{ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين}
(24)


ص 68
نظام الجباية والخراج في إيران:
ولم يكن النظام المالي والسياسة المالية في إيران عادلة مستقرة بل كانت جائرة مضطربة في كثير من الأحوال، تابعة لأخلاق الجباة العاملين وأهوائهم والأحوال السياسية والحربية.
يقول مؤلف ((إيران في عهد الساسانيين)) :
((كان الجباة لا يتحرزون من الخيانة واغتصاب الأموال في تقدير الضرائب وجباية الأموال، ولما كانت الضرائب تختلف كل سنة وتزيد وتنقص لم يكن دخل الدولة وخرجها مقدرين مضبوطين، وقد كانت الحرب تنشب في بعض الأحيان وليست عند الدولة أموال تنفقها على الحرب، فكان يلجئها ذلك إلى ضرائب جديدة، وكانت المقاطعات الغربية الغنية- وخاصة بابل- هدف هذه الضرائب دائماً (3))

(1) خطط الشام للأستاذ كرد علي ج 1 ص 101.
(2) أيضاً ج 1 ص 103.
(3) The Making of Humanity p 160


ص 69
كنوز الملوك ومدخراتهم:
ولم يكن ما ينفق على أهل البلاد في إيران من مالية الدولة شيئاً كثيراً. وقد اعتاد ملوك إيران من القديم أن يكتنزوا النقود ويدخروا الطرف والأشياء الغالية (2) ،
ولما نقل خسرو الثاني في المدائن أمواله إلى بناية أحدثها سنة 607- 608م وكان ما نقله 460 مليون وثمانية ملايين مثقال ذهب وذلك ما يساوي 370 مليون وخمسة ملايين فرنك ذهبي، وفي العام الثالث عشر من جلوسه على العرش كان في خزانته 800 مليون مثقال ذهب (3) .
الفصل الشاسع بين طبقات المجتمع:
كان الغنى لأفراد معدودين والفقر لمعظم الأهلين،
يقول مؤلف " إيران في عهد الساسانيين " عن أخصب عهد من عهود إيران وعن أعدل ملك من ملوكها وهو كسرى أنوشروان:
((إن ما قام به كسرى من إصلاح النظام المالي كان في مصلحة مالية المملكة أكبر منه في مصلحة الرعية، فلم تزل العامة يعيشون في الجهل والضنك كما كانوا في السابق وما شاهد الفلاسفة البيزنطيون من فوارق نسبية بين طبقات المجتمع والفصل الشاسع بينها والبؤس الذي كان يعش فيه رجال الطبقات المنحطة أقلق خاطرهم وانتقدوا المجتمع الفارسي بقولهم: إن الأقوياء فيه يقهرون الضعفاء ويعاملونهم بظلم وبقسوة شديدة (4)) .

(1) إيران في عهد الساسانيين ص 161.
(2) إيران في عهد الساسانيين ص 162.
(3) إيران في عهد الساسانيين ص 611.
(4) إيران في عهد الساسانيين ص 590.


ص 70
وكانت المناصب وقفاً على بعض البيوتات والسلائل ذات الثروة والجاه والنفوذ عند الحكام.
ويقول (Robert Briffault) عن النظام الطبقي في الدولة الرومية:
((مما جرت العادة أنه إذا أصيبت مؤسسة اجتماعية بالزوال والانحطاط لا يرى القائمون عليها حيلة إلا أن يمنعوها من الحركة والتطور، لذلك كان المجتمع الرومي (في عهد الانحطاط) خاضعاً لنظام طبقي جائر يرزح تحته، وما كان لأحد في هذا المجتمع أن يغير حرفته، وكان لا بد للابن أن يتخذ حرفة أبيه (1)) .
الفلاحون في إيران:
أثقلت الضرائب المتنوعة المتجددة كاهل الجمهور حتى ترك كثير من المزارعين أعمالهم أو دخلوا الأديرة فراراً من الضرائب والخدمة العسكرية لأمة لا يحبونها أو لغرض لا يتحمسون له وفشت في الناس البطالة والجنايات وطرق غير شرعية للكسب.
يقول مؤلف " إيران في عهد الساسانيين ":
((كان الفلاحون في شقاء وبؤس عظيم وكانوا مرتبطين بأراضيهم، وكانوا يُستخدمون مجاناً ويكلفون كل عمل، يقول المؤرخ " اميان مارسيلينوس " إن هؤلاء الفلاحين البؤساء كانوا يسيرون خلف الجيوش مشاة كأنه قد كتب عليهم الرق الدائم، ولم يكونوا ينالون إعانة أو تشجيعاً من راتب أو أجرة (2) وكانت علاقة الفلاحين بالملاك أصحاب الأراضي كعلاقة العبيد بالسادة (3))

. .
(2) أيضاً ص 424.
(3) أيضاً ص 424.


ص 71
الاضطهاد والاستبداد:
واضطهد الروم في الشام والعراق
واليعقوبيون في مصر اضطهاداً كبيراً واستبد الحكام استبداداً شديداً وعاثوا في البلاد والدماء والأموال والأعراض.
وتصامَّ أهل الحل والعقد عن شكواهم حتى صار الناس يعدون هذه الأوضاع الفاسدة ضربة لازب وقضاء محتوماً، وصاروا في بعض الأيام يفضلون الموت على الحياة.
المدنية المصطنعة والحياة المترفة:
استحوذت على الناس في الدولتين- الفارسية والرومية- حياة الترف والبذخ وطغى عليهم بحر المدينة المصطنعة والحياة المزورة وغرقوا فيه إلى أذقانهم.
فكان ملوك فارس والروم وأمراء الدولتين سادرين السادر : الذي لا يهتم بما يفعل )في غفلتهم لا هم لهم إلا اللذة والتهام الحياة، وبذخوا بذخاً عظيماً تخطى القياس، ودققوا في مرافق المعيشة وفضول المدنية وحواشي الحياة تدقيقاً عظيماً جداً،
فكان لكسرى أبرويز 12 ألف امرأة وخمسون ألف جواد وشيء لا يحصى من أدوات الترف والقصور الباذخة ومظاهر الثروة والنعمة، وقصره مثال في الأبهة والغنى (1) ، يقول مكاريوس:
((لم يرو في التاريخ أن مليكاً بذخ وتنعم مثل الأكاسرة الذين كانت تأتيهم الهدايا والجرايات من كل البلدان الواقعة ما بين الشرق الأقصى والشرق الأدنى (2) ولما خرجوا من العراق في الفتح الإسلامي تركوا في الخزائن من الثياب والمتاع والآنية والفضول والألطاف والأدهان ما لا يدرى ما قيمته)) .

وقد وجد العرب قبابا تركية مملوءة سلالاً مختمة بالرصاص، قال العرب: فما حسبناها إلا طعاماً فإذا هي آنية الذهب والفضة (3))
.(1) تاريخ إيران لشاهين مكاريوس طبع 1898 ص 90.
(2) أيضاً ص 211.
(3) تاريخ الطبري.


سبحان الله انظر اخى القاريء الى هؤلاء الظلمة اين ذهبوا الآن ؟؟؟
( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 25 ) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ( 26 ) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ( 27 ) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( 28 ) ) الدخان.
وسبحان الله رجع الملوك والرؤساء لكنز المال بعد ان انحسر دور الاسلام وكيف رجع الظلم فى الشعوب والقهر والطبقية والاستعباد وانَّا لله وانَّا اليه راجعون.
ولن يُرفع هذا الا بالرجوع الى الاسلام كما كان اللهم ردنا اليك رداً جميلاً .جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة وبارك اللهم فيمن قرأ وعمل ونشر فالدال على الخير كفاعله ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه.

الإسم:  ماذا خسر العالم.PNG
المشاهدات: 4631
الحجم:  338.6 كيلوبايت