توازن الإسلام في: الجنة والنار، الرحمة
والخوف، التوبة والذنب
الإسلام دين رحمه ويسر.. دين طمأنينة وراحة وسعادة.. دين ..جاء لينير دروب الحيارى، ويوقظ عقول الغافلين، ويسهل مسالك الضالين..
إنه دين الفطرة، إنه دين الله عز وجل خالق البشر..إنه الإسلام جاء لصلاح الدنيا والآخرة.
إن الإسلام يقر بالضعف البشري لدى الإنسان، ويقر بانجذابه وسقوطه أمام بعض المغريات.. ويقر بميوله ورغباته إلى زخرف الحياة الدنيا.
ولما كان الإسلام دين توازن، دين وسطية، دين رحمه، دين فطرة... سهل ويسر للإنسان الطريق الذي يوصله لنور إذا أظلم علية الطريق.. طريق يوصله بالرحمة الإلهية الفياضة بعد طول الشدة والعناء، طريق يفتح له أبواب الجنة ،ويغلق أمامه أبواب النيران.
إن الإسلام دين حياة ..دين يربي أبناءه ليرقى بأرواحهم ،ويسموا بنفوسهم، ويترفعوا عن مدارك الحيوان إلى كرامتهم الإنسانية، ويحركوا عقولهم ويفكروا ويختاروا الطريق الصحيح ،طريق القيم والأخلاق الرفيعة، طريق صلاح القلب وصلاح الدين والمجتمع والدنيا.. طريق الأمان والرحمة.. فإن زلوا أو أخطئوا ،أو ضلوا الطريق أثناء سيرهم.. فتح لهم أبواب رحمته ومغفرته ..ليعودوا إلى صلاح دنياهم وآخرتهم.
والجدير بالذكر هنا.. أن وسطية الإسلام لم تضمن المغفرة والجنة الضمان الأزلي لجميع أبناءها..-كما في بعض الأديان- قال تعالى: [لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)] النساء. كذلك لم تغلق الأبواب في وجوه الضالين مهما بلغوا في الطغيان!! بل نظمت وعدلت.. فأعطت للإنسان العاقل حرية الاختيار، فان أحسن جوزي بخير الجزاء.. وان أساء جوزي على قدر إساءته، فان عاد بعد إساءته فتح له أبواب التوبة والرحمة.. وبهذا التصور الإسلامي .. يضمن الإنسان حياة آمنه مطمئنه.. دافعة ومعينة لعوامل الخير، مطفئة ومغلقة لسبل الشر والفساد.قال تعالى: [وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)] النجم.
إن الإنسان إذا ضمن المغفرة التامة .. فسيعثوا في الأرض فسادا..لأنه ضامن المغفرة!! كذلك إذا علم الإنسان أنه إذا أخطأ فلا عودة له ولا رجوع.. فإنه أيضا سيتمادى ويزيد في الطغيان.. وفي كلتا الحالتين، فساد وجور وظلم ..للإنسان والحياة ولا يعقل أن يكون هذا المنهج دين رباني من خالق البشر الذي يدعوا إلى صلاح الأرض !!
والإسلام بين هاتين الحالتين.. فلا مغفرة تامة أزلية ..ولا يأس مقنط من رحمه الله تعالى .. بل وسطية تدعوا للعمل والصلاح ..وفتح الأبواب للضالين..
قال تعالى: [نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)] الحجر، قال تعالى: [غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)] غافر.
إن الله تعالى غني عن عبادة، فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية،وإنما شرع كل ذلك لصلاح حياة الإنسان المكرم الذي نفخ فيه من روحه ،وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا. قال تعالى: [مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)] النساء.
وقد فتح الله تعالى برحمته الواسعة باب التوبة لجميع البشر.. مهما بلغ في كفره وظلمه وطغيانه.. قال تعالى: [وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)] الفرقان، وقال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)] الزمر.قال r: ( كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال له هل من توبة قال لا فقتله فجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له) البخاري/2[ 3283 ] وقال r: (ويتوب الله على من تاب) خ/2: [ 6072 ] إنها رحمه ارحم الراحمين ..الكريم .. الغني عن العالمين..
وقد رغب الله عز وجل وحث على فعل الخير.. ورتب على ذلك أعظم وأفضل الجزاء، قال النبي r فيما يروي عن ربه عز وجل قال: ( قال إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة ) البخاري/2 [ 6126 ]
ووعد الله تعالى جميع المؤمنين بالجنة، كذلك وعد الكافرين النار.. وبعض المسلمين ممن يعملون الكبائر أو السيئات العظيمة.. يعذب في النار بقدر سيئاته ثم يدخل الجنة، إذا كان معه أصل الإيمان.. والخلود الدائم يكون للكفار.قال تعالى: [وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)]الأعراف.قال تعالى: [وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)] التغابن.
***********************
فعقيدة المسلم المتوازنة تدعو إلى الصلاح والخير، والسير في طريق العمل الصالح، جامعا بين الخوف من عقاب الله تعالى إذا أساء، طامعا في رحمه الله تعالى في جميع أموره، مطمئنا انه إذا أساء فان باب التوبة مفتوح يلجه بكل يسر، ضامنا أن الجنة مؤوى المؤمنين والنار مثوى الكافرين.
فطريقه ومنهجه هو الذي يحدد مصيره-وكلا مرهون بعمله- هذا هو عدل الإسلام!!
قال تعالى: [أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)] النجم، وقال تعالى: [وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)] النساء، قال رسول الله r : (يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله) البخاري/2[ 6149 ].
______________________________________________