ليصل إلى أسمى مراحل الإيمان وأعلى درجات الصفاء النفسي. شيء من التحدي لشيطان أنفسنا وأهوائنا. شيء من التطلع إلى مكانة أسمى لدى الله، ولحظتها سنجد النتيجة مبهرة تماماً، سنجد داخلنا نبعاً متدفقاً من الإيمان. نعم، فكل منا بداخله فطرة نقية، وزهرة تحتاج إلى نور الإيمان لتحيا. أما إذا منعنا عنها ماء الهدى وأحطناها بجبال المعصية فإنها تذبل وتختنق.
أختاه لقد مر من العمر الكثير، والباقي لا نضمن منه لحظة واحدة. فهل لنا أن نعيد ترتيب أوراقنا، وأن نعلن توبتنا؟ لعل وعسى أن تعود الفطرة الهاربة إلينا.
هل آن لنا أن نصبح مسلمين بحق؟ هل نكف عن مبارزة الله بالمعاصي والتبغض إليه بالذنوب، وهو الذي يتحبب إلينا بالنعم؟ هل آن لنا أن نسرع إلى الله الخطا؟ أن نمشي إليه ليهرول إلينا؟ هل آن لنا أن نعود إلى الله، وإلى إسلامنا وإلى حقيقتنا الطاهرة؟ اللهم اهدنا للإسلام. اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً. اللهم إنك تعلم أننا نحب طاعتك ولكن نفوسنا ضعيفة، فمد يد العون لنا، وطهر قلوبنا وباعد بيننا وبين ذنوبنا.
الفصل الأول
معنى الإسلام
"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماَ" (النساء 65).
كان المسلمون الأوائل يفهمون معنى الإسلام. كانوا يعيشون الإسلام بكل مقتضياته. لذلك كانوا خير الناس، وخير القرون. اقترن عندهم معنى الإسلام بالعمل. رضوا بالدين ككل متكامل، ولم يجزئوه. لم يأخذوا منه ما يتوافق مع أهوائهم ويساير رغباتهم، ويتركوا ما عدا ذلك. أما اليوم، فقد صار الإسلام في نفوس المسلمين كلمة أو هوية تلحق بصاحبها، ونسوا أن "الإسلام ما هو الإ الانقياد" (لسان العرب). ونسوا أو تناسوا أن الهدف الذي خلق الإنسان من أجله هو العبادة، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات 56). فما هي إذاً تلك العبادة التي خلقنا من أجلها؟ يقول شيخ الإسلام: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال الظاهرة والباطنة"، ويقول أيضا: "العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل". فهل حقق المسلمون اليوم معنى العبادة؟ وهل أدت المرأة المسلمة حق الله عليها، وقامت بهذه العبادة كما ينبغي؟ إن معنى إقرارنا بالشهادة وقبولنا الإسلام ديناً، أن نلتزم بكل التكاليف التي أمرنا الله بها. يقول ابن كثير في تفسيره لمعنى العبادة: "عبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور". ولا تظن المرأة المسلمة التي تستبيح أوامر الله، وتنتهك حرمته، وتسير عارية الرأس، متبرجة؛ تعرض زينتها لكل عين كأنها تبارز الله بالمعصية، لا تظن هذه المرأة أنها بذلك تكون مسلمة بحق. فها هو معنى الإسلام والإيمان يتلخص في آية؛ "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً" (الأحزاب 36). أما الاعتراف باللسان فقط، فهذا دون الإيمان، "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسملنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم" (الحجرات 14). "ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين" (النور 47).
أما الإيمان فهو كما قيل الاعتراف باللسان والتصديق بالقلب والوفاء بالفعل والاستسلام لله في جميع ما قال وقدر. ويتضح لنا ذلك في قول الله عز وجل: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" (الأنعام 162).
فسلي نفسك أيتها المسلمة، التي أحبت ربها، ورضيت به رباً، وقبلت الإسلام، ورضيت به ديناً، سلي نفسك هل أنت مسلمة حقا؟ هل استسلمت لربك في جميع أوامره، وخضعت لأحكامه بكل حب ورضا؟ بل سلي نفسك هل رضيت بالله رباً؟
أظنك الآن غاضبة ثائرة تتعجبين وتقولين: أنى لي أن ارضى بالله رباً؟ وأجيبك: لو أنك رضيتِ بالله رباً، لهرولتِ إلى دينك، وتجرعتِ تعاليمه، وأحللت حلاله، وحرمت حرامه. لو أنك رضيت بالله رباً، لنبض قلبك بحبه، ورضيت بالإسلام ديناً، ولكنت أسرع الناس تنفيذا لأحكام الله وتكاليفه، ولفعلت مثلما فعلت نساء الأنصار، فقد روى حاتم وأبو داود في سننه من طريق صفية بنت شيبة قالت: "بينما نحن عند عائشة قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان" (حديث صحيح رواه أبو داود).
وها أنا ذا أتركك إلى نفسك لتحاسبيها قبل أن يحاسبك الله، ربما ينبعث في قلبك نور الإسلام ونور الإيمان، فتضيء داخلك حقيقة معناه، فتسارعي إلى تطبيقه في حياتك.
SIZE][/COLOR]
الروابط المفضلة