حكايات من الواقع شبيهة بما تقدم

وهذا بعض ما جمعته من حوادث وقعت أمامي، أو حدثني بها من أثق به، تلمس فيها استخفاف القوم بالقرآن وأمور الدين، وتجد ظهور السخرية على ألسنتهم من غير وجل أو خجل، والعجيب أن معظم هؤلاء المستهزئين هم القراء والحفاظ وطلبة العلم، فبدل أن يكرموا الآيات ويراعوا حقها وقدرها، راحوا يلوكونها بألسنتهم، ويضحكون عليها!!.
ولولا أني أعلم أن حاكي الكفر ليس بكافر لامتنعت عن ذكرها أشد امتناع، ولولا رجحان المصلحة في ذكرها كأمثلة يقاس عليها لنزهت قلمي عن أن يخُطها، وكما قيل: بالمثال يتضح المقال.
وجميع هؤلاء إذا ما أنكر عليهم يقولون: (..إنما كنا نخوض ونلعب...)

فمن هذه الأمثلة:
- اجتمع بعض الشباب في دار أحد الأخوة، إجابة لدعوته لهم بالإفطار في أحد أيام رمضان، وبعد أن أحضر الطعام نسي إحضار الخبز فقال أحد المدعوّين: (ما ليَ لا أرى الخبز أم كان من الغائبين؟!) فأجابه صاحب الدعوة : (سآتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين!) ثم قال ثالث: وماذا نفعل بالخبز (ولكم في العدس أسوة حسنة)! فضحك الجميع، وقهقهوا وارتفعت أصواتهم. وكان بعضهم يحفظ القرآن.!!
- سأل أحدهم صاحبه أن يشرح له أجزاء أحد الأجهزة فقال له: أي جزء تريد أن أشرح لك؟ فقال ثالث: (اشرح له جزء عمّ)!!.
وضع أحدهم السفرة وعليها إبريق الشاي، وبعض الفناجين من نفس الطراز فقال صاحبه: (هذا الإبريق أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء)!!.
- انتهينا من طعام الغداء، فقال أحدهم: (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة إلا جبريل)! قالوا له: ولمَ ؟ فقال: (إنه ينتظر مجيء الشاي).
- وفي الطريق ذكر أحدهم أنه محتقن يريد أن يتبول فاستأذنهم بالذهاب إلى مكان قريب فقال له آخر: وأنا كذلك، فقال الأول: (إذن هيا بنا نبول جماعة)!!.
- كان لأحد أصحابنا غلام صغير في لسانه عقدة فلا يكاد يفصح في حديثه فقال أحدهم لأبيه مازحا: ما هذا يا فلان؟ (أولادك يحرفون الكلم عن مواضعه).
- المدعون منشغلون في تناول الطعام، وأحد الجالسين في طرف السفرة ينادي صاحبه في الطرف الآخر مراراً وهو لا يسمع، فقال له أحدهم وهو يضحك: لا تتعب نفسك (إنهم اليوم في شغل فاكهون)!!.
- سمعت من أحدهم يقول لصاحبه: (إذا لم تسكت فسأقرأ عليك آية تشطرك نصفين)!!.
- مررت بحلقة قبل يومين وشاب يقرأ والباقون يتابعون، فدخل أحد الأخوة البيت، وكانت هناك مظلة مسندة إلى الحائط، فقال: لمن هذه المظلة؟ وكان الشاب ما زال يرتل في قوله تعالى: ]قال إنك لن تستطيع معي صبرا[ فوصل الآية على نفس النغمة والترتيل بقوله للأخ السائل: (ليس لك أن تأخذها) وعبارات أخرى لا أذكرها!! عاملا بأحكام التجويد والتلاوة!.
- كنا في سفر فجمعنا الظهر والعصر جمع تأخير ولم نتناول طعام الغداء حتى وقت متأخر، فقال أحدهم يا جماعة انووا جمع الغداء مع العشاء جمع تأخير!!.
هذه بعض الأمثلة الواقعة المنتشرة ولا أقول بين من أظهر الفسق والفجور والمعصية، بل بين من يحسبون أنهم على شيء وأنهم حماة الدين، وأنهم أهل التقوى والصلاح، ولو رحنا نحصي كل ما سمعناه لطال بنا المقام، وليس الإكثار شرطاً للاعتبار، ولو أننا قارنا بعض الفقرات المتقدمة مع ما قاله منافقو تبوك، لوجدنا أنه لا يقل عنه خطورة، ذاك إن لم يكن أعظم منه، ولو كان القرآن يتنزل إلى يومنا هذا لفضح هؤلاء كما فضح أولئك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



============
الحذر بمعرفة أن من هزأ بالدين كفر
تأليف: جمال الدين باشا