التوازن في الإسلام


الحمد لله الذي تفضل علينا بنعمة الإسلام، ورضيه لنا منهجا للحياة.. ومرجعا وأصلا
نتحاكم إليه ونقتبس النور منه.. وبين فيه كل متطلبات الإنسان وما يدور حوله.. بأوضح بيان.. وأسمى وأرقى نظام.. وأدق وأحكم اتزان.. إنه دين الوسطية. . دين التوازن.. دين النظام..
إن التوازن والاعتدال أمر مطلوبفي الحياة, سواء في حياة الإنسان أو الحيوان أو النبات..بل في الكون كله أجمع.. فلا تستقر الحياة ولا يتحقق العيش الكريم إلا بالتوازن في كل شيء.. فنظراً لأهمية التوازن في حياة المسلم , ولُبعد بعض الناس اليوم عن النظرة المتوازنة للأمور بدون إفراط ولا تفريط , كان هذا الكتاب..
((التوازن في الإسلام))
إن من أراد النجاح لأي منهج أو قانون أو عمل أو مشروع.. فلا بد له من التوازن والنظام.. وإلا فإن نسبة النجاح تكون ضئيلة جدا.. إن كان هناك نجاح !!!
والتوازن في الإسلام..الذي هو شريعة الله تعالى..ودينه الذي ارتضاه لناس جميعا.. توازن وضعه رب العالمين خالق كل شيء..الكون والحيوان والنبات.. وأخيرا الإنسان.. المسخر له كل ما في الكون..
فعندما يضع الله تعالى التوازن في الخلق الذي خلقه بذاته العظيمة.. فلا أعدل ولا أحكم ولا أفضل.. من ذالك التوازن.. لأنه من يد الخالق العالم بكل شيء قبل أن يكون أي شيء في هذا الكون..
والمتتبع لآثار التوازن في الكون.. سيرى عظمة وحكمة الخالق في كل شيء.. نظرة واحدة لتتابع الليل والنهار وتعاقب الشمس والقمر.. أو نظرة واحدة لألوان الزهر.. أو نظرة واحدة لكيفية عمل عضو واحد فقط في جسم الإنسان.. فالعضو يعلم ماذا يفرز وفي أي وقت ومتى يعمل ومتى يتوقف... كل ذلك من نظرة واحدة لتوازن الكون.. فكيف بنا إذا أمعنا وتدبرنا في الكون من حولنا.. لجدير بنا أن نؤمن الإيمان الكامل أن الكون مخلوق في أعلى قمة التوازن والنظام..
وخالق هذا الكون المتوازن..هو خالق الإنسان.. وهو أعلم به وما يحتاجه فانزل له منهج ليتحاكم إليه ليحقق التوازن مع الكون ..فكان من ذلك "دين الإسلام" الذي فاق توازنه كل وضع وقانون أرضي وضعة الإنسان!!!!!!
وقيمة هذا المنهج أنه متوازن متناسق. لا يعذب الجسد ليسمو بالروح، ولا يهمل الروح ليستمتع الجسد. ولا يقيد طاقات الفرد ورغباته الفطرية السليمة ليحقق مصلحة الجماعة أو الدولة. ولا يطلق للفرد نزواته وشهواته الطاغية المنحرفة لتؤذي حياة الجماعة، أو تسخرها لإمتاع فرد أو أفراد.
وكافة التكاليف التي يضعها ذلك المنهج المتوازن على كاهل الإنسان ملحوظ فيها أنها في حدود طاقته، ولمصلحته؛ وقد زود بالاستعدادات والمقدرات التي تعينه على أداء تلك التكاليف، وتجعلها محببة لديه ـ مهما لقي من أجلها الآلام أحياناً ـ لأنها تلبي رغبة من رغباته، أو تصرف طاقة من طاقاته.
*************
ما هو التوازن؟؟
معنى التوازن:
التوازن هو: إعطاء كلشيء حقه من غير زيادة ولا نقص، أو:النظرة المعتدلة للأمور بين أطراف متناقضة.
والمقصود : البعد عن طرف الإفراط والحماس الزائد والغلو والتشدد والمبالغة ,كذلك البعد عن الطرف الآخر وهو التفريط والتهاون.
أهمية التوازن في الإسلام:
- البلوغ إلى المراد بيسر وسهوله وبدون مشقة وتكلف ومن ثم الوصول إلى دار القرار.
- الثبات على الصراط المستقيم فلايتحقق الثبات إلا بالاعتدال والتوازن بدون إفراط ولا تفريط.
- التوازن طريق النجاة والسلامة, فالتوازن طريق لنجاة الإنسان من المهلكات النفس و الدين في الدنيا والآخرة.
كذلك..تظهر أهمية التوازن على مستوى الأمة, فضعفها يكون بسبب غلوها في جانب وتفريطها في جوانب أخرى.
مشروعيةتحقيق التوازن:
نظراً لأهمية التوازن في الإسلام.. لابد من تأصيل مشروعيته من الكتاب و السنة والكون ..فأهم الأدلة المبينة لهذا التوازن ما يلي:
أولاً: الأدلة من الكتاب:
قال تعالى: [مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)] المائدة.وأمة مقتصدة أي: معتدلة كماقال القرطبي رحمة الله:"الاقتصاد: الاعتدال في العمل"
كذلك بين الله سبحانه وتعالى أن سبب استخلاف هذه الأمة في الأرض كان: لتحقيقهم المبدأ الوسط الذي يعم جميع جوانب الحياة قال تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ... (143)] البقرة.
ثانياً: الأدلة من السنة النبوية:
قال النبي r: ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) خ:/1-39
قال r: (هلك المتنطعون)، قالها ثلاثا.م/2670. والمتنطعون: المتعمقون، المتشددون في غير مواضع التشديد.
ثالثاً: أن التوازن قانون إلهي وناموس كوني:
لقد بينت كثير من الآيات عظمة صنع الله في الكون وأمرناب التدبر في مخلوقاته، قال تعالى: [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)] آل عمران.
ومن الآيات التي تبين وضوح قانون التوازن،قوله تعالى: [الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)] الزخرف.وقولهتعالى: [وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)] الرحمن. والعلم الحديث يبَين لنا جملة من الحقائق التي تؤكد أنالأرض سكن مثالي جداً للإنسان..وفيه من التوازن العجيب ما يذهل العقول ويبهرالألباب.
قال تعالى: [لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)] يس.والمجرات كذلك فيها توازن وتناسق عجيب يحير الأذهان ويذهل العقول.
فتلك الأدلة تتبين لنا أن التوازن منهج رباني وأصل أصيل في الشرع .فهو أمر مطلوب على مستوى الفرد والمجتمع والحياة كلها.. لابد من إدراكه والسعي لتحقيقه.
مجالات التوازن:
التوازن معنى واسع شامليشمل كل أعمال الإنسان دينياً وأخلاقيا واقتصادياً و سياسياً واجتماعياً.. قال تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ... (143)] البقرة. أي: وسطاً في كل شيء متوازنين في كل قول وعمل.
كيف نحقق التوازن:
1- العلم : العلم الصحيح من الكتاب والسنة الصحيحة فقط.فهو الطريق الأول لتحقيق التوازن.
2- القراءة في سير الصحابة رضوان الله عليهم :لمعرفة كيف كانوا يطبقون التوازن والاعتدال في حياتهم , وكيف جمع أبو بكر رضي الله عنه التوازن بين العبادة والحياة الخاصة, والإمارة والعمل والجهاد..
3- ترك إتباع الظن والهوى: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "أصل الضلال إتباع الظن والهوى"، قال تعالى :[ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)]النجم.
________________________________________________